فلم يزد القيم بل القاضي لأن له ولاية النظر لفقير وغائب وميت ( فلو أهمل الواقف مدتها قيل تطلق ) الزيادة للقيم ( وقيل تقيد بسنة ) مطلقا ( وبها ) أي بالسنة ( يفتى في الدار وبثلاث سنين في الأرض ) [ ص: 401 ] إلا إذا كانت المصلحة بخلاف ذلك وهذا مما يختلف زمانا وموضعا وفي البزازية : لو احتيج لذلك يعقد عقودا فيكون العقد الأول لازما لأنه ناجز والثاني لا لأنه مضاف . [ ص: 402 ] قلت : لكن قال أبو جعفر الفتوى على إبطال الإجارة الطويلة ولو بعقود ذكره الكرماني في الباب التاسع عشر وأقره قدري أفندي وسيجيء في الإجارة
فصل هذا الفصل مشتمل على بيان أحكام إجارة الوقف وغصبه والشهادة عليه والدعوى به ، والمتولي عليه وما يتبع ذلك وزاد فيه الشارح فروعا مهمة وفوائد جمة ( قوله : يراعى شرط الواقف في إجارته ) أي وغيرها لما سيأتي في الفروع من أن شرط الواقف كنص الشارح كما سيأتي بيانه إلا في مسائل تقدمت ( قوله : فلم يزد القيم إلخ ) يعني إذا شرط الواقف أن لا يؤجر أكثر من سنة ، والناس لا يرغبون في استئجارها وكانت إجارتها أكثر من سنة أنفع للفقراء فليس للقيم أن يؤجرها أكثر من سنة بل يرفع الأمر للقاضي ، حتى يؤجرها لأن له النظر للفقراء والغائب والميت ، وإن لم يشترط الواقف فللقيم ذلك بلا إذن القاضي كما في المنح عن الخانية ، ولو استثنى فقال لا تؤجره أكثر من سنة إلا إذا كان أنفع للفقراء فللقيم ذلك إذا رآه خيرا بلا إذن القاضي إسعاف ( قوله : لفقير ) أي فيما إذا كان الوقف على الفقراء ، ومثله الوقف على المسجد ، وكذا الوقف على أولاد الواقف لأن منهم الفقير والغائب بل ومن لم يخلق عند الإجارة ( قوله : وغائب وميت ) فإنه يحفظ اللقطة ومال المفقود ومال الميت إلى أن يظهر له وارث أو وصي .
( قوله : وقيل تقيد بسنة ) لأن المدة إذا طالت يؤدي إلى إبطال الوقف ، فإن من رآه يتصرف بها تصرف الملاك على طول الزمان يظنه مالكا إسعاف ( قوله : مطلقا ) أي في الدار والأرض ح ( قوله : وبثلاث سنين في الأرض ) أي إذا كان لا يتمكن المستأجر من الزراعة فيها إلا في الثلاث كما قيده المصنف تبعا للدرر حيث قال : يعني أن الأرض إن كانت مما تزرع في كل سنتين مرة ، أو في كل ثلاث كان له أن يؤجرها مدة يتمكن فيها من الزراعة . ا هـ . ومثله في الإسعاف وكذا في الخانية لكن ذكر فيها بعد ذلك قوله وعن الإمام أبي حفص البخاري أنه كان يجيز إجارة الضياع ثلاث سنين ، فإن آجر أكثر اختلفوا فيه وأكثر مشايخ بلخ لا يجوز وقال غيرهم : برفع الأمر إلى القاضي حتى يبطله وبه أخذ الفقيه nindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث ا هـ وظاهره جواز الثلاث بلا تفصيل تأمل وأن مختار الفقيه جواز الأكثر ، ولكن للقاضي [ ص: 401 ] إبطالها أي إذا كان أنفع للوقت ، ثم رأيت الشرنبلالي اعترض على الدرر بأنه أخرج المتن عن ظاهره والفتوى على إطلاق المتن كما أطلقه شارح المجمع ، وهو قول الإمام أبي حفص الكبير . ا هـ . واعلم أن المسألة فيها ثمانية أقوال ذكرها العلامة قنالي زاده في رسالته أحدها : قول المتقدمين عدم تقدير الإجارة بمدة ورجحه في أنفع الوسائل والمفتى به ما ذكره المصنف خوفا من ضياع الوقف كما علمت .
( قوله : إلا إذا كانت المصلحة بخلاف ذلك ) هذا أحد الأقوال الثمانية ، وهو ما ذكره الصدر الشهيد من أن المختار أنه لا يجوز في الدور أكثر من سنة إلا إذا كانت المصلحة في الجواز ، وفي الضياع يجوز إلى ثلاث سنين إلا إذا كانت المصلحة في عدم الجواز وهذا أمر يختلف باختلاف المواضع واختلاف الزمان ا هـ وعزاه المصنف إلى أنفع الوسائل وأشار إلى أنه لا يخالف ما في المتن لأن أصل عدول المتأخرين عن قول المتقدمين بعدم التوقيت إلى التوقيت إنما هو بسبب الخوف على الوقف فإذا كانت المصلحة الزيادة أو النقص اتبعت ، وهو توفيق حسن .
محل ما ذكر من التقييد ما إذا كان المؤجر غير الواقف لما في القنية آجر الواقف عشر سنين ثم مات بعد خمس وانتقل إلى مصرف آخر انتقضت الإجارة ويرجع بما بقي في تركة الميت ا هـ تأمل . مطلب أرض اليتيم وأرض بيت المال في حكم أرض الوقف
ثم إن أرض اليتيم في حكم أرض الوقف كما ذكره في الجوهرة ، وأفتى به صاحب البحر والمصنف كذا أرض بيت المال كما أفتى به في الخيرية وقال من كتاب الدعوى إن أراضي بيت المال جرت على رقبتها أحكام الوقوف المؤبدة ( قوله لو احتاج لذلك ) أي للإيجار إلى مدة زائدة عن التقدير المذكور أي بأن لم تحصل عمارة الوقف إلا بذلك كما ذكرناه آنفا عن قارئ الهداية . ( قوله : يعقد عقودا ) أي عقودا مترادفة كل عقد سنة بكذا خانية والظاهر أن هذا في الدار أما في الأرض فيصح كل عقد ثلاث سنين . وصورة ذلك أن يقول : آجرتك الدار الفلانية سنة تسع وأربعين بكذا وآجرتك إياها سنة خمسين بكذا وآجرتك إياها سنة إحدى وخمسين بكذا وهذا إلى تمام المدة . مطلب في لزوم الأجرة المضافة تصحيحان
( قوله : والثاني لا ) أي لا يكون لازما وأراد بالثاني ما عدا العقد الأول لأن جميع ما عداه مضاف لكن قال قاضي خان وذكر شمس الأئمة السرخسي : أن الإجارة المضافة تكون لازمة في إحدى الروايتين وهو الصحيح ، وأيضا اعترض [ ص: 402 ] قاضي خان قولهم إن احتاج القيم إلى تعجيل الأجرة يعقد عقودا مترادفة بأنهم أجمعوا على أن الأجرة لا تملك في الإجارة المضافة باشتراط التعجيل : أي فيكون للمستأجر الرجوع بما عجله من الأجرة فلا يكون هذا العقد مفيدا لكن أجاب العلامة قنالي زاده بأن رواية عدم لزوم الإجارة المضافة مصححة أيضا وبأن قاضي خان نفسه أجاب في كتاب الإجارات عن الثاني بقوله : لكن يجاب عنه بأن ملك الأجرة عند التعجيل فيه روايتان : فيؤخذ برواية الملك هنا للحاجة ، وهذا ينافي دعواه الإجماع هنا .
قلت : وقد ذكر الشارح في أواخر كتاب الإجارة أن رواية عدم اللزوم تأيدت بأن عليها الفتوى ، أي فتكون أصح التصحيحين لأن لفظ الفتوى في التصحيح أقوى ، لكن أنت خبير بأن رواية عدم اللزوم هنا لا تنفع لأنه يثبت للمستأجر الفسخ فيرجع بما عجله من الأجرة وإن قلنا إنها تملك بالتعجيل فينبغي هنا ترجيح رواية اللزوم للحاجة نظير ما قاله قاضي خان في رواية الملك . مطلب في الإجارة الطويلة بعقود
( قوله : الفتوى على إبطال الإجارة الطويلة ولو بعقود ) أي لتحقق المحذور المار فيها ، وهو أن طول المدة يؤدي إلى إبطال الوقف كما في الذخيرة .
قلت : لكن الكلام هنا عند الحاجة إذا اضطر إلى ذلك لحاجة عمارة الوقف بتعجيل أجرة سنين مستقبلة يزول المحذور الموهوم عند وجود الضرر المتحقق فالظاهر تخصيص بطلان هذه الإجارة بما عدا هذه الصورة وهو جعلها حيلة لتطويل المدة فتدبر . ثم رأيت ط نقل عن الهندية أن بعض الصكاكين أرادوا بهذه الإجارة إبقاء الوقف في يد المستأجر أكثر من سنة فقال الفقيه أبو جعفر : إنا نبطلها صيانة للوقف وعليه الفتوى كذا في المضمرات ا هـ ملخصا وأنت خبير بأن هذا دليل على ما قاله من أن إبطالها عند عدم الحاجة فلا يناسب ذكره هنا فافهم .