مطلب في مسكن الزوجة ( قوله وكذا تجب لها ) أي للزوجة السكنى أي الإسكان ، وتقدم أن اسم النفقة يعمها ; لكنه أفردها ; لأن لها حكما يخصها نهر ( قوله خال عن أهله إلخ ) ; لأنها تتضرر بمشاركة غيرها فيه ; ; لأنها لا تأمن على متاعها ويمنعها [ ص: 600 ] ذلك من المعاشرة مع زوجها ومن الاستمتاع إلا أن تختار ذلك ; لأنها رضيت بانتقاص حقها هداية ( قوله وأمته وأم ولده ) قال في الفتح : وأما أمته ، فقيل أيضا لا يسكنها معها إلا برضاها والمختار أن له ذلك ; لأنه يحتاج إلى استخدامها في كل وقت غير أنه لا يطؤها بحضرتها كما أنه لا يحل له وطء زوجته بحضرتها ولا بحضرة الضرة . ا هـ وذكر أم الولد في البحر معزيا إلى آخر الكنز . قلت : وذكر في الذخيرة أن هذا مشكل ، أما على المعنى الأول فظاهر ، وأما على الثاني فلأنه تكره المجامعة بين يدي أمته . ا هـ . قلت : وقد يكون إضرار أم ولده لها أكثر من إضرار ضرتها . وفي الدر المنتقى عن المحيط أن أم الولد كأهله ( قوله وأهلها ) أي له منعهم من السكنى معها في بيته سواء كان ملكا له أو إجارة أو عارية ( قوله من غيره ) حال من ولدها لا صفة له وإلا لزم حذف الموصول مع بعض الصلة قهستاني ، إذ التقدير الكائن من غيره . ا هـ ح . وأطلق ولدها فشمل الذي لا يفهم الجماع ; لأنه لا يلزمه إسكان ولدها في بيته . وفي حاشية الخير الرملي على البحر : له منعها من إرضاعه وتربيته ; لما في التتارخانية أن للزوج منعها عما يوجب خللا في حقه . وما فيها عن السغناقي ولأنها في الإرضاع والسهر ينقص جمالها وجمالها حقه فله منعها تأمل . ا هـ .
قلت : وعليه فله منعها من إرضاعه ولو كان البيت لها ( قوله بقدر حالهما ) أي في اليسار والإعسار ، فليس مسكن الأغنياء كمسكن الفقراء كما في البحر ; لكن إذا كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا ; فقد مر أنه يجب لها في الطعام والكسوة الوسط ، ويخاطب بقدر وسعه والباقي دين عليه إلى الميسرة ، فانظر هل يتأتى ذلك هنا ( قوله وبيت منفرد ) أي ما يبات فيه ; وهو محل منفرد معين قهستاني . والظاهر أن المراد بالمنفرد ما كان مختصا بها ليس فيه ما يشاركها به أحد من أهل الدار ( قوله له غلق ) بالتحريك : ما يغلق ويفتح بالمفتاح قهستاني .
( قوله زاد في الاختيار والعيني ) ومثله في الزيلعي ، وأقره في الفتح بعدما نقل عن القاضي الإمام أنه إذا كان له غلق يخصه وكان الخلاء مشتركا ليس لها أن تطالبه بمسكن آخر ( قوله ومفاده لزوم كنيف ومطبخ ) أي بيت الخلاء وموضع الطبخ بأن يكونا داخل البيت أو في الدار لا يشاركها فيهما أحد من أهل الدار . قلت : وينبغي أن يكون هذا في غير الفقراء الذين يسكنون في الربوع والأحواش بحيث يكون لكل واحد بيت يخصه وبعض المرافق مشتركة كالخلاء والتنور وبئر الماء ويأتي تمامه قريبا ( قوله لحصول المقصود ) هو أنها على متاعها ; وعدم ما يمنعها من المعاشرة مع زوجها والاستمتاع ( قوله وفي البحر عن الخانية إلخ ) عبارة الخانية : فإن كانت دار فيها بيوت وأعطى لها بيتا يغلق ويفتح لم يكن لها أن تطلب بيتا آخر إذا لم يكن ثمة أحد من أحماء الزوج يؤذيها . ا هـ .
قال المصنف في شرحه : فهم شيخنا أن قوله ثمة أشار للدار لا البيت ; لكن في البزازية : أبت أن تسكن مع أحماء الزوج وفي الدار بيوت إن فرغ لها بيتا له غلق على حدة وليس فيه أحد منهم لا تمكن من مطالبته ببيت آخر . ا هـ فضمير فيه راجع للبيت لا الدار وهو الظاهر ، لكن ينبغي أن يكون الحكم كذلك فيما إذا كان في الدار من الأحماء من يؤذيها وإن لم يدل عليه كلام البزازي . ا هـ [ ص: 601 ] قلت : وفي البدائع : ولو أراد أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأمه وأخته وبنته فأبت فعليه أن يسكنها في منزل منفرد ; لأن إباءها دليل الأذى والضرر ولأنه محتاج إلى جماعها ومعاشرتها في أي وقت يتفق لا يمكن ذلك مع ثالث ; حتى لو كان في الدار بيوت وجعل لبيتها غلقا على حدة قالوا ليس لها أن تطالبه بآخر . ا هـ فهذا صريح في أن المعتبر عدم وجدان أحد في البيت لا في الدار .
( قوله من أحماء الزوج ) صوابه من أحماء المرأة كما عبر به في الفتاوى الهندية عن الظهيرية ; ; لأن أقارب الزوج أحماء المرأة وأقاربها أحماؤه . ا هـ . ح . وأجيب بأن الزوج يطلق على المرأة أيضا ، وهذا التأويل بعيد ، وهو في عبارة البزازية المارة أبعد ( قوله ونقل المصنف عن الملتقط إلخ ) وعبارته : وفرق في الملتقط لصدر الإسلام بين ما إذا جمع بين امرأتين في دار وأسكن كلا في بيت له غلق على حدة لكل منهما أن تطالب ببيت في دار على حدة ; لأنه لا يتوفر على كل منهما حقها إلا إذا كان لها دار على حدة ، بخلاف المرأة مع الأحماء ، فإن المنافرة في الضرائر أوفر . ا هـ .
قلت : وهكذا نقله في البزازية عن الملتقط المذكور . والذي رأيته في الملتقط لأبي القاسم الحسيني وكذا في تجنيس الملتقط المذكور للإمام الأسروشني هكذا : أبت أن تسكن مع ضرتها أو صهرتها ، إن أمكنه أن يجعل لها بيتا على حدة في داره ليس لها غير ذلك ، وليس للزوج أن يسكن امرأته وأمه في بيت واحد ; لأنه يكره أن يجامعها وفي البيت غيرهما ; وإن أسكن الأم في بيت داره والمرأة في بيت آخر فليس لها غير ذلك . وذكر الخصاف أن لها أن تقول : لا أسكن مع والديك وأقربائك في الدار فأفرد لي دارا .
قال صاحب الملتقط : هذه الرواية محمولة على الموسرة الشريفة ، وما ذكرنا قبله أن إفراد بيت في الدار كاف إنما هو في المرأة الوسط اعتبارا في السكنى بالمعروف . ا هـ قلت : والحاصل أن المشهور وهو المتبادر من إطلاق المتون أنه يكفيها بيت له غلق من دار سواء كان في الدار ضرتها أو أحماؤها . وعلى ما فهمه في البحر من عبارة الخانية وارتضاه المصنف في شرحه لا يكفي ذلك إذا كان في الدار أحد من أحمائها يؤذيها ، وكذا الضرة بالأولى . وعلى ما نقله المصنف عن ملتقط صدر الإسلام يكفي مع الأحماء لا مع الضرة ، وعلى ما نقلنا عن ملتقط أبي القاسم وتجنيسه للأسروشني أن ذلك يختلف باختلاف الناس ، ففي الشريفة ذات اليسار لا بد من إفرادها في دار ، ومتوسط الحال يكفيها بيت واحد من دار . ومفهومه أن من كانت من ذوات الإعسار يكفيها بيت ولو مع أحمائها وضرتها كأكثر الأعراب وأهل القرى وفقراء المدن الذين يسكنون في الأحواش والربوع ، وهذا التفصيل هو الموافق ، لما مر من أن المسكن يعتبر بقدر حالهما ، ولقوله تعالى - { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } - وينبغي اعتماده في زماننا هذا فقد مر أن الطعام والكسوة يختلفان باختلاف الزمان والمكان ، وأهل بلادنا الشامية لا يسكنون في بيت من دار مشتملة على أجانب ، وهذا في أوساطهم فضلا عن أشرافهم إلا أن تكون دارا موروثة بين إخوة مثلا ، فيسكن كل منهم في جهة منها مع الاشتراك في مرافقها ، فإذا تضررت زوجة أحدهم من أحمائها أو ضرتها وأراد زوجها إسكانها في بيت منفرد من دار لجماعة أجانب وفي البيت مطبخ وخلاء يعدون ذلك من أعظم العار عليهم ، فينبغي الإفتاء بلزوم دار من بابها ، نعم ينبغي أن لا يلزمه إسكانها في دار واسعة كدار أبيها أو كداره التي هو ساكن فيها ; لأن كثيرا من الأوساط والأشراف يسكنون الدار الصغيرة ، وهذا موافق لما قدمناه عن الملتقط من قوله اعتبارا في السكنى بالمعروف ، [ ص: 602 ] إذ لا شك أن المعروف يختلف باختلاف الزمان والمكان ، فعلى المفتي أن ينظر إلى حال أهل زمانه وبلده ، إذ بدون ذلك لا تحصل المعاشرة بالمعروف ، وقد قال تعالى - { ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن } - .