( وقد تضمر ) حروفه إيجازا فاختص اسم الله بالحركات الثلاث وغيره بغير الجر والتزم رفع ايمن ولعمر الله ( كقوله الله ) بنصبه بنزع الخافض ، وجره الكوفيون [ ص: 723 ] مسكين ( لأفعلن كذا ) أفاد أن إضمار حرف التأكيد في المقسم عليه لا يجوز ثم صرح به بقوله ( الحلف ) بالعربية ( في الإثبات لا يكون إلا بحرف التأكيد وهو اللام والنون كقوله ووالله لأفعلن كذا ) [ ص: 724 - 725 ] والله لقد فعلت كذا مقرونا بكلمة التوكيد وفي النفي بحرف النفي ، حتى لو قال والله أفعل كذا اليوم كانت يمينه على النفي وتكون لا مضمرة كأنه قال لا أفعل كذا لامتناع حذف حرف التوكيد في الإثبات لإضمار العرب في الكلام الكلمة لا بعض الكلمة من البحر عن المحيط .
( قوله ومن حروفه ) أفاد أن له حروفا أخر نحو من الله بكسر الميم وضمها صرح به القهستاني عن الرضي ح .
قلت : وفي الدماميني عن التسهيل : ومن مثلث الحرفين مع توافق الحركتين ا هـ فافهم ، والمراد بالحروف الأدوات لأن من الله وكذا الميم اسم مختصر من أيمن كما مر ، والضمير في حروفه راجع إلى القسم أو الحلف أو إلى اليمين بتأويل القسم وإلا فاليمنى مؤنثة سماعا ( قوله الواو والباء والتاء ) قدم الواو لأنها أكثر استعمالا في القسم ولذا [ ص: 722 ] لم تقع الباء في القرآن إلا في - بالله { إن الشرك لظلم عظيم } - مع احتمال تعلقها ب " لا تشرك " وقدم غيره الباء لأنها الأصل لأنها صلة أحلف وأقسم ولذا دخلت في المظهر والمضمر نحو بك لأفعلن ( قوله ولام القسم ) وهي المختصة بالله في الأمور العظام قهستاني : أي لا تدخل على غير اسم الجلالة وهي مكسورة ، وحكي فتحها كما في حواشي شرح الآجرومية . وفي الفتح : ولا تستعمل اللام إلا في قسم متضمن معنى التعجب كقول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : دخل آدم الجنة ، فلله ما غربت الشمس حتى خرج ، وقولهم لله ما يؤخر الأجل فاستعمالها قسما مجردا عنه لا يصح في اللغة إلا أن يتعارف كذلك .
وقول الهداية في المختار كما في بعض النسخ احتراز عما عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه إذا قال لله علي أن لا أكلم زيدا أنها ليست بيمين إلا أن ينوي لأن الصيغة للنذر ، ويحتمل معنى اليمين ا هـ ( قوله وحرف التنبيه ) المراد به هنا محذوف الألف أو ثابتها مع وصل ألف الله وقطعها كما في التسهيل لابن مالك ( قوله همزة الاستفهام ) هي همزة بعدها ألف ولفظ الجلالة بعدها مجرور ، وتسميتها بهمزة الاستفهام مجاز كذا في الدماميني على التسهيل ح . والظاهر أن الجر بهذه الأحرف لنيابتها عن أحرف القسم ط ( قوله وقطع ألف الوصل ) أي مع جر الاسم الشريف ح أي فالهمزة نابت عن حرف القسم وليس حرف القسم مضمرا لأن ما يضمر فيه حرف القسم تبقى همزته همزة وصل ، نعم عند ابتداء الكلام تقطع الهمزة فيحتمل الوجهين .
أما عند عدم الابتداء كقولك يا زيد الله لأفعلن فإن قطعتها كان مما نحن فيه وإلا فهو من الإضمار فافهم ( قوله والميم المكسورة والمضمومة ) وكذا المفتوحة ، فقد نقل الدماميني فيها التثليث . وفي ط لعلهم اعتبروا صورتها فعدوها من حروف القسم وإلا فقد سبق أنها من جملة اللغات في أيمن الله كمن الله ( قوله لله ) بكسر لام القسم وجر الهاء كما قدمناه فافهم ( قوله وها الله ) مثال لحرف التنبيه والهاء مجرورة ح ( قوله م الله ) بتثليث الميم كما قدمناه والهاء مجرورة ( قوله وقد تضمر حروفه ) فيه أن الذي يضمر هو الباء فقط ، لأنها حرف القسم الأصلي كما نقله القهستاني عن الكشف والرضي ، وأراد بالإضمار عدم الذكر فيصدق بالحذف .
والفرق بينهما أن الإضمار يبقى أثره بخلاف الحذف . قال في الفتح : وعليه ينبغي كون الحرف محذوفا في حالة النصب ومضمرا في حالة الجر لظهور أثره ، وقوله في البحر قال تضمر ولم يقل تحذف للفرق بينهما إلخ يوهم أنه مع النصب لا يكون حالفا وليس كذلك ، ولذا قال في النهر إنه بمعزل عن التحقيق لأنه كما يكون حالفا مع بقاء الأثر يكون أيضا حالفا مع النصب بل هو الكثير في الاستعمال وذاك شاذ ا هـ أي شاذ في غير اسم الله تعالى فافهم ( قوله بالحركات الثلاث ) أما الجر والنصب فعلى إضمار الحرف أو حذفه مع تقدير ناصب كما يأتي ، وأما الرفع فقال في الفتح على إضمار مبتدإ ، والأولى كونه على إضمار خبر ، لأن الاسم الكريم أعرف المعارف فهو أولى بكونه مبتدأ والتقدير الله قسمي أو قسمي الله . ا هـ . ( قوله وغيره ) أي ويختص غير اسم الجلالة كالرحمن والرحيم بغير الجر أي بالنصب والرفع ، أما الجر فلا لأنه لا يجوز حذف الجار وإبقاء عمله إلا في مواضع منها لفظ الجلالة في القسم دون عوض نحو الله لأفعلن ( قوله بنصبه بنزع الخافض ) هذا خلاف أهل العربية ، بل هو عندهم بفعل القسم لما حذف الحرف اتصل الفعل به إلا أن يراد عند انتزاع الخافض : أي بالفعل عنده ، كذا في الفتح أي فالباء في بنزع للسببية لا صلة نصبه لأن النزع ليس من عوامل النصب ، بل الناصب هو الفعل ، ويتعدى بنفسه توسعا بسبب نزع الخافض كما في - { أعجلتم أمر ربكم } - أي عن أمره - { واقعدوا لهم كل مرصد } - أي عليه ( قوله وجره الكوفيون ) كذا حكي الخلاف في المبسوط . قال في الفتح : ونظر فيه بأنهما أي [ ص: 723 ] النصب والجر وجهان سائغان للعرب ليس أحد ينكر أحدهما ليتأتى الخلاف ا هـ وسكت الشارح عن الرفع مع أنه ذكره أيضا في قوله بالحركات الثلاث .
قلت : وقول المتون وقد تضمر يشير إلى القول الأول ، لما علمت من أن الإضمار يبقى أثره فلا بد من الجر لكنه خلاف ما مشى عليه في الهداية وغيرها من تجويز النصب ، وقدمنا عن الجوهرة أنه الصحيح ، بل قال في البحر وينبغي أنه إذا نصب أنه يكون يمينا بلا خلاف لأن أهل اللغة لم يختلفوا في جواز كل من الوجهين ، ولكن النصب أكثر كما ذكره عبد القاهر في مقتصده كذا في غاية البيان . ا هـ .
قلت : بقي الكلام على عدم كونه يمينا مع سكون الهاء . وقد رده في الفتح حيث قال : ولا فرق في ثبوت اليمين بين أن يعرب المقسم به خطأ أو صوابا أو يسكنه خلافا لما في المحيط فيما إذا سكنه لأن معنى اليمين وهو ذكر اسم الله تعالى للمنع أو الحمل معقودا بما أريد منعه أو فعله ثابت فلا يتوقف على خصوصية في اللفظ . ا هـ . ( قوله إن إضمار حرف التأكيد ) الإضافة في " حرف " للجنس لأن المراد اللام والنون فإن حذفهما في جواب القسم المستقبل المثبت لا يجوز ، نعم حذف أحدهما جائز عند الكوفيين لا عند البصريين ، وكذا يجوز إن كان الفعل حالا كقراءة ابن كثير - لأقسم بيوم القيامة - وقول الشاعر :
( قوله الحلف بالعربية ) مقدسي ، يعني لا يكون يمينا على الإثبات ، وقوله فلا كفارة عليهم فيها : أي إذا تركوا ذلك الشيء . ثم قال المقدسي : لكن ينبغي أن تلزمهم لتعارفهم الحلف بذلك ، ويؤيد ما نقلناه عن الظهيرية أنه لو سكن الهاء أو رفع أو نصب في بالله يكون يمينا مع أن العرب ما نطقت بغير الجر فليتأمل ، وينبغي أن يكون يمينا وإن خلا من اللام والنون ، ويدل عليه قوله في الولوالجية : سبحان الله أفعل لا إله إلا الله أفعل كذا ليس بيمين إلا أن ينويه ا هـ واعترضه الخير الرملي بأن ما نقله لا يدل لمدعاه ، أما الأول فلأنه تغيير إعرابي لا يمنع المعنى الموضوع فلا يضر التسكين والرفع والنصب ، لما تقرر أن اللحن لا يمنع الانعقاد ، وأما الثاني فلأنه ليس من المتنازع فيه ، إذ المتنازع فيه الإثبات والنفي لا أنه يمين والنقل يجب اتباعه . ا هـ .
قلت : وفيه نظر ، أما أولا فلأن اللحن الخطأ كما في القاموس . وفي المصباح : اللحن الخطأ في العربية ، وأما ثانيا فلأن قول الولوالجية سبحان الله أفعل عين المتنازع فيه لا غيره فإنه أتى بالفعل المضارع مجردا من اللام والنون وجعله يمينا مع النية ، ولو كان على النفي لوجب أن يقال إنه مع النية يمين على عدم الفعل كما لا يخفى ، وإنما اشترط النية لكونه غير متعارف كما مر . وقال ج : وبحث المقدسي وجيه . وقول بعض الناس إنه يصادم المنقول يجاب عنه بأن المنقول في المذهب كان على عرف صدر الإسلام قبل أن تتغير اللغة ، وأما الآن فلا يأتون باللام [ ص: 724 ] والنون في مثبت القسم أصلا ويفرقون بين الإثبات والنفي بوجود لا وعدمها ، وما اصطلاحهم على هذا إلا كاصطلاح لغة الفرس ونحوها في الأيمان لمن تدبر . ا هـ .
قلت : ويؤيده ما ذكره العلامة قاسم وغيره من أنه يحمل كلام كل عاقد وحالف وواقف على عرفه وعادته سواء وافق كلام العرب أم لا ، ويأتي نحوه عن الفتح في أول الفصل الآتي . وقد فرق أهل العربية بين بلى ونعم في الجواب بأن بلى لإيجاب ما بعد النفي ونعم للتصديق ، فإذا قيل أما قام زيد ؟ فإن قلت بلى كان معناه قد قام ، وإن قلت نعم كان معناه ما قام . ونقل في شرح المنار عن التحقيق أن المعتبر في أحكام الشرع العرف حتى يقام كل واحد منهما مقام الآخر ا هـ ومثله في التلويح . وقول المحيط هنا والحلف بالعربية أن يقول في الإثبات والله لأفعلن إلخ بيان للحكم على قواعد العربية وعرف العرب وعادتهم الخالية عن اللحن ، وكلام الناس اليوم خارج عن قواعد العربية سوى النادر ، فهو لغة اصطلاحية لهم كباقي اللغات الأعجمية ، فلا يعاملون بغير لغتهم وقصدهم إلا من التزم منهم الإعراب أو قصد المعنى اللغوي ، فينبغي أن يدين . وعلى هذا قال شيخ مشايخنا السائحاني : إن أيماننا الآن لا تتوقف على تأكيد ، فقد وضعناها وضعا جديدا واصطلحنا عليها وتعارفناها ، فيجب معاملتنا على قدر عقولنا ونياتنا كما أوقع المتأخرون الطلاق بعلي الطلاق ، ومن لم يدر بعرف أهل زمانه فهو جاهل . ا هـ .
قلت : ونظير هذا ما قالوه من أنه لو أسقط الفاء الرابطة لجواب الشرط فهو تنجيز لا تعليق ، حتى لو قال إن دخلت الدار أنت طالق تطلق في الحال وهذا مبني على قواعد العربية أيضا ، وهو خلاف المتعارف الآن فينبغي بناؤه على العرف كما قدمناه عن المقدسي في باب التعليق ، وقدمنا هناك ما يناسب ذكره هنا فراجعه ، والله سبحانه أعلم .
[ تنبيه ] ما مر إنما هو في القسم ، بخلاف التعليق فإنه وإن سمي عند الفقهاء حلفا ويمينا لكنه لا يسمى قسما ، فإن القسم خاص باليمين بالله تعالى كما صرح به القهستاني ، أما التعليق فلا يجري اشتراط اللام والنون في المثبت منه لا عند الفقهاء ولا عند اللغويين ، ومنه الحرام يلزمني وعلي الطلاق لا أفعل كذا فإنه يراد به في العرف إن فعلت كذا فهي طالق فيجب إمضاؤه عليهم كما صرح به في الفتح وغيره كما يأتي . قال ح : فاندفع بهذا ما توهمه بعض الأفاضل من أن في قول القائل علي الطلاق أجيء اليوم ، إن جاء في اليوم وقع الطلاق وإلا فلا لعدم اللام والنون ; وأنت خبير بأن النحاة إنما اشترطوا ذلك في جواب القسم المثبت لا في جواب الشرط ، وإلا كان معنى قولك إن قام زيد أقم إن قام زيد لم أقم ولم يقل به عاقل فضلا عن فاضل . على أن قوله أجيء ليس جواب الشرط بل هو فعل الشرط لأن المعنى إن لم أجئ اليوم فأنت طالق .
وقد وقع هذا الوهم بعينه للشيخ الرملي في الفتاوى الخيرية ولغيره أيضا . قال السيد أحمد الحموي في تذكرته الكبرى : رفع إلي سؤال صورته : رجل اغتاظ من ولد زوجته فقال علي الطلاق إني أصبح أشتكيك من النقيب فلما أصبح تركه ولم يشتكه ومكث مدة فهل والحالة هذه يقع الطلاق أم لا ؟ الجواب : إذا ترك شكايته ومضى مدة بعد حلفه لا يقع عليه الطلاق لأن الفعل المذكور وقع في جواب اليمين وهو مثبت فيقدر النفي حيث لم يؤكد ، والله تعالى أعلم ; كتبه الفقير عبد المنعم النبتيتي فرفعه إلى جماعة قائلين ماذا يكون الحال ، فقد زاد به الأمر وتقدم بين العوام وتأخرت أولو الفضل أفيدوا الجواب ؟ [ ص: 725 ] فأجبت بعد الحمد لله : ما أفتي به من عدم وقوع الطلاق معللا بأن الفعل المذكور وقع جوابا ليمين وهو مثبت فيقدر النفي حيث لم يؤكد ، فمنبئ عن فرط جهله وحمقه وكثرة مجازفته في الدين وخرقه إذ ذاك في الفعل إذا وقع جوابا للقسم بالله نحو - { تالله تفتأ } - أي لا تفتأ لا في جواب اليمين بمعنى التعليق بما يشتق من طلاق وعتاق ونحوهما .
وحينئذ إذا أصبح الحالف ولم يشتكه وقع عليه الطلاق الثلاث وبانت زوجته منه بينونة كبرى . إذا تقرر هذا فقد ظهر لك أن هذا المفتي أخطأ خطأ صراحا لا يصدر عن ذي دين وصلاح ، ولله در القائل :
من الدين كشف الستر عن كل كاذب وعن كل بدعي أتى بالعجائب فلولا رجال مؤمنون لهدمت صوامع دين الله من كل جانب
والله الهادي للصواب ، وإليه المرجع والمآب ( قوله والله لقد فعلت ) بصيغة الماضي ولا بد فيها من اللام مقرونة بقد أو ربما إن كان متصرفا وإلا فغير مقرونة كما في التسهيل ( قوله وفي النفي إلخ ) عطف على قوله في الإثبات أي أن الحلف إذا كان الجواب فيه مضارعا منفيا لا يكون باللام والنون إلا لضرورة أو شذوذ بل يكون بحرف النفي ولو مقدرا كقوله تعالى - { تالله تفتأ } - فقوله حتى لو قال إلخ تفريع صحيح أفاد به أن حرف النفي إذا لم يذكر يقدر ، وأن الدال على تقديره عدم شرط كونه مثبتا وهو حرف التوكيد وأنه إذا دار الأمر بين تقدير النافي وحرف التوكيد تعين تقدير النافي لأنه كلمة لا بعض كلمة فافهم ، لكن اعترض الخير الرملي بأن حرف التوكيد كلمة أيضا .
والجواب أن المراد بالكلمة ما يتكلم بها بدون غيرها أو ما ليست متصلة بغيرها في الخط