( وصح ضمان الخراج ) أي الموظف في كل سنة وهو ما يجب عليه في الذمة بقرينة قوله ( والرهن به ) إذ الرهن بخراج المقاسمة باطل نهر على خلاف ما أطلقه في البحر ، وتجويز الزيلعي الرهن في كل ما تجوز به الكفالة بجامع التوثق منقوض بالدرك لجواز الكفالة به دون الرهن ( وكذا النوائب ) ولو بغير حق كجبايات زماننا فإنها في المطالبة كالديون بل فوقها ، حتى لو أخذت من الأكار فله الرجوع على مالك الأرض [ ص: 331 ] وعليه الفتوى صدر الشريعة وأقره المصنف وابن الكمال ، وقيده شمس الأئمة بما إذا أمره به طائعا ، فلو مكرها في الأمر لم يعتبر لما أمره بالرجوع ذكره الأكمل .
وقالوا : من قام بتوزيعها بالعدل أجر ، وعليه فلا يفسق حيث عدل وهو نادر .
قلت : وهذا يقع في ديارنا كثيرا ، وهو أن الصوباشي يمسك رجلا ويحبسه فيقول لآخر خلصني فيخلصه بمبلغ : فحينئذ يرجع بغير شرط الرجوع بل بمجرد الأمر فتدبر ، كذا بخط المصنف [ ص: 332 ] على هامشها فليحفظ ( والقسمة ) أي النصيب من النائبة ، وقيل هي النائبة الموظفة ، وقيل غير ذلك ، وأيا ما كان فالكفالة بها صحيحة صدر الشريعة .
( قوله : أي الموظف في كل سنة ) لأنه دين له مطالب من جهة العباد فصار كسائر الديون ، وتمامه في الزيلعي ، وهذا التعليل اعتمدوه جميعا فيدل على اختصاص الخراج المضمون بالموظف .
أما خراج المقاسمة فجزء من الخارج وهو عين غيره مضمون حتى لو هلك لا يؤخذ بشيء والكفالة بأعيان لا تجوز ط .
( قوله : على خلاف ما أطلقه في البحر ) فإنه قال وأطلقه فشمل الخراج الموظف وخراج المقاسمة وخصصه بعضهم بالموظف إلخ .
ووجه الاعتراض على البحر حيث حمل كلام الكنز على الإطلاق مع وجود القرينة المذكورة على التقييد بالموظف فكان الأولى التقييد فافهم ، وكذا التعليل المار يدل عليه ; ولذا قال في الفتح : وقد قيدت الكفالة بما إذا كان خراجا موظفا لا خراج مقاسمة فإنه غير واجب في الذمة .
( قوله : منقوض ) النقض لصاحب البحر .
( قوله : وكذا النوائب ) جمع نائبة وفي الصحاح النائبة المصيبة واحدة نوائب الدهر ا هـ ، وفي اصطلاحهم ما يأتي . قال في الفتح قيل أراد بها ما يكون بحق كأجرة الحراس وكري النهر المشترك والمال الموظف لتجهيز الجيش وفداء الأسرى إذا لم يكن في بيت المال شيء وغيرهما مما هو بحق
، فالكفالة به جائزة بالاتفاق ; لأنها واجبة على كل مسلم موسر بإيجاب طاعة ولي الأمر فيما فيه مصلحة المسلمين ولم يلزم بيت المال أو لزمه ولا شيء فيه وإن أريد بها ما ليس بحق كالجبايات الموظفة على الناس في زماننا ببلاد فارس على الخياط والصباغ وغيرهم للسلطان في كل يوم أو شهر فإنها ظلم .
فاختلف المشايخ في صحة الكفالة بها فقيل تصح إذ العبرة في صحة الكفالة وجود المطالبة إما بحق أو باطل ; ولهذا قلنا من تولى قسمتها بين المسلمين فعدل فهو مأجور وينبغي أن من قال الكفالة ضم في الدين يمنعها هنا ، ومن قال في المطالبة يمكن أن يقول بصحتها أو يمنعها بناء على أنها في المطالبة بالدين أو مطلقا ا هـ ، فإن قال بالدين منعها وإن قال مطلقا أي بالدين وغيره أجازها .
( قوله : حتى لو أخذت إلخ ) تأييد للقول بجواز الكفالة بها فإنها إذا أخذت من الأكار وجاز له الرجوع بها بلا كفالة فمع الكفالة بالأولى ، لكن في البزازية لا يرجع الأكار في ظاهر الرواية ، وقال الفقيه يرجع وإن أخذ من الجار لا يرجع وزاد في جامع الفصولين أن أحد الشريكين لو أدى الخراج يكون متبرعا نعم في آخر إجارات القنية برمز ظهير الدين المرغيناني وغيره المستأجر إذا أخذ منه الجباية الراتبة على الدور والحوانيت يرجع على الآجر ، وكذا الأكار في الأرض وعليه [ ص: 331 ] الفتوى ا هـ .
( قوله : وعليه الفتوى ) راجع لقوله ولو بغير حق وكذا المسألة الأكار كما علمت .
وفي البحر وظاهر كلامهم ترجيح الصحة : أي في كفالة النوائب بغير حق ; ولذا قال في إيضاح الإصلاح ، والفتوى على الصحة وفي الخانية : الصحيح الصحة ، ويرجع على المكفول عنه إن كان بأمره ا هـ ، وعليه مشى في الاختيار والمختار والملتقى نعم صحح صاحب الخانية في شرحه على الجامع الصغير عدم الصحة ، وكذلك أفتى في الخيرية بعدم الصحة مستندا لما في البزازية والخلاصة من أنه قول عامة المشايخ ، ولما في العمادية من أن الأسير لو قال لغيره خلصني فدفع المأمور مالا وخلصه .
قال السرخسي يرجع وقال صاحب المحيط لا وهو الأصح وعليه الفتوى قال : فهذا يدفع ما في الإصلاح وما في الخانية والعلة فيه أن الظلم يجب إعدامه ويحرم تقريره وفي القول بصحة تقريره ا هـ ملخصا .
قلت : غاية الأمر أنهما قولان مصححان ومشى على الصحة بعض المتون وهو ظاهر إطلاق الكنز وغيره لفظ النوائب فكان أرجح .
وأما مسألة الأسير فليس فيها كفالة ولا أمر الرجوع على أنه في الخانية صحح أنه يرجع على الأسير ، وبه جزم في شرح السير الكبير بلا حكاية خلاف كما قدمناه في متفرقات البيوع ، وأما قوله والعلة فيه إلخ فهو مدفوع بما رأيته في هامش نسختي المنح بخط بعض العلماء وأظنه السيد الحموي مما حاصله أن المراد من صحة الكفالة بالنوائب رجوع الكفيل على الأصيل لو كانت الكفالة بالأمر لا أنه يضمن لطالبها الظالم ; لأن الظلم يجب إعدامه ولا يجوز تقريره فلا تغتر بظاهر الكلام ا هـ ، وهو تنبيه حسن ; ولهذا لم يذكروا الرجوع على الكفيل بل اقتصروا على بيان الرجوع على الأصيل لو الكفالة بأمره ، وليس في هذا تقرير الظلم بل فيه تحقيقه ; لأنه لولا الكفالة يحبس الظالم المكفول ويضربه ويكلفه ببيع عقاره وسائر أملاكه بثمن بخس أو بالاستدانة بالمرابحة ونحو ذلك مما هو مشاهد ، ولعلهم لهذا أجازوا هذه الكفالة وإن لم يجيزوها بثمن خمر ونحوه ، والله سبحانه أعلم .
( قوله : وقيده شمس الأئمة ) لا مرجع في كلامه لهذا الضمير ، والمناسب قول النهر .
وفي الخانية : قضى نائبه غيره بأمره رجع عليه وإن لم يشترط الرجوع وهو الصحيح ، وقيده شمس الأئمة إلخ أي قيد قوله بأمره وهذا التقييد ظاهر إذ لا خفاء أن أمر المكره غير معتبر .
( قوله : لم يعتبر لما أمره بالرجوع ) الأصوب في الرجوع كما هو في البحر وغيره عن العناية للأكمل ، فالباء بمعنى في متعلقة بيعتبر لا بأمره ; لأنه ليس المراد أنه أمره بالرجوع عليه بل أمره بقضاء النائبة وإن لم يشترط الرجوع ، وحينئذ فالمعنى أنه إذا كان مكرها بالأمر بالقضاء لم يعتبر أمره في حق الرجوع لفساد الأمر بالإكراه فلا رجوع للمأمور عليه .
( قوله : بلا شرط ) أي بلا شرط الرجوع .
( قوله : على الصحيح ) مخالف لما قدمه في النفقات من أن الصحيح عدم الرجوع وبه يفتى [ ص: 332 ] ففيه اختلاف التصحيح كما ذكرناه آنفا .
( قوله : على هامشها ) أي هامش البزازية . وفي القاموس : الهامش حاشية الكتاب مولد .
[ تتمة ] من أصحابنا من قال الأفضل أن يساوي أهل محلته في إعطاء النائبة قال القاضي : هذا كان في زمانهم ; لأنه إعانة على الحاجة والجهاد ، أما في زماننا فأكثر النوائب تؤخذ ظلما ، ومن تمكن .
من دفع الظلم عن نفسه فهو خير له نهر ، وتمامه في الفتح .
ونقل في القنية أن الأولى الامتناع إن لم يحمل حصته على الباقين وإلا فالأولى عدمه .
ثم قال : وفيه إشكال ; لأن الإعطاء إعانة للظالم على ظلمه .
( قوله : أي النصيب من النائبة ) أي حصة الشخص منها إذا قسمها الإمام فتح .
( قوله : وقيل هي النائبة الموظفة ) والمراد بالنوائب ما هو منها غير راتب فتغايرا فتح .
( قوله : وقيل غير ذلك ) قال في النهر : وقيل هو أن يقسم ثم يمنع أحد الشريكين قسم صاحبه .
وقال الهندواني : هي أن يمتنع أحد الشريكين من القسمة فيضمنه إنسان ليقوم مقامه فيها .