( وهو ) أي التعزير ( حق العبد ) غالب فيه ( فيجوز فيه الإبراء والعفو ) [ ص: 74 ] والتكفيل زيلعي ( واليمين ) ويحلفه بالله ما له عليك هذا الحق الذي يدعي لا بالله ما قلت خلاصة ( والشهادة على الشهادة وشهادة رجل وامرأتين ) كما في حقوق العباد ويكون أيضا حقا لله تعالى فلا عفو فيه إلا إذا علم الإمام انزجار الفاعل ولا يمين . [ ص: 75 ] كما لو ادعى عليه أنه قبل أخته مثلا ويجوز إثباته بمدع شهد به فيكون مدعيا شاهدا لو معه آخر . وما في القنية وغيرها لو كان المدعى عليه ذا مروءة وكان أول ما فعل يوعظ استحسانا ولا يعزر يجب أن يكون في حقوق الله ، فإن حقوق العباد ليس للقاضي إسقاطها فتح . وما في كراهية الظهيرية : رجل يصلي ويضرب الناس بيده ولسانه فلا بأس بإعلام السلطان به لينزجر ، يفيد أنه من باب الإخبار ، وأن إعلام القاضي بذلك يكفي لتعزيره نهر . قلت : وفيه من الكفالة معزيا للبحر وغيره : للقاضي تعزير المتهم قاصدا نسبته إليه فيقتضي التعزير في دعوى [ ص: 76 ] السرقة لا في دعوى الزنا وهذا عكس الحكم ا هـ منه وإن لم يثبت عليه ، وكل تعزير لله تعالى يكفي فيه خبر العدل لأنه في حقوقه تعالى يقضي فيها بعلمه اتفاقا ، ويقبل فيها الجرح المجرد كما مر ، وعليه فما يكتب من المحاضر في حق إنسان يعمل به في حقوق الله تعالى . ومن أفتى بتعزير الكاتب فقد أخطأ ا هـ ملخصا . وفي كفالة العيني عن الثاني : من يجمع الخمر ويشربه ويترك الصلاة أحبسه وأؤدبه ثم أخرجه ، ومن يتهم بالقتل والسرقة وضرب الناس أحبسه وأخلده في السجن حتى يتوب لأن شر هذا على الناس ، وشر الأول على نفسه .
( قوله وهو أي التعزير إلخ ) لما كان ظاهر كلام المصنف كالزيلعي وقاضي خان أن كل تعزير حق العبد مع أنه قد يكون حق الله تعالى كما يأتي زاد الشارح قوله غالب فيه تبعا للدرر وشرح المصنف ، فصار قوله حق العبد مبتدأ ، وقوله غالب فيه خبره والجملة خبر قوله وهو ، والمراد كما أفاده ح أن أفراده التي هي حق العبد أكثر من أفراده التي هي حق الله ، وليس المراد أن الحقين اجتمعا فيه وحق العبد غالب كما قيل بعكسه في حد القذف ا هـ .
قلت : هذا وإن دفع الإيراد المار لكن المتبادر خلافه ، وهو أنه اجتمع فيه الحقان وحق العبد غالب فيه عكس حد القذف ، وقد دفع الشارح الإيراد بقوله بعده ويكون أيضا حقا لله تعالى . فعلم أن المراد بالأول ما كان حقا للعبد ، وأن فيه حق الله تعالى أيضا ولكن حق العبد غالب فيه على عكس حد القذف . [ ص: 74 ] وبيان ذلك أن جميع ما مر من ألفاظ القذف والشتم الموجبة للتعزير منهي عنها شرعا . قال تعالى - { ولا تنابزوا بالألقاب } - فكان فيها حق الله تعالى وحق العبد وغلب حق العبد لحاجته ، ولذا لو عفا سقط التعزير ، بخلاف حد القذف فإنه بالعكس كما مر ، وربما تمحض حق العبد كما إذا شتم الصبي رجلا فإنه غير مكلف بحق الله تعالى هذا ما ظهر لي في تحقيق هذا المحل فافهم .
مطلب فيما لو شتم رجلا بألفاظ متعددة [ تنبيه ] ذكر ابن المصنف في حواشيه على الأشباه أنه يؤخذ من كونه حق عبد جواب حادثة الفتوى : هي أن رجلا شتم آخر بألفاظ متعددة من ألفاظ الشتم الموجب للتعزير ، وهو أنه يعزر لكل واحد منها ; لأن حقوق العباد لا تداخل فيها ، بخلاف الحدود ولم أر من صرح به ، لكن كلامهم يفيده ، نعم التعزير الذي هو حق لله تعالى ينبغي القول فيه بالتداخل . ا هـ . وأصل البحث لوالدهالمصنف وجزم به الشارح كما مر قبيل هذا الباب . قلت : ومقتضى هذا تعدده أيضا لو شتم جماعة بلفظ واحد مثل أنتم فسقة أو بألفاظ ، بخلاف حد القذف كما مر هناك ( قوله والتكفيل ) أي أخذ كفيل بنفس الشاتم ثلاثة أيام إذا قال المشتوم لي عليه بينة حاضرة كما في كافي الحاكم ( قوله زيلعي ) تمام عبارة الزيلعي وشرع في حق الصبيان ا هـ وسيأتي متنا ( قوله واليمين ) يعني إذا أنكر أنه سبه يحلف ويقضي عليه بالنكول فتح ( قوله لا بالله ما قلت ) أي لا يحلفه بالله ما قلت له يا فاسق لاحتمال أنه قال ذلك ورد عليه المشتوم بمثله أو عفا عنه أو أنه فاسق في نفس الأمر ولا بينة للشاتم ، ففي ذلك كله ليس عليه للمشتوم حق التعزير الذي يدعي : كما لو ادعى على آخر أنه استقرض منه كذا وأنكر فإنه يحلفه ما له عليك الألف الذي يدعي لاحتمال أنه استقرض وأوفاه أو أبرأه المدعي ( قوله وشهادة رجل وامرأتين ) صرح به الزيلعي وكذا في التتارخانية عن المنتقى .
ويخالفه ما في الجوهرة : لا تقبل في التعزير شهادة النساء مع الرجال عنده ; لأنه عقوبة كالحد والقصاص . وعندهما تقبل ; لأنه حق آدمي ا هـ أفاده الشرنبلالي . قلت : ومقتضى هذا أنه لا تقبل فيه الشهادة على الشهادة أيضا عنده مع أنه جزم الزيلعي وكذا في الفتح والبحر عن الخانية بأنها تقبل فلذا جزم المصنف بقبولها في الموضعين ( قوله كما في حقوق العباد ) أي كما في باقيها ( قوله ويكون أيضا حقا لله تعالى ) أي خالصا له تعالى كتقبيل أجنبية وحضور مجلس فسق ( قوله فلا عفو فيه ) كذا قاله في فتح القدير ، لكن في القنية عن مشكل الآثار أن إقامة التعزير إلى الإمام عند أئمتنا الثلاثة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، والعفو إليه أيضا . قال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : وعندي أن العفو للمجني عليه لا للإمام . قال صاحب القنية : ولعل ما قالوه في التعزير الواجب حقا لله تعالى وما قاله nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي فيما إذا جنى على إنسان ا هـ فهذا مخالف لما في الفتح كما في البحر والنهر .
قلت : لكن ذكر في الفتح أول الباب أن ما نص عليه من التعزير كما في وطء جارية امرأته أو المشتركة وجب امتثال الأمر فيه ، وما لم ينص عليه إذا رأى الإمام المصلحة أو علم أنه لا ينزجر إلا به وجب ; لأنه زاجر مشروع لحقه تعالى كالحد ، وما علم أنه انزجر بدونه لا يجب . ا هـ . فعلم أن قولهم إن العفو فيه للإمام بمعنى تفويضه إلى رأيه ، إن ظهر له المصلحة فيه أقامه ، وإن ظهر عدمها أو علم انزجاره بدونه يتركه ، وبه تندفع المخالفة فافهم ( قوله ولا يمين ) [ ص: 75 ] عطف على قوله فلا عفو ، وهذا أخذه في النهر من قولهم في الأول واليمين فقال : وهو ظاهر في أن ما كان منه حق الله تعالى لا يحلف فيه إلخ ( قوله كما لو ادعى عليه أنه قبل أخته ) أي أخت نفسه . والذي في النهر أجنبية ، وهو المناسب ; لأنها لو كانت أخت المدعي فالظاهر أنه يكون حق عبد ; لأنه يلحقه بذلك عار شديد يحمله على الغيرة لمحارمه كما لا يخفى إلا أن يراد أخت المقبل ( قوله ويجوز إثباته إلخ ) عطف على قوله فلا عفو ، فهو من التفريع أيضا على كونه حق الله تعالى ( قوله لو معه آخر ) كذا في الفتح ، ويأتي أنه يكفي فيه إخبار عدل واحد ، وعليه فلو كان المدعي عدلا يكفي وحده .
( قوله وغيرها ) كالخانية والكافي ( قوله ذا مروءة ) قال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله : والمروءة عندي في الدين والصلاح كما في الفتح وغيره ( قوله فتح ) أقول : اختصر عبارة الفتح اختصارا مخلا تبع فيه النهر ، فإنه في الفتح ذكر أولا أن ما وجب من التعزير حقا لله تعالى لا يجوز للإمام تركه . ثم استشكل عليه ما في الخانية ، وهو ما نقله الشارح عن القنية فقال : إنه يجب أن يكون في حقوق الله تعالى إلخ أي وإذا كان كذلك ناقض قوله أولا إنه لا يجوز للإمام تركه . ثم أجاب عنه بأن ما ذكر عن القنية والخانية سواء حمل على أنه من حقوق الله تعالى أو من حقوق العباد لا يناقض ما مر ; لأنه إذا كان المدعى عليه ذا مروءة فقد حصل تعزيره بالجر إلى باب القاضي والدعوى ، ويكون قوله ولا يعزر معناه لا يعزر بالضرب في أول مرة فإن عاد عزره بالضرب ا هـ ملخصا . وبه تعلم أن الشارح اقتصر على محل الاستشكال المخالف لقوله أولا فلا عفو فيه ، وترك المقصود من الجواب فافهم .
أقول : ويظهر لي دفع المناقضة من وجه آخر ، وهو أن ما وجب حقا لله تعالى لا يجوز للإمام تركه إلا إذا علم انزجار الفاعل كما مر . ولا يخفى أن الفاعل إذا كان ذا مروءة في الدين والصلاح يعلم من حاله الانزجار من أول الأمر ; لأن ما وقع منه لا يكون عادة إلا عن سهو وغفلة ، ولذا لم يعزر في أول مرة ما لم يعد ، بل يوعظ ليتذكر إن كان ساهيا وليتعلم إن كان جاهلا بدون جر إلى باب القاضي ، ويؤيد هذا ما سيذكره الشارح آخر الباب من بناء ما هنا على استثناء ذوي الهيئات من وجوب التعزير ( قوله يفيد أنه من باب الإخبار ) أي فلا يحتاج إلى لفظ الشهادة ولا إلى مجلس القضاء كما في كفالة النهر ، فهذا يخالف ما مر من اشتراط الشهادة . قلت : لكن غاية ما أفاده فرع الظهيرية أنه لا يأثم من أعلم السلطان به ، وظاهر إطلاقه أنه لا فرق بين كون السلطان عادلا أو جائرا يخشى منه قتله ، لما مر أنه يباح قتل كل مؤذ : أي إذا لم ينزجر . ولا يخفى أنه ليس في هذا تعرض لثبوت تعزيره بمجرد الإخبار عند السلطان فضلا عن ثبوته عند القاضي . على أنه يمكن أن يراد بإعلام السلطان الشهادة عليه عنده تأمل .
مطلب في تعزير المتهم ( قوله للقاضي تعزير المتهم ) ذكروا في كتاب الكفالة أن التهمة تثبت بشهادة مستورين أو واحد عدل ، فظاهره أنه لو شهد عند الحاكم واحد مستور وفاسق بفساد شخص ليس للحاكم حبسه ، بخلاف ما إذا كان عدلا أو مستورين فإن له حبسه بحر . [ ص: 76 ] قلت : ومثله ما لو كان المتهم مشهورا بالفساد فيكفي فيه علم القاضي كما أفاده كلام الشارح . وفي رسالة دده أفندي في السياسة عن الحافظ ابن قيم الجوزية الحنبلي : ما علمت أحدا من أئمة المسلمين يقول إن هذا المدعى عليه بهذه الدعوى وما أشبهها يحلف ويرسل بلا حبس ، وليس تحليفه وإرساله مذهبا لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم ولو حلفنا كل واحد منهم وأطلقناه مع العلم باشتهاره بالفساد في الأرض وكثرة سرقاته وقلنا لا نأخذه إلا بشاهدي عدل كان مخالفا للسياسة الشرعية . ومن ظن أن الشرع تحليفه وإرساله فقد غلط غلطا فاحشا ، لنصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولإجماع الأئمة ، ولأجل هذا الغلط الفاحش تجرأ الولاة على مخالفة الشرع وتوهموا أن السياسة الشرعية قاصرة على سياسة الخلق ومصلحة الأمة ، فتعدوا حدود الله تعالى وخرجوا من الشرع إلى أنواع من الظلم والبدع في السياسة على وجه لا يجوز ، وتمامه فيها .
وفي هذا تصريح بأن ضرب المتهم بسرقة من السياسة ، وبه صرح الزيلعي أيضا كما سيأتي في السرقة . وبه علم أن للقاضي فعل السياسة ولا يختص بالإمام كما قدمناه في حد الزنا مع تعريف السياسة ( قوله وإن لم يثبت ) أي ما اتهم به ، أما نفس التهمة : أي كونه من أهلها فلا بد من ثبوتها كما علمت ( قوله يكفي فيه خبر العدل ) مخالف لما قدمه من أنه يجوز إثباته بمدع شهد به لو معه آخر ، وهو مصرح به في الفتح ، ولعله محمول على عدم العدالة ( قوله يقضي فيها بعلمه اتفاقا ) وأما ما ذهب إليه المتأخرون وهو المفتى به من أنه لا يقضي بعلمه في زماننا فيجب حمله على ما كان من حقوق العباد ، كذا في كفالة النهر ، وفيه كلام كتبناه في قضاء البحر حاصله أن ما ذكره غير صحيح وسيأتي تمامه هناك إن شاء الله تعالى ( قوله كما مر ) الذي مر تقييده بما إذا بين سببه كتقبيل أجنبية وعناقها ، وقد فسر المجرد بما لم يبين سببه ، فالمراد بالمجرد هنا ما لم يكن في ضمن ما تصح به الدعوى ، وقدمنا الكلام فيه فافهم ( قوله وعليه ) أي على ما ذكر من أنه من باب الإخبار ، وأنه يكفي فيه خبر العدل ( قوله من المحاضر ) جمع محضر ، والمراد به هنا ما يعرض على السلطان ونحوه في شكاية متول أو حاكم ويثبت فيه خطوط أعيان البلدة وختمهم .
ويسمى في عرفنا عرض محضر ( قوله يعمل به إلخ ) قال في كفالة النهر : وظاهره أن الإخبار كما يكون باللسان يكون بالبنان ، فإذا كتب إلى السلطان بذلك ليزجره جاز وكان له أن يعتمد عليه حيث كان معروفا بالعدالة ( قوله فقد أخطأ ) والفرع المتقدم : أي عن الظهيرية ينادي بخطئه نهر ( قوله وفي كفالة العيني إلخ ) ذكره في البحر في هذا الباب ، ومثله في الخانية ( قوله وأؤدبه ) الظاهر أن المراد به الضرب ويحتمل أنه عطف تفسير ط ( قوله والسرقة وضرب الناس ) الظاهر أن الواو بمعنى أو لصدق التعليل على كل فرد بخصوصه ط ( قوله حتى يتوب ) المراد حتى تظهر أمارات توبته إذ لا وقوف لنا على حقيقتها ، ولا يقدر بستة أشهر إذ قد تحصل التوبة قبلها ، وقد لا تظهر بعدها ، كذا حققه الطرسوسي وأقره ابن الشحنة