ثم قال بعد ورقتين : وهذا في الحوالة المطلقة ظاهر ، وأما المقيدة ، ففي البحر أن مال الوقف في يد الناظر ينبغي أن يصح كالإحالة على المودع ، وإلا لا لأنها مطالبة انتهى .
ومقتضاه صحتها بحق الغنيمة ، وعندي فيه تردد .
مطلب في حوالة الغازي وحوالة المستحق من الوقف ( قوله : وبه عرف أن حوالة الغازي ) مصدر مضاف لفاعله أي إحالته غيره على الإمام .
وعبارة النهر وبه عرف أن الحوالة على الإمام من الغازي إلخ ، ولا يخفى أن ما ذكره غير ما نحن فيه إذ كلام المصنف في بيان المكفول به فذكر أنه المال لا العين ولا الحقوق ، فإذا استدان الغازي دينا من زيد ثم أحاله به على الإمام صحت الحوالة سواء قيدها بأن يعطيه الإمام من حقه من الغنيمة المحرزة أو لا ; لأن المحال عليه لا يشترط أن يكون عليه للمحيل دين أو عين من وديعة أو غيرها ، ولأن المحال به دين صحيح معلوم ، فالقول بعدم صحتها ليس له وجه صحة أصلا ، وهكذا يقال في المستحق إذا استدان ثم أحال الدائن على الناظر ، سواء قيد الحوالة بمعلومه الذي في يد الناظر أو لا ، فهي أيضا من الحوالة بالدين لا بالحقوق .
نعم لو أحال الإمام الغازي أو أحال الناظر المستحق على آخر كان مظنة أن يقال إنها من الحوالة بالحقوق ; لأن الغنيمة إذا أحرزت بدارنا يتأكد فيها حق الغانمين ولا تملك إلا بالقسمة ، ولا يقال : إن الوارث إذا مات بعد الإحراز قبل القسمة يورث نصيبه فيقتضي الملك قبل القسمة ; لأنا نقول : إن الحق المتأكد يورث كحق حبس الرهن والرد بالعيب ، بخلاف الضعيف كالشفعة ، وخيار الشرط كما قدمناه عن الفتح في باب المغنم وقسمته وكذا يقال في غلة الوقف فإن نصيب المستحق يورث عنه إذا مات قبل القسمة بعد ظهور غلة الوقف في وقف الذرية أو بعد عمل صاحب الوظيفة كما قدمناه هناك ، ومقتضى هذا أن لا تصح هذه الحوالة لأن كلا من الغازي والمستحق لم يثبت له دين في ذمة الإمام والناظر .
نعم تكون وكالة بالقبض من المحال عليه كما يأتي في قول المصنف وإن قال المحيل للمحتال وهذا يقع كثيرا ، فإن الناظر يحيل المستحق على مستأجر عقار الوقف .
وقد أفتى في الحامدية بأنه لو مات الناظر قبل أخذ المحتال ، فللناظر الثاني أخذه ، لكن ذكرنا في باب المغنم ، أن غلة الوقف بعد ظهورها يتأكد فيها حق المستحقين ، فتورث عنهم ، وأما بعد قبض الناظر لها فينبغي أن تصير ملكا لهم للشركة الخاصة ، بخلاف المغنم فإنه لا يملك إلا بعد القسمة ، حتى لو أعتق أحد الغانمين حصته من أمة لا تعتق للشركة العامة إلا إذا قسمت الغنيمة على الرايات فيصح للشركة الخاصة ، وعلى هذا فإذا صارت الغلة في يد الناظر صارت أمانة عنده ملكا للمستحقين لهم مطالبته بها ، ويحبس إذا امتنع من أدائها ، ويضمنها إذا [ ص: 344 ] استهلكها أو هلكت بعد الطلب ، فإذا أحال الناظر بعض المستحقين على آخر لا يصح ; لأنها حوالة بالعين لا بالدين إلا إذا كان الناظر استهلكها أو خلطها بماله فتصير دينا بذمته فتصح الحوالة ; لأنها حوالة بالدين لا بالعين ولا بالحقوق ، فقد ظهر أن هذه الحوالة لا تكون من الحوالة بالحقوق أصلا ، سواء كان الغازي أو الناظر محيلا أو محتالا ، وسواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة ، وأن ما ذكره الشارح عن النهر غير محرر ، فافهم وتدبر واغنم تحرير هذا المقام فإنه من فيض ذي الجلال والإكرام ( قوله : لا تصح ) قد علمت أنه لا وجه له ( قوله : وهذا في الحوالة المطلقة ظاهر ) لتصريحهم باختصاصها بالديون لابتنائها على النقل نهر .
قلت : وهذه حوالة بالدين وإن كانت مطلقة ، بل الصحة فيها أظهر من عدمها لأن الحوالة المطلقة على ما يأتي أن لا يقيد المحيل بدين له على المحال عليه ولا بعين له في يده فإذا أحال المستحق غريمه بدينه على الناظر حوالة مطلقة فلا شك في صحتها ( قوله : ينبغي أن تصح ) لما علمت من أن مال الوقف في يده أمانة ، ولكن إذا صحت لا تكون من الحوالة بالحقوق ; لأن المستحق إنما أحال دائنه بدين صحيح ، بل هي حوالة بالدين مقيدة بما عند المحال عليه وهو الناظر ( قوله : كالإحالة على المودع ) بجامع أن كلا منهما أمين ولا دين عليه ط ( قوله : لأنها مطالبة ) أي لأن الحوالة تثبت المطالبة ولا مطالبة على الناظر فيما لم يصل إليه من مال الوقف الذي قيدت الحوالة به ( قوله : انتهى ) أي كلام البحر ، وقوله : ومقتضاه إلخ من كلام النهر أيضا فافهم ( قوله : وعندي فيه تردد ) نقله الحموي وأقره ، ويؤيد الصحة ما ذكروه في المغنم أنه يورث عنه لتأكد ملكه فيه ، وقد وجد الجامع للقياس فيها وفي الوديعة ط .