( أخذ القضاء برشوة ) للسلطان أو لقومه وهو عالم بها أو بشفاعة جامع الفصولين وفتاوى ابن نجيم [ ص: 363 ] ( أو ارتشى ) هو أو أعوانه بعلمه شرنبلالية ( وحكم لا ينفذ حكمه ) ومنه ما لو جعل لموليه مبلغا في كل شهر يأخذه منه ويفوض إليه قضاء ناحية فتاوى المصنف لكن في الفتح ومن قلد بواسطة الشفعاء كمن قلد احتسابا ومثله في البزازية بزيادة وإن لم يحل الطلب بالشفعاء ( ولو ) كان ( عدلا ففسق بأخذها ) أو بغيره وخصها ; لأنها المعظم ( استحق العزل ) وجوبا [ ص: 364 ] وقيل ينعزل وعليه الفتوى ابن الكمال وابن ملك . وفي الخلاصة عن النوادر لو فسق أو ارتد أو عمي ثم صلح أو أبصر فهو على قضائه وأما إن قضى في فسقه ونحوه فباطل واعتمده في البحر وفي الفتح اتفقوا في الإمارة والسلطنة على عدم الانعزال بالفسق ; لأنها مبنية على القهر والغلبة لكن في أول دعوى الخانية الوالي كالقاضي فليحفظ ( وينبغي أن يكون موثوقا به في عفافه وعقله وصلاحه وفهمه وعلمه بالسنة والآثار ووجوه الفقه )
. ( قوله : أخذ القضاء برشوة ) بتثليث الراء قاموس وفي المصباح الرشوة بالكسر ما يعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد ، جمعها رشا مثل سدرة وسدر ، والضم لغة وجمعها رشا بالضم ا هـ وفيه البرطيل بكسر الباء الرشوة وفتح الباء عامي .
وفي الفتح : ثم الرشوة أربعة أقسام : منها ما هو حرام على الآخذ والمعطي وهو الرشوة على تقليد القضاء والإمارة .
الثاني : ارتشاء القاضي ليحكم وهو كذلك ولو القضاء بحق ; لأنه واجب عليه .
الثالث : أخذ المال ليسوي أمره عند السلطان دفعا للضرر أو جلبا للنفع وهو حرام على الآخذ فقط وحيلة حلها أن يستأجره يوما إلى الليل أو يومين فتصير منافعه مملوكة ثم يستعمله في الذهاب إلى السلطان للأمر الفلاني ، وفي الأقضية قسم الهدية وجعل هذا من أقسامها فقال : حلال من الجانبين كالإهداء للتودد وحرام منهما كالإهداء ليعينه على الظلم وحرام على الآخذ فقط ، وهو أن يهدى ليكف عنه الظلم والحيلة أن يستأجره إلخ قال : أي في الأقضية هذا إذا كان فيه شرط أما إذا كان بلا شرط لكن يعلم يقينا أنه إنما يهدي ليعينه عند السلطان فمشايخنا على أنه لا بأس به ، ولو قضى حاجته بلا شرط ولا طمع فأهدى إليه بعد ذلك فهو حلال لا بأس به وما نقل عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من كراهته فورع
الرابع : ما يدفع لدفع الخوف من المدفوع إليه على نفسه أو ماله حلال للدافع حرام على الآخذ ; لأن دفع الضرر عن المسلم واجب ولا يجوز أخذ المال ليفعل الواجب ، ا هـ ما في الفتح ملخصا . وفي القنية الرشوة يجب ردها ولا تملك وفيها دفع للقاضي أو لغيره سحتا لإصلاح المهم فأصلح ثم ندم يرد ما دفع إليه ا هـ ، وتمام الكلام عليها في البحر ويأتي الكلام على الهدية للقاضي والمفتي والعمال .
( قوله : للسلطان ) صفة لرشوة أي دفعها القاضي له وكذا لو دفعها [ ص: 363 ] غيره كما في البحر عن البزازية .
( قوله : أو ارتشى ) المناسب إسقاطه ; لأنه يغني عنه قوله ولو كان عدلا مع ما فيه من الإبهام كما تعرفه .
( قوله : لا ينفذ حكمه ) فيه إيهام التسوية بين المسألتين ، ومع أنه إذا أخذ القضاء بالرشوة لا يصير قاضيا ، كما في الكنز . قال في البحر ، وهو الصحيح ولو قضى لم ينفذ وبه يفتى ا هـ ، ومثله في الدرر عن العمادية وأما إذا ارتشى أي بعد صحة توليته سواء ارتشى ثم قضى أو قضى ثم ارتشى كما في الفتح . فحكى في العمادية فيه ثلاثة أقوال قيل : إن قضاءه نافذ فيما ارتشى فيه وفي غيره وقيل : لا ينفذ فيه وينفذ فيما سواه ، واختاره السرخسي وقيل لا ينفذ فيهما والأول اختاره البزدوي واستحسنه في الفتح ; لأن حاصل أمر الرشوة فيما إذا قضى بحق إيجاب فسقه ، وقد فرض أنه لا يوجب العزل فولايته قائمة وقضاؤه بحق فلم لا ينفذ وخصوص هذا الفسق غير مؤثر ، وغاية ما وجه أنه إذا ارتشى عامل لنفسه معنى والقضاء عمل لله تعالى ا هـ . قال في النهر تبعا للبحر : وأنت خبير بأن كون خصوص هذا الفسق غير مؤثر ممنوع ، وبل يؤثر بملاحظة كونه عملا لنفسه ، وبهذا يترجح وما اختاره السرخسي وفي الخانية أجمعوا أنه إذا ارتشى لا ينفذ قضاؤه فيما ارتشى فيه ا هـ .
قلت حكاية الإجماع منقوضة بما اختاره البزدوي ، واستحسنه في الفتح وينبغي اعتماده للضرورة في هذا الزمان وإلا بطلت جميع القضايا الواقعة الآن ; لأنه لا تخلو قضية عن أخذ القاضي الرشوة المسماة بالمحصول قبل الحكم أو بعده فيلزم تعطيل الأحكام ، وقد مر عن صاحب النهر في ترجيح أن الفاسق أهل للقضاء أنه لو اعتبر العدالة لانسد باب القضاء فكذا يقال هنا وانظر ما سنذكره في أول باب التحكيم وفي الحامدية عن جواهر الفتاوى قال شيخنا وإمامنا جمال الدين البزدوي أنا متحير في هذه المسألة لا أقدر أن أقول تنفيذ أحكامهم لما أرى من التخليط والجهل والجراءة فيهم ، ولا أقدر أن أقول لا تنفيذ ; لأن أهل زماننا كذلك فلو كذلك فلو أفتيت بالبطلان أدى إلى إبطال الأحكام جميعا يحكم الله بيننا وبين قضاة زماننا أفسدوا علينا ديننا ، وشريعة نبينا صلى الله عليه وسلم لم يبق منهم إلا الاسم والرسم ا هـ ، هذا في قضاة ذلك الزمان ، فما بالك في قضاة زماننا فإنهم زادوا على من قبلهم باعتقادهم حل ما يأخذونه من المحصول بزعمهم الفاسد أن السلطان يأذن لهم بذلك ، وسمعت من بعضهم أن المولى أبا السعود أفتى بذلك ، وأظن أن ذلك افتراء عليه وانظر ما سنذكره قبيل كتاب الشهادات ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
( قوله : ومنه إلخ ) أي من قسم أخذ القضاء بالرشوة وهذا يسمى الآن مقاطعة والتزاما بأن يكون على رجل قضاء ناحية فيدفع له آخر شيئا معلوما ما ليقضي فيها ويستقل بجميع ما يحصله ومن المحصول لنفسه وذكر في الخيرية في شأنهم نظما يصرح بكفرهم .
( قوله : لكن في الفتح إلخ ) استدراك على قوله أو شفاعة .
( قوله : أو بغيره ) كزنا أو شرب خمر .
( قوله : لأنها المعظم ) أي معظم ما يفسق به القاضي نهر .
( قوله : استحق العزل ) هذا ظاهر المذهب وعليه مشايخنا البخاريون والسمرقنديون ومعناه أنه يجب على السلطان عزله ذكره في الفصول ، وقيل : إذا ولى عدلا ثم فسق انعزل ; لأن عدالته مشروطة معنى ; لأن موليه اعتمدها فيزول بزوالها [ ص: 364 ] وفيه أنه لا يلزم من اعتبار ولايته لصلاحيته تقييدها به على وجه تزول بزواله فتح ملخصا .
( قوله : وقيل ينعزل وعليه الفتوى ) قال في البحر بعد نقله وهو غريب والمذهب خلافه .
( قوله : ثم صلح ) أي بالطاعة أو الإسلام ط .
( قوله : فهو على قضائه ) مخالف لما في البحر عن البزازية أربع خصال : إذا حلت بالقاضي يعزل فوات السمع أو البصر أو العقل أو الدين ا هـ لكن قال بعده ، وفي الواقعات الحسامية الفتوى على أنه لا ينعزل بالردة فإن المكفر لا ينافي ابتداء القضاء في إحدى الروايتين ، ثم قال وبه علمت أن ما مر على خلاف المفتى به وفي الولوالجية إذا ارتد أو فسق ثم صلح فهو على حاله ; لأن الارتداد فسق ، وبنفس الفسق لا ينعزل إلا أن ما قضى في حال الردة باطل ا هـ .
قلت : وظاهر ما في الولوالجية أن ما قضاه في حال الفسق نافذ وهو الموافق لما مر إلا أن يراد بالفسق في عبارة الخلاصة الفسق بالرشوة تأمل .
( قوله : واعتمده في البحر ) فيه أن الذي اعتمده في البحر هو قوله فصار الحاصل : أنه إذا فسق لا ينعزل وتنفذ قضاياه إلا في مسألة هي ما إذا فسق بالرشوة فإنه لا ينفذ في الحادثة التي أخذ بسببها قال وذكر الطرسوسي أن من قال باستحقاقه العزل قال بصحة أحكامه ومن قال بعزله قال ببطلانها ا هـ .
( قوله : لكن في أول دعوى الخانية إلخ ) حيث قال كما في البحر : والوالي إذا فسق فهو بمنزلة القاضي يستحق العزل ولا ينعزل ا هـ وأنت خبير بأن هذا لا يخالف ما في الفتح فافهم . مطلب السلطان يصير سلطانا بأمرين
نعم نقل في البحر عن الخانية أيضا من الردة أن السلطان يصير سلطانا بأمرين : بالمبايعة معه من الأشراف والأعيان وبأن ينفذ حكمه على رعيته خوفا من قهره ، فإن بويع ولم ينفذ فيهم حكمه لعجزه عن قهرهم لا يصير سلطانا فإذا صار سلطانا بالمبايعة فجاز إن كان له قهر وغلبة لا ينعزل ; لأنه لو انعزل يصير سلطانا بالقهر والغلبة فلا يفيد وإن لم يكن له قهر وغلبة ينعزل ا هـ ، فكان المناسب الاستدراك بهذه العبارة الثانية ليفيد حمل ما في الفتح على ما إذا كان له قهر وغلبة .
( قوله : وينبغي أن يكون إلخ ) ويكون شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف ; لأن القضاء من أهم أمور المسلمين فكل من كان أعرف وأقدر وأوجه وأهيب ، وأصبر على ما يصيبه من الناس كان أولى وينبغي للسلطان أن يتفحص في ذلك ويولي من هو أولى لقوله عليه الصلاة والسلام { من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين } بحر ومثله في الزيلعي فقوله : وينبغي بمعنى يطلب أي المطلوب منه أن تكون صفته هكذا وقوله : كان أولى أي أحق وهذا لا يدل على أن ذلك مستحب ، فإن الحديث يدل على إثم السلطان بتوليته غير الأولى فافهم . مطلب في تفسير الصلاح والصالح
. ( قوله : موثوقا به ) أي مؤتمنا من وثقت به أثق بكسرهما ثقة ووثوقا ائتمنته والعفاف والكف عن المحارم وخوارم المروءة ، والمراد بالوثوق بعقله كونه كاملة ، فلا يولي الأخف وهو ناقص العقل والصلاح خلاف الفساد وفسر الخصاف الصالح بمن كان مستورا غير مهتوك ، ولا صاحب ريبة مستقيم الطريقة سليم الناحية كامن الأذى قليل [ ص: 365 ] السوء ، ليس بمعاقر للنبيذ ولا ينادم عليه الرجال وليس بقذاف للمحصنات ، ولا معروفا بالكذب فهذا عندنا من أهل الصلاح ا هـ والمراد بعلم السنة ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وتقريرا عند أمر يعانيه وبوجوه الفقه طرقه بحر ملخصا والأثر كما قال السخاوي لغة : البقية ، واصطلاحا : الأحاديث مرفوعة أو موقوفة على المعتمد وإن قصره بعض الفقهاء على الثاني