ولو وهب الأب لابنه مالا يحج به لم يجب قبوله لأن شرائط الوجوب لا يجب تحصيلها وهذا منها باتفاق الفقهاء خلافا للأصوليين ( فضلا عما لا بد منه ) كما مر في الزكاة [ ص: 462 ] ومنه المسكن ومرمته ولو كبيرا يمكنه الاستغناء ببعضه ، والحج بالفاضل فإنه لا يلزمه بيع الزائد .
نعم هو الأفضل وعلم به عدم لزوم بيع الكل والاكتفاء بسكنى الإجارة بالأولى وكذا لو كان عنده ما لو اشترى به مسكنا وخادما لا يبقى بعده ما يكفي للحج لا يلزمه خلاصة وحرر في النهر أنه يشترط بقاء رأس مال لحرفته إن احتاجت لذلك وإلا لا وفي الأشباه معه ألف وخاف العزوبة إن كان قبل خروج أهل بلده فله التزوج ولو وقته لزمه الحج ( و ) فضلا عن ( نفقة عياله ) ممن تلزمه نفقته لتقدم حق العبد [ ص: 463 ] ( إلى ) حين ( عوده ) وقيل بعده بيوم وقيل بشهر ( مع أمن الطريق ) بغلبة السلامة ولو بالرشوة على ما حققه الكمال وسيجيء آخر الكتاب أن قتل بعض الحجاج عذر وهل ما يؤخذ [ ص: 464 ] من المكس والخفارة عذر قولان والمعتمد لا كما في القنية والمجتبى وعليه فيحتسب في الفاضل عما لا بد منه القدرة على المكس ونحوه كما في مناسك الطرابلسي .
( قوله ولو وهب الأب لابنه إلخ ) وكذا عكسه وحيث لا يجب قبوله مع أنه لا يمن أحدهما على الآخر يعلم حكم الأجنبي بالأولى ومراده إفادة أن القادر على الزاد والراحلة لا بد فيها من الملك دون الإباحة والعارية كما قدمناه ( قوله وهذا ) أي المذكور وهو القدرة على الزاد والراحلة ( قوله خلافا للأصوليين ) حيث قالوا إنها من شروط وجوب الأداء وتمامه في البحر وفيما علقناه عليه ( قوله كما مر في الزكاة ) أي من بيان ما لا بد منه من الحوائج الأصلية كفرسه وسلاحه وثيابه وعبيد خدمته وآلات حرفته وأثاثه وقضاء ديونه وأصدقته ولو مؤجلة كما في اللباب وغيره والمراد قضاء ديون العباد ولذا قال في اللباب أيضا وإن وجد مالا وعليه حج وزكاة يحج به قيل إلا أن يكون المال من جنس ما تجب فيه الزكاة فيصرف إليها . ا هـ .
[ تنبيه ]
ليس من الحوائج الأصلية ما جرت به العادة المحدثة برسم الهدية للأقارب والأصحاب ، فلا يعذر بترك الحج لعجزه عن ذلك كما نبه عليه العمادي في منسكه ، وأقره الشيخ إسماعيل وعزاه بعضهم إلى منسك المحقق ابن أمير حاج [ ص: 462 ] وعزاه السيد أبو السعود إلى مناسك الكرماني ( قوله ومنه المسكن ) أي الذي يسكنه هو أو من يجب عليه مسكنه بخلاف الفاضل عنه من مسكن أو عبد أو متاع أو كتب شرعية أو آلية كعربية أما نحو الطب والنجوم وأمثالها من الكتب الرياضية فتثبت بها الاستطاعة وإن احتاج إليها كما في شرح اللباب عن التتارخانية ( قوله فإنه لا يلزمه بيع الزائد ) لأنه لا يعتبر في الحاجة قدر ما لا بد منه ولو كان عنده طعام سنة ، ولو أكثر لزمه بيع الزائد إن كان فيه وفاء كما في اللباب وشرحه ( قوله والاكتفاء ) بالجر عطفا على بيع ( قوله لا يلزمه ) تبع في عزو ذلك إلى الخلاصة ما في البحر والنهر ، والذي رأيته في الخلاصة هكذا وإن لم يكن له مسكن ولا شيء من ذلك وعنده دراهم تبلغ به الحج وتبلغ ثمن مسكن وخادم وطعام وقوت وجب عليه الحج وإن جعلها في غيره أثم ا هـ لكن هذا إذا كان وقت خروج أهل بلده كما صرح به في اللباب أما قبله فيشتري به ما شاء لأنه قبل الوجوب كما في مسألة التزوج الآتية وعليه يحمل كلام الشارح فتدبر ( قوله يشترط بقاء رأس مال لحرفته ) كتاجر ودهقان ومزارع كما في الخلاصة ، ورأس المال يختلف باختلاف الناس بحر .
قلت : والمراد ما يمكنه الاكتساب به قدر كفايته وكفاية عياله لا أكثر لأنه لا نهاية له ( قوله وفي الأشباه ) المسألة منقولة عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في تقديم الحج على التزوج ، والتفصيل المذكور ذكره صاحب الهداية في التجنيس ، وذكرها في الهداية مطلقة ، واستشهد بها على أن الحج على الفور عنده ومقتضاه تقديم الحج على التزوج ، وإن كان واجبا عند التوقان وهو صريح ما في العناية مع أنه حينئذ من الحوائج الأصلية ولذا اعترضه ابن كمال باشا في شرحه على الهداية بأنه حال التوقان مقدم على الحج اتفاقا لأن في تركه أمرين ترك الفرض والوقوع في الزنا وجواب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في غير حال التوقان ا هـ أي في غير حال تحققه الزنا لأنه لو تحققه فرض التزوج أما لو خافه فالتزوج واجب لا فرض فيقدم الحج الفرض عليه فافهم ( قوله وفضلا عن نفقة عياله ) هذا داخل تحت ما لا بد منه فهو من عطف الخاص على العام اهتماما بشأنه نهر ، والنفقة تشمل الطعام والكسوة والسكنى ، ويعتبر في نفقته ونفقة عياله الوسط من غير تبذير ولا تقتير بحر : أي الوسط من حاله المعهود ولذا أعقبه بقوله من غير تبذير إلخ لا ما بين نفقة الغني والفقير فلا يرد ما في البحر من أن اعتبار الوسط في نفقة الزوجة خلاف المفتى به والفتوى على اعتبار حالهما كما سيأتي إن شاء الله تعالى . ا هـ . لأن المراد بالوسط هناك المعنى الثاني والمراد هنا الأول فافهم .
( قوله لتقدم حق العبد ) أي على حق الشرع لا تهاونا بحق الشرع ، بل لحاجة العبد وعدم حاجة الشرع ألا ترى أنه إذا اجتمعت الحدود ، وفيها حق العبد يبدأ بحق العبد لما قلنا ولأنه ما من شيء إلا ولله تعالى فيه حق ، فلو قدم حق الشرع عند الاجتماع بطل حقوق العباد كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان وأما قوله عليه الصلاة والسلام " { فدين الله أحق } " فالظاهر أنه أحق من جهة التعظيم ، لا من جهة التقديم ، ولذا قلنا لا يستقرض ليحج [ ص: 463 ] إلا إذا قدر على الوفاء كما مر وكذا جاز قطع الصلاة أو تأخيرها لخوفه على نفسه أو ماله أو نفس غيره أو ماله كخوف القابلة على الولد والخوف من تردي أعمى وخوف الراعي من الذئب وأمثال ذلك كإفطار الضيف ( قوله إلى حين عوده ) متعلق بقوله فضلا أو بما لا بد منه لأنه بمعنى ما يحتاج أو بنفقة أي فلا يشترط بقاء نفقة لما بعد عوده وهذا ظاهر الرواية ( قوله مع أمن الطريق ) أي وقت خروج أهل بلده وإن كان مخيفا في غيره بحر وقدمنا عن اللباب أنه من شروط وجوب الأداء وفي شرحه أنه الأصح ورجحه في الفتح ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام أنه شرط وجوب فعلى الأول تجب الوصية به إذا مات قبل أمن الطريق أما بعده فتجب اتفاقا بحر ( قوله بغلبة السلامة ) كذا اختاره الفقيه nindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث وعليه الاعتماد .
واختلف في سقوطه إذا لم يكن بد من ركوب البحر فقيل : يسقط وقال الكرماني : إن كان الغالب فيه السلامة من موضع جرت العادة بركوبه يجب وإلا فلا وهو الأصح بحر قال في الفتح : والذي يظهر أنه يعتبر مع غلبة السلامة عدم غلبة الخوف ، حتى لو غلب لوقوع النهب والغلبة من المحاربين مرارا أو سمعوا أن طائفة تعرضت للطريق ، ولها شوكة والناس يستضعفون أنفسهم عنهم لا يجب ، وما أفتى به nindex.php?page=showalam&ids=14330الرازي من سقوطه عن أهل بغداد وقول الإسكاف في سنة ست وثلاثين وستمائة لا أقول إنه فرض في زماننا وقول الثلجي ليس على أهل خراسان منذ كذا كذا سنة حج إنما كان وقت غلبة النهب والخوف في الطريق ثم زال ولله المنة ( قوله على ما حققه الكمال ) حيث قال وقول الصفار لا أرى الحج فرضا منذ عشرين سنة من حين خرجت القرامطة لأنه لا يتوصل إليه إلا بإرشادهم ، فتكون الطاعة سبب المعصية فيه نظر لأن هذا لم يكن من شأنهم ، إنما شأنهم استحلال قتل الأنفس وأخذ الأموال ، وكانوا يغلبون على أماكن يترصدون فيها للحجاج ، وقد هجموا عليهم مرة في مكة فقتلوا خلقا في الحرم ، وقد سئل nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي عمن لا يحج خوفا منهم فقال : ما سلمت البادية من الآفات أي لا تخلو عنها لقلة الماء وهيجان السموم ، وهذا إيجاب منه رحمه الله تعالى ومحمله أنه رأى الغالب اندفاع شرهم عن الحاج ، وبتقديره فالإثم في مثله على الآخذ على ما عرف من تقسيم الرشوة في كتاب القضاء ا هـ ملخصا واعترضه ابن كمال باشا في شرحه على الهداية بأن ما ذكر في القضاء ليس على إطلاقه بل فيما إذا كان المعطي مضطرا بأن لزمه الإعطاء ضرورة عن نفسه أو ماله أما إذا كان بالالتزام منه فبالإعطاء أيضا يأثم وما نحن فيه من هذا القبيل ا هـ وأقره في النهر ، وأجاب السيد أبو السعود بأنه هنا مضطر لإسقاط الفرض عن نفسه .
قلت : ويؤيده ما يأتي عن القنية والمجتبى فإن المكس والخفارة رشوة ونقل ح عن البحر أن الرشوة في مثل هذا جائزة ولم أره فيه فليراجع ( قوله إن قتل بعض الحجاج ) أي في كل عام أو في غالب الأعوام ، وحينئذ فلا تكون السلامة غالبة ا هـ ح .
قلت : فيه نظر فإن غلبة السلامة ليس المراد بها لكل أحد بل للمجموع ، وهي لا تنتفي إلا بقتل الأكثر أو الكثير أما قتل اللصوص لبعض قليل من جمع كثير سيما إذا كان بتفريطه بنفسه وخروجه من بينهم فالسلامة فيه غالبة نعم إذا كان القتل بمحاربة القطاع مع الحجاج فهو عذر إذا غلب الخوف لما مر عن الفتح من أنه يشترط عدم غلبة الخوف إلخ على أنك قد سمعت آنفا جواب nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي في شأن القرامطة المستحلين لقتل الحجاج وأيضا فإن ما يحصل من الموت بقلة الماء وهيجان السموم أكثر مما يحصل بالقتل بأضعاف كثيرة ، فلو كان عذرا لزم أن [ ص: 464 ] لا يجب الحج إلا على القريب من مكة في أوقات خاصة مع أن الله تعالى أوجبه على أهل الآفاق من كل فج عميق مع العلم بأن سفره لا يخلو عما يكون في غيره من الأسفار من موت وقتل وسرقة فافهم ( قوله من المكس والخفارة ) المكس ما يأخذه العشار والخفارة ما يأخذه الخفير ، وهو المجير ومثله ما يأخذه الأعراب في زماننا من الصر المعين من جهة السلطان نصره الله تعالى لدفع شرهم ( قوله والمعتمد لا ) وعليه الفتوى شرح اللباب عن المنهاج ( قوله وعليه ) أي على كون المعتمد عدم كونه عذرا فيحتسب إلخ ح ( قوله كما في مناسك الطرابلسي ) وعزاه في شرح اللباب إلى الكرماني .