( وشرط الصوم ) لصحة ( الأول ) اتفاقا ( فقط ) على المذهب ( فلو نذر اعتكاف ليلة لم يصح ) وإن نوى معها اليوم لعدم محليتها للصوم أما لو نوى بها اليوم صح والفرق لا يخفى ( بخلاف ما لو قال ) في نذره ليلا ونهارا ( فإنه يصح و ) إن لم يكن الليل محلا [ ص: 443 ] للصوم لأنه ( يدخل الليل تبعا و ) .
اعلم أن ( الشرط ) في الصوم مراعاة ( وجوده لا إيجاده ) للمشروط قصدا ( فلو نذر اعتكاف شهر رمضان لزمه وأجزأه ) صوم رمضان ( عن صوم الاعتكاف ) لكن قالوا لو صام تطوعا ثم نذر اعتكاف ذلك اليوم لم يصح لانعقاده من أوله تطوعا فتعذر جعله واجبا ( وإن لم يعتكف ) رمضان المعين ( قضى شهرا ) غيره ( بصوم مقصود ) لعود شرطه إلى الكمال الأصلي فلم يجز في رمضان آخر ولا في واجب سوى قضاء رمضان الأول لأنه خلف عنه وتحقيقه في الأصول في بحث الأمر .
( قوله وشرط الصوم لصحة الأول ) أي النذر حتى لو قال : لله علي أن أعتكف شهرا بغير صوم فعليه أن يعتكف ويصوم بحر عن الظهيرية ( قوله على المذهب ) راجع لقوله فقط وهو رواية الأصل ومقابله رواية nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن أنه شرط للتطوع أيضا وهو مبني على اختلاف الرواية في أن التطوع مقدر بيوم أو لا ففي رواية الأصل غير مقدر ، فلم يكن الصوم شرطا له وعلى رواية تقديره بيوم وهي رواية nindex.php?page=showalam&ids=14111الحسن أيضا يكون الصوم شرطا له كما في البدائع وغيرها .
قلت : ومقتضى ذلك أن الصوم شرط أيضا في الاعتكاف المسنون لأنه مقدر بالعشر الأخير حتى لو اعتكفه بلا صوم لمرض أو سفر ، ينبغي أن لا يصح عنه بل يكون نفلا فلا تحصل به إقامة سنة الكفاية ويؤيده قول الكنز سن لبث في مسجد بصوم ونية فإنه لا يمكن حمله على المنذور لتصريحه بالسنية ولا على التطوع لقوله بعده وأقله نفلا ساعة فتعين حمله على المسنون سنة مؤكدة ، فيدل على اشتراط الصوم فيه ، وقوله في البحر لا يمكن حمله عليه لتصريحهم بأن الصوم إنما هو شرط في المنذور فقط دون غيره فيه نظر لأنهم إنما صرحوا بكونه شرطا في المنذور غير شرط في التطوع ، وسكتوا عن بيان حكم المسنون لظهور أنه لا يكون إلا بالصوم عادة ولهذا قسم في متن الدرر الاعتكاف إلى الأقسام الثلاثة المنذور والمسنون والتطوع ، ثم قال والصوم شرط لصحة الأول لا الثالث ولم يتعرض للثاني لما قلنا ولو كان مرادهم بالتطوع ما يشمل المسنون لكان عليه أن يقول شرط لصحة الأول فقط كما قال المصنف فعبارة صاحب الدرر أحسن من عبارة المصنف لما علمته هذا ما ظهر لي ( قوله وإن نوى معها اليوم ) أما لو نذر اعتكاف اليوم ونوى الليلة معه لزماه كما في البحر ( قوله والفرق لا يخفى ) وهو أنه في الأولى لما جعل اليوم تبعا لليلة ، وقد بطل نذره في المتبوع وهو الليلة بطل في التابع وهو اليوم وفي الثانية أطلق الليلة وأراد اليوم مجازا مرسلا بمرتبتين حيث استعمل المقيد وهو الليلة في مطلق الزمن ثم استعمل هذا المطلق في المقيد وهو اليوم فكان اليوم مقصودا . ا هـ . ح .
[ ص: 443 ] قلت : لكن هذا الفرع مشكل ، فإن الجائر هو إطلاق النهار على مطلق الزمان دون إطلاق الليل ولو ساغ الإطلاق المذكور بعلاقة الإطلاق والتقييد أو غيرها لساغ إطلاق السماء على الأرض أو النخلة على شيء طويل غير الإنسان مع أن المصرح به في كتب الأصول عدمه وأيضا صرحوا بأنه إذا نوى بالعتق الطلاق صح لأن العتق وضع لإزالة ملك الرقبة والطلاق لإزالة ملك المتعة والأولى سبب للثانية فصح المجاز بخلاف ما لو نوى بالطلاق العتق فإنه لا يصح مع أنه لا يمكن فيه ادعاء الإطلاق والتقييد فليتأمل ( قوله لأنه يدخل الليل تبعا ) ولا يشترط للتبع ما يشترط للأصل بحر ( قوله لا إيجاده للمشروط قصدا ) أي لا يشترط إيقاعه مقصودا لأجل الاعتكاف المشروط كما لا يشترط إيقاع الطهارة قصدا لأجل الصلاة بل إذا حضرت الصلاة وكان متوضئا قبلها لغيرها ولو للتبرد يكفيه لها ( قوله فلو نذر اعتكاف شهر رمضان ) الظاهر أن مثله ما إذا نذر صوم شهر معين ، ثم نذر اعتكاف ذلك الشهر ، أو نذر صوم الأبد ثم نذر اعتكافا فليتأمل ويراجع ا هـ ح .
قلت : ووجه التأمل ما ذكروا من أن الصوم المقصود للاعتكاف إنما سقط في رمضان لشرف الوقت كما يأتي تقريره والشرف غير موجود في الصوم المنذور ( قوله لكن قالوا إلخ ) قال في الفتح ومن التفريعات أنه لو أصبح صائما متطوعا أو غير ناو للصوم ثم قال : لله علي أن أعتكف هذا اليوم لا يصح وإن كان في وقت تصح منه نية الصوم لعدم استيعاب النهار وعند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أقله أكثر النهار ، فإن كان قاله قبل نصف النهار لزمه فإن لم يعتكفه قضاه ا هـ وقد ظهر أن علة عدم الصحة عدم استيعاب الاعتكاف للنهار لا تعذر جعل التطوع واجبا وأنه لا محل للاستدراك المفاد بلكن بل هي مسألة مستقلة لا تعلق لها بما في المتن . ا هـ . ح
قلت : ما علل به الشارح علل به في التتارخانية والتجنيس والولوالجية والمعراج وشرح درر البحار ، فيكون ذلك علة أخرى لعدم صحة النذر وبه يصح الاستدراك على قوله الشرط وجوده لإيجاده فإن الشرط هنا وهو الصوم موجود مع أنه لم يصح النذر بالاعتكاف .
والحاصل : أنه لم يصح لعدم استيعاب النهار بالاعتكاف ، وعدم استيعابه بالصوم الواجب وبه علم أن الشرط صوم واجب بنذر الاعتكاف أو بغيره كرمضان ويمكن دفع الاستدراك بهذا فافهم ( قوله قضى شهرا غيره ) أي متتابعا لأنه التزم الاعتكاف في شهر بعينه وقد فاته فيقضيه متتابعا كما إذا أوجب اعتكاف رجب ولم يعتكف فيه بدائع ( قوله سوى قضاء رمضان الأول ) أما قضاء رمضان الأول فإنه إن قضاه متتابعا واعتكف فيه جاز لأن الصوم الذي وجب فيه الاعتكاف باق فيقضيهما بصوم شهر متتابعا بدائع أي لأن القضاء خلف عن الأداء فأعطي حكمه كما أشار إليه الشارح ( قوله وتحقيقه في الأصول ) وهو أن النذر كان موجبا للصوم المقصود ولكن سقط لشرف الوقت ، ولما لم يعتكف في الوقت صار ذلك النذر بمنزلة نذر مطلق عن الوقت فعاد شرطه إلى الكمال بأن وجب الاعتكاف بصوم مقصود لزوال المانع وهو رمضان . [ ص: 444 ] فإن قلت : على هذا كان ينبغي أن لا يتأدى ذلك الاعتكاف في صوم قضاء ذلك الشهر كما لو نذر مطلقا .
قلت : العلة الاتصال بصوم الشهر مطلقا وهو موجود .
فإن قلت : الشرط يراعى وجوده ولا يجب كونه مقصودا كما لو توضأ للتبرد تجوز به الصلاة ورمضان الثاني على هذه الصفة .
قلت : حدوث صفة الكمال منع الشرط عن مقتضاه فلا بد أن يكون مقصودا . ا هـ . ح عن شرح المنار لابن مالك . [ تنبيه ]
في البدائع لو أوجب اعتكاف شهر بعينه فاعتكف شهرا قبله أجزأه عند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لا عند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد وهو على الاختلاف في النذر بصوم شهر معين فصام قبله ا هـ أي بناء على أن النذر غير المعلق لا يختص بزمان ولا مكان كما مر بخلاف المعلق وقدمنا أن الخلاف في صحة التقديم لا التأخير والظاهر أنه لا فرق بين نذر اعتكاف رمضان أو شهر معين غيره فيصح اعتكافه قبله وبعده في القضاء وغيره سوى رمضان آخر غير أنه إن فعله في غير رمضان الأول أو قضائه لا بد له من صوم مقصود كما هو صريح المتن ، وليس في كلامهم ما يدل على أنه لا يصح في غيرهما مطلقا ، وإنما فيه الفرق بينهم وبين غيرهما بأنه لو فعله فيهما أغنى عن صوم مقصود للاعتكاف بسبب شرف الوقت وخلفه وفي غيرهما لا بد من صوم مقصود له وهذا ظاهر لا خفاء فيه فافهم .