ومما يكثر وقوعه ما لو وقف على ذريته مرتبا وجعل من شرطه أن من مات قبل استحقاقه وله ولد قام مقامه لو بقي حيا فهل له حظ أبيه لو كان حيا ويشارك الطبقة الأولى أو لا ؟ [ ص: 466 - 467 ] أفتى السبكي بالمشاركة وخالفه السيوطي ، وهذه المخالفة واجبة كما أفاده ابن نجيم في الأشباه من القاعدة التاسعة ، لكنه ذكر بعد ورقتين أن بعضهم يعبر بين الطبقات بثم وبعضهم بالواو ، فبالواو يشارك بخلاف ثم فراجعه متأملا مع شرح الوهبانية فإنه نقل عن السبكي واقعتين أخريين يحتاج إليهما ، ولم يزل العلماء متحيرين في فهم شروط الواقفين إلا من رحم الله . ولقد أفتيت فيمن وقف على أولاد الظهور دون الإناث فماتت مستحقة عن ولدين أبوهما من أولاد الظهور بأنه ينتقل نصيبها لهما لصدق كونهما من أولاد الظهور باعتبار أبيهما كما يعلم من الإسعاف وغيره . وفي الإسعاف والتتارخانية : لو وقف على عقبه يكون لولده وولد ولده أبدا ما تناسلوا من أولاد الذكور دون الإناث إلا أن يكون أزواجهن من ولد ولده الذكور ، كل من يرجع نسبه إلى الواقف بالآباء فهو من عقبه ، وكل من كان أبوه من غير الذكور من ولد الواقف فليس من عقبه انتهى وسيجيء في الوصايا أنه لو أوصى لآله أو جنسه دخل كل من ينسب إليه من قبل آبائه ، ولا يدخل أولاد البنات وأنها لو أوصت إلى أهل بيتها أو لجنسها لا يدخل ولدها إلا أن يكون أبوه من قومها لأن الولد إنما ينسب لأبيه لا لأمه .
مطلب في مسألة السبكي الواقعة في الأشباه في نقض القسمة والدرجة الجعلية ( قوله : ومما يكثر وقوعه إلخ ) اعلم أن هذه المسألة وقع فيها اختلاف واشتباه ولا سيما على صاحب الأشباه . ولما رأيت الأمر كذلك جمعت فيها حين وصولي إلى هذا المحل رسالة سميتها الأقوال الواضحة الجلية في مسألة نقض القسمة ومسألة الدرجة الجعلية وكنت ذكرت شيئا من ذلك في كتاب تنقيح الحامدية وأوضحت فيه المسألتين بما تقر به العين ، فمن أراد الوقوف على حقيقة الأمر فليرجع إلى هذين التأليفين : فإن ذلك يستدعي كلاما طويلا ، ولنذكر لك خلاصة ذلك باختصار .
وذلك أنه إذا وقف على أولاده ثم على أولادهم وهكذا مرتبا بين البطون وشرط أن من مات عن ولد فنصيبه لولده أو عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته ومن مات قبل استحقاقه لشيء وله ولد قام ولده مقامه واستحق ما كان يستحق لو بقي حيا فمات الواقف أو غيره عن عشرة أولاد مثلا ثم مات أحدهم عن ولد يعطى سهمه لولده عملا بالشرط ، فلو مات بعده آخر عن ولد وعن ولد ولد مات والده في حياة أبيه فهل يعطى هذا الولد مع عمه حصة جده لأن الواقف جعل درجته درجة أبيه وهي درجته الجعلية فيشارك أهل الطبقة الأولى وهي درجة عمه أو لا يعطى له شيئا أفتى السبكي بعدم المشاركة ، وخص العم بحصة أبيه بناء على أن المتوفى في حياة والده لا يسمى موقوفا عليه ولا من أهل الوقف ، وإنما يعمل بشرطه الأول ، وهو كل من مات عن ولده فنصيبه لولده ، فكلما مات واحد من العشرة يعطى سهمه لولده دون ولد ولده الذي مات قبل الاستحقاق إلى أن يموت العاشر من الطبقة العليا فإذا مات هذا العاشر عن ولده لا يعطى نصيبه لولده بل تنقض القسمة ويقسم على البطن الثاني قسمة مستأنفة ، ويبطل قول الواقف من مات عن ولده فنصيبه لولده ، ويرجع إلى العمل بقوله ثم على أولادهم حيث رتب بين الطبقات وبعد ذلك فكل من مات من البطن الثاني عن ولده فنصيبه لولده ، وهكذا إلى أن يموت آخر هذه الطبقة الثانية فتبطل القسمة وتستأنف قسمة أخرى على الطبقة الثالثة وهكذا إلى آخر الطبقات كما نص عليه الخصاف وغيره ، لكن السبكي قسم على الموتى من كل طبقة عند استئناف القسمة وأعطى حصة كل ميت لأولاده وأما الخصاف فقسم على عدد أهل الطبقة التي تستأنف القسمة عليها ولم ينظر إلى أصولهم ، فهذا خلاصة ما قاله السبكي ، وخالفه الجلال السيوطي فاختار أن ولد من مات قبل الاستحقاق يقوم مقام والده عملا بالشرط ويستحق من جده مع أعمامه وأنه إذا مات أحد من أعمامه عن غير ولد استحق معهم أيضا لأن عدم كونه من أهل الوقف ممنوع ، بل صريح [ ص: 466 ] قول الواقف ومن مات من أهل الوقف قبل استحقاقه أنه منهم ; فأهل الوقف يشمل المستحق ومن كان بصدد الاستحقاق ، وأنه إذا مات آخر من في الطبقة عن ولد يعطى سهمه لولده .
وحاصله أنه خالفه في شيئين : أحدهما أن أولاد المتوفى في حياة والده لا يحرمون مع بقاء الطبقة الأولى ، بل يستحقون معهم عملا باشتراط الدرجة الجعلية . ثانيهما أنه إذا انقرضت الطبقة لا تنقض القسمة كما هو صريح إعطائه سهم آخر من مات من الطبقة لولده ، فقوله في الأشباه أنه وافق السبكي على نقض القسمة غير صحيح . ثم إن صاحب الأشباه قال : إن مخالفته للسبكي في أولاد المتوفى في حياة أبيه واجبة . وأما نقض القسمة بعد انقراض كل بطن فقد أفتى به بعض علماء العصر وعزوه للخصاف ولم يتنبهوا للفرق بين صورتي الخصاف والسبكي ، فإن صورة السبكي ذكر فيها العطف بكلمة ثم بين الطبقات ، وصورة الخصاف قال فيها وقف على ولده وولد ولده ونسلهم مرتبا : أي قائلا على أن يبدأ بالبطن الأعلى ثم بالذين يلونهم ثم بالذين يلونهم بطنا بعد بطن ، فصدر مسألة الخصاف اقتضى اشتراك البطن الأعلى والأسفل ، وقوله على أن يبدأ بالبطن الأعلى إخراج بعد الدخول ، وصدر مسألةالسبكي اقتضى عدم الاشتراك للعطف بثم لا بالواو فنقض القسمة خاص بمسألة الخصاف دون مسألة السبكي فكيف يصح أن يستدل بكلام الخصاف على مسألة السبكي وحاصله أنه إن عبر بالواو بين الطبقات مرتبا بعده ، بأن يبدأ بالبطن الأعلى تنقض القسمة عند انقراض كل بطن كما قاله الخصاف وإن عبر بثم لا يصح القول بنقض القسمة خلافا للسبكي ، بل كلما مات أحد عن ولد يعطى سهمه لولده في جميع البطون . هذا خلاصة ما قاله في الأشباه وقد رد عليه جميع من جاء بعده ، حتى إن العلامة المقدسي ألف في الرد عليه رسالة مستقلة ذكرها الشرنبلالي في مجموع رسائله ، وحقق فيها عدم الفرق في نقض القسمة بين العطف بثم والعطف بالواو المقترنة بما يفيد الترتيب . وقال : قد أفتى بذلك جماعة من أفاضل الحنفية والشافعية : منهم السري عبد البر بن الشحنة الحنفي ونور الدين المحلي الشافعي وبرهان الدين الطرابلسي الحنفي ونور الدين الطرابلسي الحنفي وشهاب الدين الرملي الشافعي والبرهان بن أبي شريف الشافعي وعلاء الدين الإخميمي وغيرهم .
قلت : وأفتى بذلك أيضا العلامة ابن الشلبي في سؤال مرتب بثم ، وقال الصواب نقض القسمة كما اقتضاه صريح كلام الخصاف ، ولا أعلم أحدا من مشايخنا خالفه في ذلك ، بل وافقه جماعة من الشافعية وغيرهم ا هـ . وقد أيد العلامة ابن حجر في فتاواه القول بنقض القسمة على نحو ما مر عن الخصاف ، ونقل مثله عن الإمام البلقيني وغيره في صورة الترتيب بثم ، فقد تحرر بهذا أن الصواب القول بنقض القسمة بلا فرق بين العطف بثم أو بالواو المقترنة بما يفيد الترتيب ، وأن اشتراط الدرجة الجعلية معتبر ، لكن الذي عليه جمهور العلماء قيام من مات في حياة والده مقام والده في الاستحقاق من سهم جده . وأما دخوله في الاستحقاق من عمه ونحوه ممن هو في درجة أبيه المتوفى قبل الاستحقاق ، فقد وقع فيه معترك عظيم بين العلماء ، فمنهم من قال بدخوله في الموضعين ، وهو اختيار السيوطي كما مر ، ووافقه جماعة كثيرون واعتمده الشرنبلالي ، وألف فيه رسالة تبع فيها العلامة المقدسي ، [ ص: 467 ] وأفتى جماعة كثيرون من أئمة المذاهب الأربعة بعدم دخوله في الثاني ، وهو الذي حققته في الرسالة ، وفي تنقيح الحامدية والله سبحانه أعلم ، فاغتنم توضيح هذا المحل ، واشكر مولاك عز وجل .
( قوله أفتى السبكي بالمشاركة وخالفه السيوطي ) العبارة مقلوبة كما ظهر لك مما قررناه ، وإن السبكي أفتى بعدم المشاركة وبنقض القسمة والسيوطي خالفه في الأمرين لا في أحدهما خلافا للأشباه ( قوله : وهذه المخالفة واجبة ) أي يجب القول بمشاركته لأهل درجة أبيه على التفصيل الذي قلناه أو مطلقا ( قوله : فبالواو ) أي المقترنة بما يفيد الترتيب بين الطبقات ، وقوله يشارك صوابه تنقض القسمة ( قوله : بخلاف ثم ) فإن القسمة لا تنقض فيها بانقراض كل طبقة ، وقد علمت أن الصواب نقض القسمة في الموضعين ( قوله ولقد أفتيت إلخ ) أفتى بمثله الحانوتي ( قوله : بأنه ينتقل نصيبها لهما ) أي إذا وجد في كلام الواقف ما يدل على انتقال نصيب الميت لولده ( قوله : وفي الإسعاف إلخ ) هذا كله إلى الفصل ساقط من بعض النسخ ، ويدل على أنه لم يوجد في أصل النسخة ما فيه من التكرار بإعادة الحادثة التي أفتى بها ( قوله : إلا أن يكون أزواجهن من ولد ولده ) استثناء من قوله دون الإناث ، وهذا دليل ما أفتى به ، وهو مراده من قوله كما يعلم من الإسعاف ، وهذا يؤيد سقوط هذه الجملة من أصل النسخة ( قوله كل من يرجع إلخ ) توضيح لما قبله ط وسيذكر في الفصل الآتي تفسير العقب والنسل والآل والجنس ، ويأتي الكلام عليه ، والله سبحانه أعلم .