صفحة جزء
( وينفذ القضاء بشهادة الزور ظاهرا وباطنا ) حيث كان المحل قابلا والقاضي غير عالم بزورهم ( في العقود ) كبيع ونكاح ( والفسوخ ) كإقالة وطلاق [ ص: 406 ] لقول علي رضي الله عنه لتلك المرأة شاهداك زوجاك وقالا وزفر والثلاثة ظاهرا فقط وعليه الفتوى شرنبلالية عن البرهان ( بخلاف الأملاك المرسلة ) أي المطلقة عن ذكر سبب الملك فظاهرا فقط إجماعا لتزاحم الأسباب حتى لو ذكرا سببا معينا فعلى الخلاف إن كان سببا يمكن إنشاؤه وإلا لا ينفذ اتفاقا كالإرث ، وكما لو كانت المرأة محرمة بنحو عدة أو ردة وكما لو علم القاضي بكذب الشهود حيث لا ينفذ أصلا [ ص: 407 ] كالقضاء باليمين الكاذبة زيلعي ونكاح الفتح .


مطلب في القضاء بشهادة الزور

. ( قوله : وينفذ القضاء بشهادة الزور ) قيد بها ; لأنه لو ظهر الشهود عبيدا أو كفارا أو محدودين في قذف لم ينفذ إجماعا ; لأنها ليست بحجة أصلا بخلاف الفساق على ما عرف ، ولإمكان الوقوف عليهم فلم تكن شهادتهم حجة بحر ثم قال : وفي القنية ادعى عليه جارية أنه اشتراها بكذا فأنكر فحلف فنكل فقضى عليه بالنكول ، تحل الجارية للمدعي ديانة وقضاء كما في شهادة الزور ا هـ ، فعلى هذا القضاء بالنكول كالقضاء بشهادة الزور ا هـ .

( قوله : ظاهرا وباطنا ) المراد بالنفاذ ظاهرا أن يسلم القاضي المرأة إلى الرجل ، ويقول سلمي نفسك إليه فإنه زوجك ويقضي بالنفقة والقسم وبالنفاذ باطنا أن يحل له وطؤها ويحل لها التمكين فيما بينهما وبين الله تعالى ط .

( قوله : حيث كان المحل قابلا إلخ ) شرطان للنفاذ ، ويأتي في كلام الشارح محترزهما .

( قوله : في العقود ) أطلقها فشمل عقود التبرعات ، قالوا : وفي الهبة والصدقة روايتان ، وكذا في البيع بأقل من قيمته في رواية لا ينفذ باطنا ; لأن القاضي لا يملك إنشاء التبرعات في ملك الغير ، والبيع بأقل تبرع من وجه بحر .

( قوله : كبيع ونكاح ) فلو قضى ببيع أمة بشهادة زور حل للمنكر وطؤها ، وكذا لو ادعى على امرأة نكاحها وهي جاحدة أو بالعكس ، وقضى بالنكاح كذلك حل للمدعي الوطء ولها التمكين عنده بحر .

( قوله : والفسوخ ) أراد بها ما يرفع حكم العقد فيشمل الطلاق ومن فروعها : ادعت أنه طلقها ثلاثا وهو ينكر وأقامت بينة زور فقضى بالفرقة فتزوجت بآخر بعد العدة حل [ ص: 406 ] له وطؤها عند الله تعالى وإن علم بحقيقة الحال ، وحل لأحد الشاهدين أن يتزوجها ويطأها ولا يحل للأول وطؤها ولا يحل لها تمكينه بحر .

( قوله : لقول علي إلخ ) قال محمد رحمه الله تعالى في الأصل : بلغنا عن علي كرم الله وجهه أن رجلا أقام عنده بينة على امرأة أنه تزوجها فأنكرت فقضى له بالمرأة فقالت إنه يتزوجني فأما إذا قضيت علي فجدد نكاحي فقال : لا أجدد نكاحك الشاهدان زوجاك قال : وبهذا نأخذ فلو لم ينعقد النكاح بينهما باطنا بالقضاء لما امتنع من تجديد العقد عند طلبها ورغبة الزوج فيها وقد كان في ذلك تحصينها من الزنا وصيانة مائه ا هـ من رسالة العلامة قاسم المؤلفة في هذه المسألة ، وقوله : وبهذا نأخذ دليلا لما حكاه الطحاوي من أن قول محمد كقول أبي حنيفة .

( قوله : ظاهرا فقط ) أي ينفذ ظاهرا لا باطنا ; لأن شهادة الزور حجة ظاهرا لا باطنا فينفذ القضاء كذلك ; لأن القضاء ينفذ بقدر الحجة درر .

( قوله : وعليه الفتوى ) نقله أيضا في القهستاني عن الحقائق ، وفي البحر عن أبي الليث لكن قال : وفي الفتح من النكاح ، وقول أبي حنيفة هو الوجه ا هـ .

قلت : وقد حقق العلامة قاسم في رسالته قول الإمام بما لا مزيد عليه ثم أورد عليه إشكالا ، وأجاب عنه وعليه المتون .

( قوله : بخلاف الأملاك المرسلة ) وهي التي لم يذكر لها سبب معين فإنهم أجمعوا أنه ينفذ فيها ظاهرا لا باطنا ; لأن الملك لا بد له من سبب ، وليس بعض الأسباب بأولى من البعض لتزاحمها فلا يمكن إثبات السبب سابقا على القضاء بطريق الاقتضاء ، وفي النكاح والشراء يتقدم النكاح والشراء تصحيحا للقضاء ، درر قال في البحر : ولو حذف الأملاك لكان أولى ليشمل ما إذا شهدوا بزور بدين لم يبينوا سببه فإنه لا ينفذ ، وفي حكم المرسلة الإرث كما يأتي ، وظاهر اقتصاره عليها أنه لا ينفذ باطنا في النسب إجماعا كما في المحيط عن بعض المشايخ ، ونص الخصاف على أنه ينفذ عند أبي حنيفة ففيه روايتان عنه ، والشهادة بعتق الأمة كالشهادة بطلاق المرأة ، وينبغي أن تكون بالوقف كالعتق ولم أر نقلا في الشهادة بأن الوقف ملك أو بتزوير شرائط الوقف أو أن الواقف أخرج فلانا وأدخل فلانا زورا إذا اتصل به القضاء ، وظاهر الهداية أن ما عدا الأملاك المرسلة ينفذ باطنا وإذا قلنا بأن الوقف من قبيل الإسقاط فهو كالطلاق والعتاق ا هـ ملخصا .

( قوله : فظاهرا فقط إجماعا ) فلا يحل للمقضي له الوطء والأكل واللبس وحل للمقضي عليه لكن يفعل ذلك سرا وإلا فسقه الناس بحر .

( قوله : إن كان سببا يمكن إنشاؤه ) كالبيع والنكاح والإجارة .

( قوله : كالإرث ) فإنه وإن كان ملكا بسبب لكنه لا يمكن إنشاؤه فلا ينفذ القضاء بالشهود زورا فيه باطنا اتفاقا بحر . قال : وسيأتي الاختلاف في باب اختلاف الشاهدين في أنه مطلق أو بسبب والمشهود الأول واختار في الكنز الثاني .

( قوله : وكما لو كانت المرأة محرمة إلخ ) هذا محترز قوله : حيث كان المحل قابلا ا هـ ح فإذا ادعى أنها زوجته ، وأثبت ذلك بشهادة الزور ، وهو يعلم أنها محرمة عليه بكونها منكوحة الغير أو معتدته أو بكونها مرتدة ، فإنه لا ينفذ باطنا اتفاقا ; لأنه وإن كان الملك بسبب لكن لا يمكن إنشاؤه ، وأما ظاهرا فلا شك في نفاذه كسائر الأحكام بشهادة الزور في غير العقود والفسوخ ، وليس المراد بنفاذه ظاهرا حل الوطء له وحل تمكينها منه بل أمر القاضي لها به ، أما الحل فهو فرع نفاذه باطنا وبما قررناه ظهر أنه كالإرث فافهم .

( قوله : وكما لو علم القاضي إلخ ) محترز قوله والقاضي غير عالم بزورهم ، والظاهر أنه هنا لا ينفذ ظاهرا كما [ ص: 407 ] لا ينفذ باطنا لعدم شرط القضاء ، وهو الشهادة الصادقة في زعم القاضي تأمل .

( قوله : كالقضاء باليمين الكاذبة ) محترز قول المتن : بشهادة قالوا لو ادعت أن زوجها أبانها بثلاث فأنكر فحلفه القاضي فحلف ، والمرأة تعلم أن الأمر كما قالت لا يسعها المقام معه ، ولا أن تأخذ من ميراثه شيئا وهذا لا يشكل إذا كان ثلاثا لبطلان المحيلة للإنشاء قبل زوج آخر وفيما دون الثلاث مشكل ; لأنه يقبل الإنشاء وأجيب بأنه إنما يثبت إذ قضى القاضي بالنكاح وهنا لم يقض به لاعترافهما به ، وإنما ادعت الفرقة زيلعي ، وفي الخلاصة ولا يحل وطؤها إجماعا بحر .

قلت : والظاهر أن عدم النفاذ هنا في الباطن فقط تأمل .

مطلب مهم المقضي له أو عليه يتبع رأي القاضي وإن خالف رأيه [ تنبيه ]

أشار المصنف إلى أن قضاء القاضي يحل ما كان حراما في معتقد المقضي له ولذا قال في الولوالجية : ولو قال لها أنت طالق ألبتة فخاصمها إلى قاض يراها رجعية بعد الدخول ، فقضى بكونها رجعية والزوج يرى أنها بائنة أو ثلاث ، فإنه يتبع رأي القاضي عند محمد ، فيحل له المقام معها وقيل إنه قول أبي حنيفة ، وعلى قول أبي يوسف لا يحل وإن رفع إلى قاض آخر لا ينقضه ، وإن كان خلاف رأيه ، وهذا إذا قضى له فإن قضى عليه بالبينونة أو الثلاث والزوج لا يراه ، يتبع رأي القاضي إجماعا ، وهذا كله إذا كان الزوج له رأي واجتهاد فلو عاميا اتبع رأي القاضي سواء قضى له أو عليه هذا إذا قضى أما إذا أفتى له فهو على الاختلاف السابق ; لأن قول المفتي في حق الجاهل بمنزلة رأيه واجتهاده ا هـ بحر .

قلت : وقوله : فلو عاميا المراد به غير المجتهد بدليل المقابلة فيشمل العالم والجاهل تأمل قال في الفتح : والوجه عندي قول محمد ; لأن اتصال القضاء بالاجتهاد الكائن للقاضي يرجحه على اجتهاد الزوج ، والأخذ بالراجح متعين وكونه لا يراه حلالا إنما يمنع من القربان قبل القضاء أما بعده وبعد نفاذه باطنا فلا ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية