واعلم أن العيوب أنواع خفي كإباق وعلم حكمه وظاهر كعور وصمم وأصبع زائدة أو ناقصة . فيقضي بالرد [ ص: 31 ] بلا يمين للتيقن به إذا لم يدع الرضا به . وما لا يعرفه إلا الأطباء ككبد ، فيكفي قول عدل ولإثباته عند بائعه عدلين وما لا يعرفه إلا النساء كرتق فيكفي قول الواحدة ثم يحلف البائع عيني [ ص: 32 ] قلت : وبقي خامس ما لا ينظره الرجال والنساء ، ففي شرح قاضي خان : شرى جارية وادعى أنها خنثى حلف البائع ( استحق بعض المبيع ، فإن ) كان استحقاقه ( قبل القبض ) للكل ( خير في الكل ) لتفرق الصفقة ( وإن بعده خير في القيمي لا في غيره ) ; لأن تبعيض القيمي عيب لا المثلي كما سيجيء .
( قوله خفي كإباق ) أي من كل عيب لا يعرف إلا بالتجربة والاختبار كالسرقة والبول في الفراش والجنون والزنا فتح ( قوله وعلم حكمه ) أي حكم رده [ ص: 31 ] مما ذكره المصنف آنفا ( قوله للتيقن به ) أي في يد البائع والمشتري فتح ( قوله إذا لم يدع الرضا به ) أي رضا المشتري به ، أو العلم به عند الشراء ، أو الإبراء منه ، فإن ادعاه سأل المشتري ، فإن اعترف امتنع الرد ، وإن أنكر أقام البينة عليه ، فإن عجز يستحلف ما علم به وقت البيع أو ما رضي ونحوه ، فإن حلف رده ، وإن نكل امتنع الرد فتح ( قوله ككبد ) أي كوجع كبد وطحال فتح . وفي بعض النسخ ككبدي بياء النسب : أي كداء منسوب إلى الكبد ( قوله فيكفي قول عدل ) أي لتوجه الخصومة .
قال في الفتح : فإن اعترف به عندهما رده ، وكذا إذا أنكره فأقام المشتري البينة أو حلف البائع فنكل ، إلا إن ادعى الرضا فيعمل ما ذكرنا ، وإن أنكره عند المشتري يريه طبيبين مسلمين عدلين ، والواحد يكفي والاثنان أحوط ، فإذا قال به ذلك يخاصمه في أنه كان عنده . ا هـ . واشتراط العدلين منهم إنما هو للرد والواحد لتوجه الخصومة فيحلف البائع كما في البدائع ، ولكن في أدب القاضي ما يخالفه بحر .
قال في البزازية : وفي أدب القاضي الذي يرجع فيه إلى الأطباء لا يثبت في حق توجه الخصومة ما لم يتفق عدلان بخلاف ما لا يطلع عليه الرجال حيث يثبت بقول المرأة الواحدة في حق الخصومة لا في حق الرد . ا هـ .
قلت : الأول أظهر ; لأن العدلين يكتفي بهما الإثبات ، فيكفي الواحد لتوجه الخصومة ، ولذا جزم به في الخانية ، حيث قال : إن أخبر بذلك واحد يثبت العيب في حق الخصومة والدعوى ، وإن شهد عدلان أنه قديم كان عند البائع يرده على البائع .
مطلب فيما لا يطلع عليه إلا النساء ( قوله فيكفي قول الواحدة ) أي لإثبات العيب في حق الخصومة لا في الرد في ظاهر الرواية خانية ، وقد أشار إلى هذا بقوله فيحلف البائع ، إذ لو ثبت الرد بقولها لم يحتج إلى التحليف ، وهذا إذا كان بعد القبض بالاتفاق كما في شرح الجامع لقاضي خان ، فلو قبله ففيه اختلاف الروايات .
ففي الخانية : إن آخر ما روي من nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف أنه يرد بشهادتهن ، إلا في الحبل فلا ترد بشهادتهن . وفي الذخيرة : الواحدة العدلة تكفي والثنتان أحوط ، فإذا قالت واحدة عدلة أو ثنتان إنها حبلى يثبت العيب في حق توجه الخصومة ، ثم إن قالت أو قالتا كان ذلك عند البائع ، إن كان ذلك بعد القبض لا ترد بل يحلف البائع ; لأن شهادة النساء حجة ضعيفة والعقد بعد القبض قوي ولا يفسخ العقد القوي بحجة ضعيفة ، وإن قبل القبض فكذلك لا رد بقول الواحدة ، أما المثنى فقيل على قياس قوله لا ترد وعلى قياس قولهما ترد وذكر الخصاف أنها لا ترد في ظاهر رواية أصحابنا . وفي nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري أنه المشهور من قولهما ; لأن ثبوت العيب بشهادتهن ضروري ، ومن ضرورة ثبوته توجه الخصومة دون الرد فيحلف البائع ، فإن نكل تأيدت شهادتهن بنكوله فيثبت الرد . وروى الحسن عن nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام ثبوت الرد بشهادتهن إلا في الحبل ; لأنه تعالى تولى علمه بنفسه . ا هـ ما في الذخيرة ملخصا ثم ذكر روايات أخر .
والحاصل أن شهادة الواحدة أو الثنتين يثبت بها العيب المذكور في حق توجه الخصومة لا في حق الرد سواء كان ذلك قبل القبض أو بعده في ظاهر الرواية في علمائنا الثلاثة هو المشهور فكان هو المذهب المعتمد وإن اقتصر [ ص: 32 ] في كثير من الكتب على خلافه ، وقدمنا ما يؤيد ذلك عن الفتح في آخر خيار الشرط ، ولا ينافي ذلك ما اتفق عليه أصحاب المتون في أول كتاب الشهادة من قبول شهادة الواحدة في البكارة والعيوب التي لا يطلع عليها إلا النساء ; لأن المراد به أن العيب يثبت بقولهن ليحلف البائع كما نص عليه في الهداية هناك ، وهذا معنى قولهم هنا يثبت في حق توجه الخصومة ، فاغتنم تحقيق هذا المحل فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب ، والحمد لله الملك الوهاب ( قوله قلت وبقي خامس إلخ ) هذا الفرع مذكور في الفتح و البحر والنهر ، لكنهم اقتصروا على عد الأنواع أربعة فلما رأى الشارح مخالفة حكمه لهذه الأربعة جعله نوعا خامسا فكان من زياداته الحسنة فافهم .
قلت : ومن هذا النوع ما لو ادعى ارتفاع حيض الجارية ، فقد صرحوا بأنه لا تقبل الشهادة عليه ; لأنه لا يعلم إلا منها وتتوجه الخصومة بقولها على ما اختاره في الفتح ، نعم على ما اختاره غيره من أنه لا بد من دعوى المشتري أنه عن داء فيرجع فيه إلى شهادة الأطباء أو عن حبل فيرجع إلى شهادة النساء لا يكون من هذا النوع بل من أحد النوعين قبله
. مطلب فيما يحلف المشتري أنه لم يفعل مسقطا لخيار العيب [ فروع ] لو أراد المشتري الرد ولم يدع البائع عليه مسقطا لم يحلف المشتري ، وعند الثاني يحلف وفي الخلاصة والبزازية أن القاضي لا يستخلف الخصم بلا طلب المدعي إلا في مسائل منها خيار العيب . وفي البدائع : لو أخبرت امرأة بالحبل وامرأتان بعدمه صحت الخصومة ولا يقبل قول النافية . وفي التهذيب : برهن البائع أنه حدث عند المشتري وبرهن المشتري أنه كان معيبا في يد البائع تقبل بينة المشتري بحر ملخصا ( قوله قبل القبض للكل ) ذكر الكل غير قيد ، فإن قبض البعض حكمه كحكم ما إذا لم يقبض الكل كما ذكره المصنف عقبه ، ولكن لما أفرد المصنف البعض بالذكر علم أن كلامه هنا في الكل فلذا صرح به الشارح ، نعم لو قال المصنف قبل القبض لو للبعض لاستغنى عن قوله بعده وإن قبض أحدهما ( قوله خير في الكل ) أي في القيمي وغيره بقرينة قوله وإن بعده خير في القيمي لا في غيره فالمراد أنه يخير في الباقي بعد الاستحقاق بين إمساكه ورده ، فليس المراد بالكل كل المبيع حتى يرد عليه أن البيع في البعض المستحق باطل فافهم ( قوله لتفرق الصفقة ) أي تفرقها على المشتري قبل تمامها ; لأنها قبل القبض لم تتم فلذا كان له الخيار ( قوله وإن بعده إلخ ) أي وإن كان استحقاق البعض بعد القبض خير في القيمي لا في غيره إذ لا يضره التبعيض ( قوله كما سيجيء ) لم أره في هذا الباب صريحا تأمل