[ ص: 269 ] كتاب اللقيط عقبه مع اللقطة بالجهاد لعرضيتهما لفوات النفس والمال ، وقدم اللقيط لتعلقه بالنفس ، وهي مقدمة على المال . ( هو ) لغة ما يلقط فعيل بمعنى مفعول ثم غلب على الولد المنبوذ باعتبار المآل وشرعا ( اسم لحي مولود طرحه أهله خوفا من العيلة أو فرارا من تهمة الريبة ) مضيعه آثم محرزه غانم ( التقاطه فرض كفاية إن غلب على ظنه هلاكه لو لم يرفعه ) ولو لم يعلم به غيره ففرض عين ، ومثله رؤية أعمى يقع في بئر شمني ( وإلا فمندوب ) لما فيه من الشفقة والإحياء و ( هو حر ) [ ص: 270 ] مسلم تبعا للدار ( إلا بحجة رقه ) على خصم وهو الملتقط لسبق يده
كتاب اللقيط أي كتاب لقط اللقيط قهستاني ، والأولى قول الحموي كتاب في بيان أحكام اللقيط ; لأن الكتاب معقود لبيان ما هو أعم من لقطه كنفقته وجنايته وإرثه وغير ذلك ط ( قوله : عقبه مع اللقطة بالجهاد ) تبع في هذا التعبير صاحب النهر ، وفيه قلب ، وصوابه عقب الجهاد به مع اللقطة ط .
قلت : لكن في المصباح كل شيء جاء بعد شيء فقد عاقبه وعقبه تعقيبا ، ثم قال وعقبت زيدا عقبا من باب قتل وعقوبا جئت بعده ، ثم قال والسلام يعقب التشهد أي يتلوه ، فهو عقيب له . ا هـ . فعلى هذا إذا قلت أعقبت زيدا عمرا كان معناه جعلت زيدا تاليا لعمرو ; لأن زيدا فاعل في الأصل كما ألبست زيدا جبة وكذا تقول أعقبت السلام التشهد : أي أتيت بالسلام بعد التشهد ، ومثله أعقبت السلام بالتشهد بزيادة الباء ، وعليه فقوله عقب اللقيط بالجهاد معناه أتى به عقب الجهاد فلا قلب فيه ، هذا ما ظهر لي ( قوله : لعرضيتهما ) بفتح العين والراء ا هـ ح : أي لتوقع عروض الهلاك والزوال فيهما : أي كما أن الأنفس والأموال في الجهاد على شرف الهلاك ، وإنما قدمه عليهما لكونه فرضا لإعلاء كلمة الله تعالى والالتقاط مندوب ( قوله : ما يلقط ) أي يرفع من الأرض فتح ( قوله ثم غلب ) أي في اللغة كما هو ظاهر المغرب والمصباح ، فهو كاستعمالهم اللفظ بمعنى الملفوظ ثم تخصيصه بما يلفظه الفم من الحروف ( قوله : باعتبار المآل ) ; لأنه يئول أمره إلى الالتقاط في العادة ، وظاهره أنه مجاز لغوي بعلاقة الأول مثل - { أعصر خمرا } - وانظر ما قدمناه في باب كيفية القسمة عند قوله سماه قتيلا إلخ .
( قوله : وشرعا اسم لحي مولود إلخ ) كذا في البحر ، وظاهر الفتح اتحاد المعنى الشرعي واللغوي ، وعلى ما هنا فالمغايرة بينهما بزيادة قيد الحياة وهو غير ظاهر ; لأن الميت كذلك فيما يظهر حتى يحكم بإسلامه تبعا للدار فيغسل ويصلى عليه ، ولو وجد قتيلا في محلة تجب فيه الدية والقسامة كما سنذكره تأمل ، والمراد به ما كان من بني آدم كما نقل عن الأتقاني ، وقيد بقوله طرحه أهله . احترازا عن الضائع ( قوله : خوفا من العيلة ) بالفتح : الفقر مصباح ( قوله : فرارا من تهمة الريبة ) التهمة : بفتح الهاء وسكونها الشك والريبة مصباح . وفيه أيضا : الريبة الظن والشك ، لكن المراد بها هنا الزنا ( قوله : مضيعه ) أي طارحه أو تاركه حتى ضاع أي هلك ( قوله : إن غلب على ظنه هلاكه ) بأن وجده في مفازة ونحوها من المهالك ، وليس مراد الكنز من الوجوب الاصطلاحي بل الافتراض ، فلا خلاف بيننا وبين باقي الأئمة كما قد توهم بحر . قال في النهر : وفيه إيماء إلى أنه يشترط في الملتقط كونه مكلفا ، فلا يصح التقاط الصبي والمجنون ، ولا يشترط كونه مسلما عدلا رشيدا لما سيأتي من أن التقاط الكافر صحيح والفاسق أولى ، وأن العبد المحجور عليه يصح التقاطه أيضا ، فالمحجور عليه بالسفه أولى . ا هـ .
ويأتي قريبا تمام الكلام على المحجور ( قوله : وإلا فمندوب ) قال في البحر : وينبغي أن يحرم طرحه بعد التقاطه ; لأنه وجب عليه بعد التقاطه حفظه فلا يملك رده إلى ما كان عليه ( قوله : وهو حر ) [ ص: 270 ] أي في جميع أحكامه حتى يحد قاذفه ; لأن الأصل في بني آدم الحرية ; لأنهم أولاد خيار المسلمين آدم وحواء ، وإنما عرض الرق بعروض الكفر لبعضهم ، وكذا الدار دار الأحرار فتح ، وشمل ما إذا كان الواجد حرا أو عبدا أو مكاتبا ولا يكون تبعا للواجد والولوالجية .
وفي المحيط : لو وجده المحجور ولا يعرف إلا بقوله قال المولى كذبت بل هو عبدي فالقول للمولى ; لأنه ذو اليد إذ لا يد للعبد على نفسه وإن كان العبد مأذونا فالقول له ; لأن له يدا ، وتمامه في البحر ( قوله : مسلم تبعا للدار ) أفاد أن المعتبر في ثبوت إسلامه المكان سواء كان الواجد مسلما أو كافرا ، وفيه خلاف سيأتي ( قوله : إلا بحجة رقه ) يستثنى منه ما لو كان الملتقط عبدا محجورا وادعى مولاه أنه عبده كما مر آنفا وكذا لو ادعاه الملتقط الحر إن لم يكن أقر بأنه لقيط كما في البحر ( قوله : على خصم وهو الملتقط ) هذا إذا كان اللقيط صغيرا ، فلو كبيرا يثبت رقه بإقامة البينة عليه وبإقراره أيضا كما في القهستاني عن النظم ، لكن إقراره يقتصر عليه ويأتي بيانه في الفروع .