صفحة جزء
[ ص: 120 ] باب التأويل في الحلف

تنبيه : شمل قوله ( وإن لم يكن ظالما فله تأويله ) ، أنه لو لم يكن ظالما ولا مظلوما ينفعه تأويله ، وهو صحيح ، وهو المذهب ، اختاره المصنف والشارح وغيرهما ، وهو ظاهر كلام المجد وغيره ، وقيل : لا ينفعه تأويله والحالة هذه ، حكاه الشيخ تقي الدين رحمه الله ، وقال : ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله المنع من اليمين به ، ويأتي ما يشبه هذا قريبا في التعريض .

فوائد . الأولى : قوله " وإن " لم يكن ظالما فله تأويله " فعلى هذا : ينوي باللباس : الليل ، وبالفراش والبساط : الأرض ، وبالأوتاد الجبال ، وبالسقف والبناء : السماء وبالأخوة : أخوة الإسلام ، وما ذكرت فلانا : أي ما قطعت ذكره ، وما رأيته : أي ما ضربت رئته ، وبنسائي طوالق : أي نساؤه الأقارب منه ، وبجواري أحرار : سفنه ، وبما كاتبت فلانا : مكاتبة الرقيق ، وبما عرفته : جعلته عريفا ، ولا أعلمته أو أعلم السفه ، ولا سألته حاجة ، وهي الشجرة الصغيرة ، ولا أكلت له دجاجة ، وهي الكبة من الغزل ، ولا فروجة ، وهي الدراعة ، ولا في بيتي فراش ، وهي الصغار من الإبل ، ولا حصير ، وهو الحبس ، ولا بارية ، وهي السكين التي يبرى بها ، ويقول : والله ما أكلت من هذا شيئا ، ويعني به الباقي ، كذا ما أخذت منه شيئا ، قال المصنف والشارح : فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه إذا عناه بيمينه ، فهو تأويل ; لأنه خلاف الظاهر ، ويأتي آخر الباب زيادات على هذا .

الثانية : يجوز التعريض في المخاطبة لغير ظالم بلا حاجة ، على الصحيح من المذهب ، اختاره أكثر الأصحاب ، [ ص: 121 ] وقيل : لا يجوز ، ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله واختاره . لأنه تدليس كتدليس البيع ، وكره الإمام أحمد رحمه الله التدليس ، وقال : لا يعجبني ، والمنصوص : لا يجوز التعريض مع اليمين ، ويقبل في الحكم مع قرب الاحتمال من الظاهر ، ولا يقبل مع بعده ، ومع توسطه روايتان ، وأطلقهما في المحرر ، والنظم ، والزركشي والحاوي الصغير ، والفروع ، وأطلق الروايتين في المذهب ، والمستوعب ، يعني سواء قرب الاحتمال أو توسط . إحداهما : يقبل ، وجزم به أبو محمد الجوزي ، وقدمه في الرعايتين في أول باب جامع الأيمان والزبدة ، وصححه في تصحيح المحرر ، والثانية : لا يقبل .

الثالث : قوله ( فإذا أكل تمرا فحلف لتخبرني بعدد ما أكلت أو لتميزن نوى ما أكلت فإنها تفرد كل نواة وحدها وتعد من واحد إلى عدد يتحقق دخول ما أكل فيه ) ، قاله كثير من الأصحاب ، وقدمه في الرعايتين ، وقال وقيل : إن نواه وإلا حنث . واعلم أن غالب هذا الباب مبني على التخلص مما حلف عليه بالحيل ، والمذهب المنصوص عن الإمام أحمد رحمه الله : أن الحيل لا يجوز فعلها ، ولا يبر بها ، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على مسائل ، من ذلك : أنه إذا حلف " ليطأنها في نهار رمضان " ثم سافر ، ووطئها ، فنصه : لا يعجبني ذلك ، لأنه حيلة ، وقال أيضا : من احتال بحيلة فهو حانث ، ونقل عنه الميموني : نحن لا نرى الحيلة إلا بما يجوز ، [ ص: 122 ] فقال له : إنهم يقولون لمن قال لامرأته وهي على درجة سلم " إن صعدت أو نزلت فأنت طالق " فقالوا : تحمل عنه ، أو تنتقل عنه إلى سلم آخر ، فقال : ليس هذا حيلة ، هذا هو الحنث بعينه .

وقالوا : إذا حلف لا يطأ بساطا فوطئ على اثنين ، وإذا حلف لا يدخل دارا فحمل وأدخل إليها طائعا ، قال ابن حامد وغيره : جملة مذهبه : أنه لا يجوز التحيل في اليمين ، وأنه لا يخرج منها إلا بما ورد به سمع ، كنسيان وإكراه واستثناء ، قاله في الترغيب ، وقال : قال أصحابنا : لا يجوز التحيل لإسقاط حكم اليمين ، ولا يسقط بذلك ، ونقل المروذي { لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له } وقالت عائشة " لعن الله صاحب المرق لقد احتال حتى أكل " ونص الإمام أحمد رحمه الله فيمن حلف بالطلاق الثلاث ليطأنها اليوم ، فإذا هي حائض ، أو ليسقين ابنه خمرا لا يفعل ، وتطلق ، فهذه نصوصه ، وقول أصحابه ، وقد ذكر أبو الخطاب وجماعة كثيرة من الأصحاب جواز ذلك ، وذكروا من ذلك مسائل كثيرة مذكورة في الهداية ، والمذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، وعيون المسائل ، وغيرهم ، وأعظمهم في ذلك : صاحب المستوعب ، والرعايتين فيهما ، وذكر المصنف هنا بعضها ، قلت : الذي نقطع به : أن ذلك ليس بمذهب للإمام أحمد رحمه الله مع هذه النصوص المصرحة بالحنث ، ولم يرد عنه ما يخالفها ، ولكن ذكر ذلك بعض الأصحاب ، فنحن نذكر شيئا من ذلك حتى لا يخلو كتابنا منه ، في آخر الباب ، تبعا للمصنف . [ ص: 123 ]

فمن ذلك : ما قاله المصنف هنا ( وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ، ولا يدخله بارية ، فإنه يدخله قصبا فينسجه فيه ) ، قاله جماعة ، وقدمه في الرعايتين ، والحاوي ، وقال وقيل : إن أدخل بيته قصبا لذلك فنسجت فيه : حنث ، وإن طرأ قصده وحلفه والقصب فيه فوجهان .

التالي السابق


الخدمات العلمية