وقالوا أراضي الشام ومصر خراجية وفي الفتح المأخوذ الآن من أراضي مصر أجرة لا خراج ، [ ص: 180 ] ألا ترى أنها ليست مملوكة للزراع كأنه لموت المالكين شيئا فشيئا بلا وارث فصارت لبيت المال [ ص: 181 - 182 ] وعلى هذا فلا يصح بيع الإمام ، ولا شراؤه من وكيل بيت المال لشيء منها لأنه كوكيل اليتيم فلا يجوز إلا لضرورة والعياذ بالله تعالى زاد في البحر أو رغب في العقار بضعف قيمته . [ ص: 183 ] على قول المتأخرين المفتى به .
( قوله وقالوا إلخ ) هو مصرح به في الهداية وغيرها . والحاصل : الاتفاق على أنها خراجية وإنما اختلف العلماء في أنها فتحت عنوة ، أو صلحا ولا يؤثر في كونها خراجية لأنها تكون خراجية إذا لم يسلم أهلها سواء فتحت عنوة ، ومن على أهلها بها أو صلحا ، ووضع عليهم الجزية كما مر آنفا . مطلب لا شيء على زراع الأراضي السلطانية من عشر أو خراج سوى الأجرة
( قوله المأخوذ الآن من أراضي مصر أجرة لا خراج ) وكذا أراضي الشام كما يأتي عن فضل الله الرومي ، وقال في الدر المنتقى فيؤجرها الإمام ، ويأخذ جميع الأجرة لبيت المال كدار صارت لبيت المال ، واختار السلطان استغلالها وإن اختار بيعها فله ذلك إما مطلقا أو لحاجة فثبت أن بيع الأراضي المصرية وكذا الشامية صحيح مطلقا إما من مالكها أو من السلطان فإن كان من مالكها انتقلت بخراجها ، وإن من السلطان فإن لعجز مالكها عن زراعتها فكذلك ، وإن لموت مالكها فقدمنا أنها صارت لبيت المال وأن الخراج سقط عنها فإذا باعها الإمام لا يجب على المشتري خراج سواء وقفها أو أبقاها . قلت : وهذا نوع ثالث يعني لا عشرية ولا خراجية من الأراضي تسمى أرض المملكة وأراضي الحوز ، وهو من مات أربابه بلا وارث وآل لبيت المال أو فتح عنوة ، وأبقي للمسلمين إلى يوم القيامة وحكمه على ما في التتارخانية أنه يجوز للإمام دفعه للزراع بأحد طريقين إما بإقامتهم مقام الملاك في الزراعة وإعطاء الخراج ، وأما بإجارتها لهم بقدر الخراج ، فيكون المأخوذ في حق الإمام خراجا ، ثم إن كان دراهم فهو خراج موظف ، وإن كان بعض الخراج فخراج مقاسمة وأما في حق الإكراء فأجرة لا غير لا عشر ولا خراج فلما دل الدليل على عدم لزوم المؤنتين العشر والخراج في أراضي المملكة والحوز كان المأخوذ منها أجرة لا غير ا هـ ما في الدرر المنتقى ملخصا . مطلب لا شيء على الفلاح لو عطلها ولو تركها لا يجبر عليها
قلت : فعلى هذا لا شيء على زراعها من عشر أو خراج إلا على قولهما بأن العشر على المستأجر كما مر في بابه على أنك علمت أن المأخوذ ليس أجرة من كل وجه ، بل هو في حق الإمام خراج ، ولا يجتمع عشر مع خراج تأمل ثم رأيت في الخيرية الزارع في الأرض الوقف عامل بالحصة وهو كالمستأجر ، وليس عليه خراج قال في الإسعاف وإذا دفع المتولي الأرض مزارعة فالخراج أو العشر من حصة أهل الوقف لأنها إجارة معنى ، وبمثله نقول : إذا كانت الأرض لبيت المال ، وتدفع مزارعة للمزارعين ، فالمأخوذ منهم بدل إجارة لا خراج كما صرح بهالكمال وغيره ومما هو مصرح به أن خراج المقاسمة ، لا يلزم بالتعطيل ، فلا شيء على الفلاح لو عطلها وهو غير مستأجر لها ولا جبر عليه بسببها وبه علم أن بعض المزارعين إذا ترك الزراعة وسكن مصرا فلا شيء عليه ، فما تفعله الظلمة من الإضرار به حرام صرح به في البحر والنهر ا هـ ملخصا لكن إذا كان المأخوذ من المزارعين كالربع أو الثلث ، من الغلة بدل إجارة كما مر ، يلزم أن يكون استئجار الأرض ببعض الخارج منها ، وهو فاسد لجهالته ، فما وجه الجواز هنا قال في الدر المنتقى : والجواب ما قلنا إنه جعل في حق الإمام خراجا وفي حق [ ص: 180 ] الأكرة أجرة لضرورة عدم صحة الخراج حقيقة وحكما لما مر ا هـ أي لعدم من يجب عليه بسبب موت أهلها ، وصيرورتها لبيت المال . قلت : لكن يمكن جعلها مزارعة كما مر في كلام الخيرية : وهي في معنى الإجارة لا إجارة حقيقة ، ولهذا قال في الفتح إن المأخوذ بدل إجارة . مطلب القول لذي اليد أن الأرض ملكه وإن كانت خراجية
ثم اعلم : أن أراضي بيت المال المسماة بأراضي المملكة وأراضي الحوز إذا كانت في أيدي زراعها لا تنزع من أيديهم ما داموا يؤدون ما عليها ، ولا تورث عنهم إذا ماتوا ، ولا يصح بيعهم لها ولكن جرى الرسم في الدولة العثمانية أن من مات عن ابن انتقلت لابنه مجانا ، وإلا فلبيت المال ، ولو له بنت أو أخ لأب له أخذها بالإجارة الفاسدة وإن عطلها متصرف ثلاث سنين ، أو أكثر بحسب تفاوت الأرض تنزع منه وتدفع لآخر ، ولا يصح فراغ أحدهم عنها لآخر بلا إذن السلطان أو نائبه كما في شرح الملتقى ، وتمام الكلام على ذلك قد بسطناه في تنقيح الفتاوى الحامدية ( قوله ألا ترى أنها ليست مملوكة للزراع إلخ ) هذا من كلام الفتح وأقره في البحر . قلت : لكن عدم ملك الزراع في الأراضي الشامية غير معلوم لنا إلا في نحو القرى والمزارع الموقوفة أو المعلوم كونها لبيت المال أما غيرها فنراها يتوارثونها ، ويبيعونها جيلا بعد جيل ، وفي شفعة الفتاوى الخيرية : سئل في إخوة لهم أراض مغروسة ، ولرجل أرض مغروسة مجاورة لها ، وطريق الكل واحد باع الرجل أرضه هل لهم أخذها بالشفعة ولا يمنع من ذلك كونها خراجية ؟
أجاب : نعم لهم الأخذ بالشفعة ، وكونها خراجية لا يمنع ذلك إذ الخراج لا ينافي الملك ففي التتارخانية وكثير من كتب المذهب : وأرض الخراج مملوكة وكذلك أرض العشر يجوز بيعها وإيقافها وتكون ميراثا كسائر أملاكه ، فتثبت فيها الشفعة ، وأما الأراضي التي حازها السلطان لبيت المال ويدفعها للناس مزارعة لا تباع فلا شفعة فيها فإذا ادعى واضع اليد الذي تلقاها شراء أو إرثا أو غيرهما من أسباب الملك أنها ملكه ، وأنه يؤدي خراجها ، فالقول له أو على من يخاصمه في الملك البرهان وإن صحت دعواه عليه شرعا ، واستوفيت شروط الدعوى ، وإنما ذكرت ذلك لكثرة وقوعه في بلدنا حرصا على نفع هذه الأمة بإفادة هذا الحكم الشرعي الذي يحتاج إليه كل حين والله تعالى أعلم ا هـ ما في الخيرية . ولا يخفى أنه كلام حسن جار على القواعد الفقهية وقد قالوا إن وضع اليد والتصرف من أقوى ما يستدل به على الملك ، ولذا تصح الشهادة بأنه ملكه ، وفي رسالة الخراج nindex.php?page=showalam&ids=14954لأبي يوسف : وأيما قوم من أهل الخراج ، أو الحرب بادوا فلم يبق منهم أحد ، وبقيت أرضهم معطلة ، ولا يعرف أنها في يد أحد ، ولا أن أحدا يدعي فيها دعوى ، وأخذها رجل فحرثها وغرس فيها ، وأدى عنها الخراج أو العشر ، فهي له ، وهذه الموات التي وصفت لك ، وليس للإمام أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف . ا هـ .
وقدمناه عنه أيضا أن أرض العراق والشام ومصر عنوية خراجية تركت لأهلها الذين قهروا عليها ، وفي شرح السير الكبير للسرخسي : فإن صالحوهم على أراضيهم ، مثل أرض الشام مدائن وقرى ، فلا ينبغي للمسلمين أن يأخذوا شيئا من دورهم وأراضيهم ، ولا أن ينزلوا عليهم منازلهم ، لأنهم أهل عهد وصلح ا هـ فإذا كانت مملوكة لأهلها فمن أين يقال إنها صارت لبيت المال باحتمال أن أهلها كلهم ماتوا بلا وارث فإن هذا الاحتمال لا ينفي الملك الذي كان ثابتا ، وقد سمعت التصريح في المتن تبعا للهداية ، بأن أرض سواد العراق مملوكة لأهلها يجوز بيعهم لها ، وتصرفهم فيها ، وكذلك أرض مصر والشام كما سمعته ، وهذا على مذهبنا ظاهر وكذا [ ص: 181 ] عند من يقول إنها وقف على المسلمين فقد قال الإمام السبكي : إن الواقع في هذه البلاد الشامية والمصرية ، أنها في أيدي المسلمين ، فلا شك أنها لهم إما وقفا ، وهو الأظهر من جهة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه وإما ملكا ، وإن لم يعرف من انتقل منه إلى بيت المال ، فإن من بيده شيء لم يعرف من انتقل إليه منه يبقى في يده ، ولا يكلف بينة ثم قال : ومن وجدنا في يده أو ملكه مكانا منها ، فيحتمل أنه أحيي ، أو وصل إليه وصولا صحيحا . ا هـ . مطلب ليس للإمام أن يخرج شيئا من يد أحد إلا بحق ثابت معروف
قال المحقق ابن حجر المكي في فتاواه الفقهية بعد نقله كلام السبكي : فهذا صريح في أنا نحكم لذوي الأملاك والأوقاف ببقاء أيديهم على ما هي عليه ، ولا يضرنا كون أصل الأراضي ملكا لبيت المال ، أو وقفا على المسلمين لأن كل أرض نظرنا إليها بخصوصها ، لم يتحقق فيها أنها من ذلك الوقف ، ولا الملك لاحتمال أنها كانت مواتا وأحييت وعلى فرض تحقق أنها من بيت المال ، فإن استمرار اليد عليها والتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم أو النظار فيما تحت أيديهم الأزمان المتطاولة قرائن ظاهرة ، أو قطعية على اليد المفيدة لعدم التعرض لمن هي تحت يده وعدم انتزاعها منه قال السبكي : ولو جوزنا الحكم برفع الموجود المحقق : أي وهو اليد بغير بينة ، بل بمجرد أصل مستصحب ، لزم تسليط الظلمة على ما في أيدي الناس ، ثم قال ابن حجر بعد كلام طويل : إذا تقرر ذلك بان لك واتضح اتضاحا لا يبقى معه ريبة أن الأراضي التي في أيدي الناس بمصر والشام المجهول انتقالها إليهم تقر في أيدي أربابها ، ولا يتعرض لهم فيها بشيء أصلا لأن الأئمة إذا قالوا في الكنائس المبنية للكفر إنها تبقى ، ولا يتعرض لها عملا بذلك الاحتمال الضعيف أي كونها كانت في برية ، فاتصلت بها عمارة المصر فأولى أن يقولوا ببقاء تلك الأراضي بيد من هي تحت أيديهم ، باحتمال أنها كانت مواتا فأحييت ، أو أنها انتقلت إليهم بوجه صحيح ا هـ . مطلب فيما وقع من الملك الظاهر بيبرس من إرادته انتزاع العقارات من ملاكها لبيت المال
وقد أطال رحمه الله تعالى في ذلك إطالة حسنة ردا على من أراد انتزاع أوقاف مصر وإقليمها ، وإدخالها في بيت المال ، بناء على أنها فتحت عنوة ، وصارت لبيت المال ، فلا يصح وقفها قال : وسبقه إلى ذلك الملك الظاهر بيبرس ، فإنه أراد مطالبة ذوي العقارات بمستندات تشهد لهم بالملك ، وإلا انتزعها من أيديهم متعللا بما تعلل به ذلك الظالم ، فقام عليه شيخ الإسلام الإمام النووي رحمه الله تعالى ، وأعلمه بأن ذلك غاية الجهل والعناد وأنه لا يحل عند أحد من علماء المسلمين بل من في يده شيء فهو ملكه ، لا يحل لأحد الاعتراض عليه ، ولا يكلف إثباته ببينة ولا زال النووي رحمه الله تعالى يشنع على السلطان ، ويعظه إلى أن كف عن ذلك ، فهذا الخبر الذي اتفقت علماء المذاهب على قبول نقله والاعتراف بتحقيقه وفضله نقل إجماع العلماء على عدم المطالبة بمستند عملا باليد الظاهر فيها أنها وضعت بحق ا هـ .
قلت : فإذا كان مذهب هؤلاء الأعلام ، أن الأراضي المصرية والشامية أصلها وقف على المسلمين ، أو لبيت المال ومع ذلك لم يجيزوا مطالبة أحد يدعي شيئا أنه ملكه بمستند يشهد له بناء على احتمال انتقاله إليه ، بوجه صحيح فكيف يصح على مذهبنا بأنها مملوكة لأهلها أقروا عليها بالخراج ، كما قدمناه أنه يقال إنها صارت لبيت المال ، وليست مملوكة للزراع لاحتمال موت المالكين لها شيئا فشيئا بلا وارث ، فإن ذلك يؤدي إلى إبطال أوقافها وإبطال المواريث فيها [ ص: 182 ] وتعدي الظلمة على أرباب الأيدي الثابتة المحققة في المدد المطاولة بلا معارض ، ولا منازع ، ووضع العشر أو الخراج عليها لا ينافي ملكيتها كما مر ، وهو صريح قول المصنف ، وغيره هنا أن أرض سواد العراق خراجية وأنها مملوكة لأهلها واحتمال موت أهلها بلا وارث لا يصلح حجة في إبطال اليد المثبتة للملك فإنه مجرد احتمال لم ينشأ عن دليل ، ومثله لا يعارض المحقق الثابت ، فإن الأصل بقاء الملكية واليد أقوى دليل عليها ، فلا تزول إلا بحجة ثابتة وإلا لزم أن يقال مثل ذلك في كل مملوك بظاهر اليد ، مع أنه لا يقول به أحد ، وقد سمعت نقل الإمام النووي الإجماع على عدم التعرض مع أن مذهبه أن تلك الأراضي في الأصل غير مملوكة لأهلها بل هي وقف ، أو ملك لبيت المال فعلى مذهبنا بالأولى واحتمال كون أهلها ماتوا بلا وارث بعد الإمام النووي أبعد البعد ، وهذا ابن حجر المكي بعد النووي بمئات من السنين وقد سمعت كلامه .
والحاصل في الأراضي الشامية والمصرية ونحوها : أن ما علم منها كونه لبيت المال بوجه شرعي فحكمه ما ذكره الشارح عن الفتح ، وما لم يعلم فهو ملك لأربابه والمأخوذ منه خراج لا أجرة ; لأنه خراجي في أصل الوضع ، فاغتنم هذا التحرير ، فإنه صريح الحق الذي يعض عليه بالنواجذ وإنما أطلت في ذلك لأني لم أر من تعرض لذلك هنا بل تبعوا المحقق الكمال في ذلك والحق أحق أن يتبع ولعل مراد المحقق ومن تبعه الأراضي التي علم كونها لبيت المال والله تعالى أعلم . مطلب في بيع السلطان وشرائه أراضي بيت المال
( قوله وعلى هذا ) أي على كونها صارت لبيت المال ( قوله من وكيل بيت المال ) متعلق بشراؤه ، وهو من نصبه الإمام قيما على بيت المال ، وأما البيع فيصح بيعه بنفسه ، بخلاف الشراء ، فإن وصي اليتيم لا يصح شراؤه مال اليتيم ، فلذا قيد الشراء بكونه من الوكيل وفي الخانية والخلاصة : فإن أراد السلطان أن يأخذها لنفسه يبيعها من غيره ، ثم يشتري من المشتري ا هـ وفي التجنيس : إذا أراد السلطان أن يشتريها لنفسه أمر غيره أو يبيعها من غيره ، ثم يشتريها لنفسه من المشتري لأن هذا أبعد من التهمة ا هـ ( قوله لأنه كوكيل اليتيم ) أي كوصيه وسماه وكيلا مشاكلة ( قوله فلا يجوز إلا لضرورة ) أي بأن احتاج بيت المال ، لكن نازعه صاحب البحر في رسالته بإطلاق ما مر آنفا عن الخانية والخلاصة فإنه يدل على جواز البيع للإمام مطلقا ، وبما في الزيلعي من أن للإمام ولاية عامة ، وله أن يتصرف في مصالح المسلمين والاعتياض عن المشترك العام جائز من الإمام ; ولهذا لو باع شيئا من بيت المال صح بيعه فقوله شيئا نكرة في سياق الشرط يعم العقار وغيره لحاجة وغيرها ( قوله زاد في البحر ) أي زاد على قوله إلا لضرورة قوله أو رغب في العقار إلخ ، وعبر عن هذه الزيادة في التحفة المرضية بقوله : أو مصلحة فافهم . قلت : وسنذكر آخر الباب أن للإمام أن يقطع من بيت المال الأرض لمن يستحق ، وأن هذا تمليك رقبتها كما سنحققه ، وعلى هذا فيمكن شراؤها من المستحق . [ ص: 183 ] قوله على قول المتأخرين ) أي في وصي اليتيم أنه ليس له بيع العقار إلا في المسائل السبع الآتية وهو المفتى به وعند المتقدمين له البيع مطلقا واختاره الإسبيجابي وصاحب المجمع وكثير كما في التحفة المرضية