صفحة جزء
باب ستر العورة

فائدتان إحداهما : قوله ( وسترها عن النظر بما لا يصف البشرة واجب ) . فلا يجوز كشفها . واعلم أن كشفها في غير الصلاة : تارة يكون في خلوة وتارة يكون مع زوجته ، أو سريته ، وتارة يكون مع غيرهما . فإن كان مع غيرهما : حرم كشفها . ووجب سترها إلا لضرورة ، كالتداوي والختان ، ومعرفة البلوغ ، والبكارة ، والثيوبة ، والعيب ، والولادة ، ونحو ذلك ، وإن كان مع زوجته أو سريته جاز له ذلك ، وإن كان في خلوة ، فإن كان ثم حاجة كالتخلي ونحوه جاز ، وإن لم تكن حاجة ، فالصحيح من المذهب : أنه يحرم . جزم به في التلخيص . قال في المستوعب : وستر العورة واجب في الصلاة وغيرها وصححه المجد في شرحه ، وابن عبيدان في مجمع البحرين ، والحاوي الكبير وقدمه في الرعايتين . وعنه يكره اختاره القاضي وغيره وقدمه في الفائق وقدم في النظم : أنه غير محرم ، وأطلقهما في الفروع في باب الاستنجاء ، وابن تميم . وتقدم هذا أيضا هناك . وعنه يجوز من غير كراهة . ذكرها في النكت ، وهو وجه ذكره أبو المعالي ، وصاحب الرعاية . [ ص: 448 ]

فعلى القول بالتحريم أو الكراهة : لا فرق بين أن يكون في ظلمة ، أو حمام أو يحضره ملك ، أو جني ، أو حيوان بهيم أو لا . ذكره في الرعاية وغيره . الثانية : يجب ستر العورة في الصلاة عن نفسه وعن غيره . فلو صلى في قميص واسع الجيب ، ولم يزره ولا شد وسطه ، وكان بحيث يرى عورته في قيامه أو ركوعه فهو كرؤية غيره في منع الإجزاء نص عليه ، ولا يعتبر سترها من أسفل على الصحيح من المذهب . واعتبره أبو المعالي إن تيسر النظر . وقال في الرعاية الكبرى قلت : فلو صلى على حائط ، فرأى عورته من تحت . بطلت صلاته . انتهى .

ويكفي في سترها نبات ونحوه ، كالحشيش والورق على الصحيح من المذهب . وقيل : لا يكفي الحشيش مع وجود ثوب . ويكفي متصل به ، كيده ولحيته ، على الصحيح من المذهب ونص عليه . وعنه لا يكفي . وهي وجه في ابن تميم . وقد تردد القاضي في شرح المذهب في الستر بلحيته فجزم تارة بأن الستر بالمتصل ليس بستر في الصلاة . ثم ذكر نص أحمد . ورجع إلى أنه ستر في الصلاة . انتهى .

ولا يلزمه لبس بارية وحصير ونحوهما مما يضره . ولا ضفيرة . ولا يلزم سترها بالطين ولا بالماء الكدر جزم به في الكافي ، والإفادات ، والفائق ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير وجزم به ابن الجوزي ، والشارح ، وابن رزين في الماء وقدمه في الطين . وقيل : يلزمه الستر بهما . وأطلقهما في الفروع ، والرعاية الكبرى واختار ابن عقيل : يجب بالطين لا بالماء الكدر . وقال المجد في شرحه ، وابن عبيدان ، وصاحب الحاوي : أظهر الوجهين لا يلزمه أن يطين به عورته . قال الشيخ تقي الدين : اختار الآمدي وغيره عدم لزوم الاستتار بالطين . قال : وهو الصواب المقطوع به وقيل : إنه المنصوص عن أحمد . انتهى .

وجزم في التلخيص بأنه لا يلزمه الستر بالماء . وأطلق في الطين الوجهين . فعلى القول بوجوب سترها بالطين : لو صلى به ، ثم تناثر شيء لم يلزمه إعادته على الصحيح . وقال ابن أبي الفهم : يلزمه . وأطلق الوجهين في الرعاية الكبرى . [ ص: 449 ]

تنبيه :

مفهوم قوله " بما لا يصف البشرة " أنه إذا كان يصف البشرة لا يصح الستر به ، وهو صحيح ، وهو المذهب . وعليه الأصحاب ، مثل أن يكون خفيفا فيبين من ورائه الجلد وحمرته .

فأما إن كان يستر اللون ، ويصف الخلقة : لم يضر . قال الأصحاب : لا يضر إذا وصف التقاطيع ، ولا بأس بذلك نص عليه ، لمشقة الاحتراز . ونقل مهنا تغطي خفها لأنه يصف قدمها ، واحتج به القاضي على أن القدم عورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية