وفي شرح النقاية للباقاني عن البحر المحيط : سئل أبو حفص عمن لها إمساك الولد وليس لها مسكن مع الولد ؟ فقال : على الأب سكناهما جميعا . [ ص: 562 ] وقال نجم الأئمة : المختار أنه عليه السكنى في الحضانة ، وكذا إن احتاج الصغير إلى خادم يلزم الأب به . وفي كتب الشافعية : مؤنة الحضانة في مال المحضون لو له وإلا فعلى من تلزمه نفقته . قال شيخنا : وقواعدنا تقتضيه فيفتى به ثم حرر أن الحضانة كالرضاع ، والله تعالى أعلم .
( قوله : إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة لأبيه ) هذا قيد فيما إذا كانت الحاضنة أما فلو كانت غيرها فالظاهر استحقاقها أجرة الحضانة بالأولى ، وقوله : لأبيه احتراز عما لو كانت في نكاح أو عدة رجل غير الأب فإنها تستحق الأجرة عليها ، لكن إذا كان الناكح محرما للصغير وإلا فلا حضانة لها كما مر هذا .
وقال المصنف في المنح : وعندي أنه لا حاجة إلى قوله إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة لأن الظاهر وجوب أجرة الحضانة لها إذا كانت أهلا ، وما ذكر إنما هو شرط لوجوب أجر الرضاع لها لأنها إنما تستأجر له إذا لم تكن منكوحة ، أو معتدة . ا هـ . ونازعه الخير الرملي في حاشيته على المنح بأن امتناع وجوب أجر الرضاع للمنكوحة ومعتدة الرجعي لوجوبه عليها ديانة وذلك موجود في الحضانة ، بل دعوى الأولوية فيها غير بعيد إلى آخر ما قاله .
قلت : على أنك قد علمت مما قدمناه آنفا أن الأجرة تستحق مع وجود الجبر فلا تنافي الوجوب ، ولعل وجهه أن نفقة الصغير لها وجبت على أبيه لو غنيا وإلا فمن مال الصغير كان من جملتها الإنفاق على حاضنته التي حبست نفسها لأجله عن التزوج ، ومثلها أجرة إرضاعه ، فلم تكن أجرة خالصة من كل وجه حتى ينافيها الوجوب بل لها شبه الأجرة وشبه النفقة ، فإذا كانت منكوحة ، أو معتدة لأبيه لم تستحق أجرة لا على الحضانة ولا على الإرضاع لوجوبهما عليها ديانة ، النفقة ثابتة لها بدونهما ، بخلاف ما بعد انقضاء العدة فإنها تستحقها عملا بشبه الأجرة ، وعن هذا كان الأوجه عدم الفرق بين معتدة الرجعي والبائن كما هو مقتضى إطلاق الكنز . وظاهر الهداية ترجيحه فإنه ذكر في الرضاع أن في معتدة البائن روايتين ، وآخر دليل عدم الجواز لكن ذكر في الجوهرة وغيرها تصحيح الجواز ، ويأتي تمامه في الباب الآتي . ( قوله : وهي غير أجرة إرضاعه ونفقته ) قال في البحر : فعلى هذا يجب على الأب ثلاثة : أجرة الرضاع ، وأجرة الحضانة ، ونفقة الولد ا هـ ومثله في الشرنبلالية . ( قوله : عن السراجية ) المراد بها هنا فتاوى سراج الدين قارئ الهداية فإنه في الباب الآتي عزا ذلك إليها صريحا ، فلا محل لترديد المصنف لأنه يحتمل أنه أراد بها الفتاوى السراجية المشهورة مع قوله لكني لم أقف على ذلك فيها فافهم ، لكن قوله إذا لم تكن منكوحة ولا معتدة لأبيه نقله في البحر عن السراجية ولم أره فيها ، فإن عبارة فتاوى قارئ الهداية : سئل هل تستحق المطلقة أجرة بسبب حضانة ولدها خاصة من غير إرضاع له ؟ فأجاب : نعم تستحق أجرة على الحضانة ، وكذا إذا احتاج إلى خادم يلزم به ا هـ وأفتى بذلك أيضا صاحب البحر في فتاواه ، وكذا في الخيرية ، ومشى عليه في النهر . وقدمنا أنه مفهوم من قولهم في مسألة العمة والخال إن الأب معسر . ( قوله : خلافا لما نقله المصنف ) حيث قال بعد نقل كلام قارئ الهداية : لكن يشكل على هذا الإطلاق ما في جواهر الفتاوى قال : سئل قاضي القضاة فخر الدين قاضي خان عن المبتوتة هل لها أجرة الحضانة بعد فطام الولد ؟ فقال لا ، والله تعالى أعلم . ا هـ .
قلت : يمكن حمل المبتوتة على المعتدة من طلاق بات فهو مبني على إحدى الروايتين في البائن كما قدمناه آنفا ، لكن التقييد بما بعد فطام الولد لم يظهر لي وجهه ، ولعله لكونه الواقع في حادثة الفتوى . [ ص: 562 ] مطلب في لزوم أجرة مسكن الحضانة
. ( قوله : وقال نجم الأئمة : المختار أن عليه السكنى ) في نفقات البحر عن التفاريق : لا تجب في الحضانة أجرة المسكن . وقال آخرون : تجب إن كان للصبي مال وإلا فعلى من تجب عليه نفقته . ا هـ . وفي النهر : وينبغي ترجيح عدم الوجوب لأن وجوب الأجر لا يستلزم وجوب المسكن بخلاف النفقة . ا هـ .
قلت : صاحب النهر ليس من أهل الترجيح ، فلا يعارض ترجيحه ترجيح نجم الأئمة ولا سيما مع ضعف تعليله ، فإن القول بوجوب أجرة المسكن ليس مبنيا على وجوب الأجر على الحضانة بل على وجوب نفقة الولد ; فقد تكون الحاضنة لا مسكن لها أصلا بل تسكن عند غيرها فكيف يلزمها أجرة مسكن لتحضن فيه الولد ، بل الوجه لزومه على من تلزمه نفقته ، فإن المسكن من النفقة . ونقل الخير الرملي عن المصنف أنه اختلف في لزومه والأظهر اللزوم كما في بعض المعتبرات . قال الرملي : وهذا يعلم من قولهم : إذا احتاج الصغير لخادم يلزم الأب ، فإن احتياجه إلى المسكن مقرر ا هـ .
قلت : واعتمده ابن الشحنة مخالفا لما اختاره nindex.php?page=showalam&ids=13633ابن وهبان وشيخه الطرسوسي .
والحاصل أن الأوجه لزومه لما قلنا ، لكن هذا إنما يظهر لو لم يكن لها مسكن ، أما لو كان لها مسكن يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعا لها فلا لعدم احتياجه إليه ، فينبغي أن يكون ذلك توفيقا بين القولين ، ويشير إليه قول أبي حفص وليس لها مسكن . ولا يخفى أن هذا هو الأرفق للجانبين فليكن عليه العمل ، والله الموفق فافهم . ( قوله : وكذا إلخ ) قدمناه عن فتاوى قارئ الهداية . ( قوله : قال شيخنا ) يعني الخير الرملي في حواشيه على البحر فافهم . ( قوله : وقواعدنا تقتضيه ) .
قلت : ما قدمناه قريبا عن خط شيخ مشايخنا السائحاني صريح في ذلك ، فقد وافق بحثه المنقول . ( قوله : ثم حرر ) أي الخير الرملي أن الحضانة كالرضاع أي في أنها لا أجر للأم فيها لو منكوحة ، أو معتدة ، وإلا فلها الأجرة من مال الصغير إن كان له مال ، وإلا فمن مال أبيه ، أو من تلزمه نفقته ، هذا خلاصة ما حط عليه رأيه بعد كلام طويل ، وقد علمت تأييده بما نقلناه عن خط السائحاني .
قلت : وهذا كله حيث لم يوجد متبرع بالحضانة ، فإن وجد ، فإما أن يكون أجنبيا عن الصغير ، أو لا . وعلى كل فإما أن يكون الأب معسرا أو لا ، وعلى كل فإما أن يكون للصغير مال ، أو لا ، فإن كان أجنبيا يدفع للأهل للحضانة بأجرة المثل ولو من مال الصغير ; وإن كان المتبرع غير أجنبي ، فإن كان الأب معسرا والصغير له مال ، أو لا يقال للأم : إما أن تمسكيه مجانا ، أو تدفعيه للعمة - مثلا - المتبرعة صونا لماله لو له مال ، وإن كان الأب موسرا والصغير له مال فكذلك ، لأن الأجرة حينئذ على الصغير ، وإن كان الأب موسرا ولا مال للصغير فالأم مقدمة وإن طلبت الأجرة نظرا للصغير بلا ضرر له في ماله ، هذا حاصل ما تحرر للعبد الضعيف بناء على أن الحضانة كالرضاع ، وتمام ذلك في رسالتنا " الإبانة عن أخذ الأجرة على الحضانة " .