باب البيع الفاسد المراد بالفاسد الممنوع مجازا عرفيا فيعم الباطل والمكروه ، وقد يذكر فيه بعض الصحيح تبعا ، [ ص: 50 ] وكل ما أورث خللا في ركن البيع فهو مبطل ، وما أورثه في غيره فمفسد
باب البيع الفاسد أخره عن الصحيح لكونه عقدا مخالفا للدين كما أوضحه في الفتح ، وسيأتي أنه معصية يجب رفعها ، وسيأتي في باب الربا أن كل عقد فاسد فهو ربا ، يعني إذا كان فساده بالشرط الفاسد . وفي القاموس : فسد كنصر وقعد وكرم فسادا وفسودا ضد صلح فهو فاسد فسيد ولم يسمع انفسد ا هـ . ونقل في الفتح أنه يقال للحم الذي لا ينتفع به لدود ونحوه بطل ، وإذا أنتن وهو بحيث ينتفع به فسد اللحم ، وفيه مناسبة للمعنى الشرعي ، وهو ما كان مشروعا بأصله لا بوصفه ، ومرادهم من مشروعية أصله كونه مالا متقوما لا جوازه وصحته ; لأن فساده يمنع صحته ، أو أطلقوا المشروعية عليه نظرا إلى أنه لو خلا عن الوصف لكان مشروعا . وأما الباطل ، ففي المصباح بطل الشيء يبطل بطلا وبطولا وبطلانا بضم الأوائل فسد أو سقط حكمه فهو باطل ، والجمع بواطل أو أباطيل ا هـ . وفيه مناسبة للمعنى الشرعي ، وهو ما لا يكون مشروعا لا بأصله ولا بوصفه . وأما المكروه ، فهو لغة خلاف المحبوب واصطلاحا ما نهي عنه لمجاور كالبيع عند أذان الجمعة . وعرفه في البناية بما كان مشروعا بأصله ووصفه لكن نهي عنه لمجاور ، ويمكن إدخاله تحت الفاسد أيضا على إرادة الأعم وهو ما نهي عنه فيشمل الثلاثة كما في البحر ( قوله المراد بالفاسد الممنوع إلخ ) قد علمت أن الفاسد مباين للباطل ; ; لأن ما كان مشروعا بأصله فقط يباين ما ليس بمشروع أصلا . وأيضا حكم الفاسد أنه يفيد الملك بالقبض والباطل لا يفيده أصلا ، وتباين الحكمين دليل تباينهما ، فإطلاق الفاسد في قولهم باب البيع الفاسد على ما يشمل الباطل لا يصح على حقيقته ، فإما أن يكون لفظ الفاسد مشتركا بين الأعم والأخص أو يجعل مجازا عرفيا في الأعم ; لأنه خير من الاشتراك ، وتمامه في الفتح .
مطلب في أنواع البيع ثم اعلم أن البيع جائز وقد مر بأقسامه . وغير جائز ، وهو ثلاثة : باطل وفاسد ، وموقوف كذا في الفتح وأراد بالجائز النافذ ، وبمقابله غيره لا الحرام ، إذ لو أريد ذلك لخرج الموقوف لما قالوه من أن بيع مال الغير بلا إذنه بدون تسليم ليس بمعصية ، [ ص: 50 ]
مطلب لبيع الموقوف من قسم الصحيح على أنه في المستصفى جعله من قسم الصحيح ، حيث قال : البيع نوعان : صحيح وفاسد . والصحيح نوعان لازم وغير لازم نهر . وذكر في البحر أن البيع المنهي عنه ثلاثة : باطل ، وفاسد ، ومكروه تحريما ، وقد مرت . وما لا نهي فيه ثلاثة أيضا : نافذ لازم ، ونافذ ليس بلازم ، وموقوف فالأول ما كان مشروعا بأصله ووصفه ولم يتعلق به حق الغير ولا خيار فيه . والثاني ما لم يتعلق به حق الغير وفيه خيار . والموقوف ما تعلق به حق الغير ، وحصره في الخلاصة في خمسة عشر . قلت : بل أوصله في النهر إلى نيف وثلاثين كما سيأتي في باب بيع الفضولي ثم قال في البحر : والصحيح يشمل الثلاثة ; لأنه ما كان مشروعا بأصله ووصفه والموقوف كذلك فهو قسم منه ، وهو الحق لصدق التعريف وحكمه عليه ، فإن حكمه إفادة الملك بلا توقف على القبض ، ولا يضر توقفه على الإجازة كتوقف ما فيه خيار على إسقاطه ا هـ .
قلت : ينبغي استثناء بيع المكره فإنه موقوف على إجازته مع أنه فاسد كما حققناه أول البيوع ، وحررنا هناك أيضا أن بيع الهزل فاسد لا باطل وإن كان لا يفيد الملك بالقبض لكونه أشبه البيع بالخيار ، وليس كل فاسد يملك بالقبض كما سيأتي ( قوله في ركن البيع ) هو الإيجاب والقبول ، بأن كان من مجنون أو صبي لا يعقل وكان عليه أن يزيد أو في محله أعني لمبيع ، فإن الخلل فيه مبطل بأن كان المبيع ميتة أو دما أو حرا أو خمرا كما في ط عن البدائع ( قوله وما أورثه في غيره ) أي في غير الركن وكذا في غير المحل ، وذلك بأن كان في الثمن بأن يكون خمرا مثلا أو بأن كان من جهة كونه غير مقدور التسليم أو فيه شرط مخالف لمقتضى العقد فيكون البيع بهذه الصفة فاسدا لا باطلا لسلامة ركنه ومحله عن الخلل كما في ط عن البدائع ، وبه ظهر أن الوصف ما كان خارجا عن الركن والمحل .
[ تنبيه ] في شرح مسكين : ثم الضابط في تمييز الفاسد من الباطل أن أحد العوضين إذا لم يكن مالا في دين سماوي فالبيع باطل سواء كان مبيعا أو ثمنا ، فبيع الميتة والدم والحر باطل ، وكذا البيع به ، وإن كان في بعض الأديان مالا دون البعض إن أمكن اعتباره ثمنا فالبيع فاسد فبيع العبد بالخمر أو الخمر بالعبد فاسد ، وإن تعين كونه مبيعا فالبيع باطل فبيع الخمر بالدراهم أو الدراهم بالخمر باطل ا هـ . قلت : وهذا الضابط يرجع إلى الفرق بينهما من حيث المحل فقط ، وما مر من حيث الركن والمحل فهو أعم فافهم .