( ولا يقضي على غائب ولا له ) أي لا يصح بل ولا ينفذ على المفتى به بحر ( إلا بحضور نائبه ) أي من يقوم مقام الغائب ( حقيقة كوكيله [ ص: 410 ] ووصيه ومتولي الوقف ) أفاد بالاستثناء أن القاضي إنما يحكم على الغائب والميت لا على الوكيل والوصي فيكتب في السجل أنه حكم على الميت وعلى الغائب بحضرة وكيله وبحضرة وصيه ، جامع الفصولين ، وأفاد بالكاف عدم الحصر فإن أحد الورثة كذلك ينتصب خصما عن الباقين ، وكذا أحد شريكي الدين وأجنبي بيده مال اليتيم وبعض الموقوف عليهم أي لو الوقف ثابتا كما مر في بابه ( أو ) نائبه ( شرعا كوصي ) نصبه ( القاضي ) [ ص: 411 ] خرج المسخر كما سيجيء ( أو حكما بأن يكون ما يدعي على الغائب سببا ) لا محالة ، فلو شرى أمة ثم ادعى أن مولاها زوجها من فلان الغائب وأراد ردها بعيب الزواج لم يقبل لاحتمال أنه طلقها وزال العيب ، ابن كمال ( لما يدعي على الحاضر ) مثاله ( كما إذا ) ادعى دارا في يد رجل ( وبرهن ) المدعي ( على ذي اليد أنه المشتري ) الدار ( من فلان الغائب فحكم ) الحاكم ( على ) ذي اليد ( الحاضر كان ) ذلك ( حكما على الغائب ) أيضا حتى لو حضر وأنكر لم يعتبر ; لأن الشراء من المالك سبب الملكية لا محالة وله صور كثيرة ذكر منها في المجتبى تسعا وعشرين .
( قوله : ولا يقضي على غائب ) أي بالبينة ، سواء كان غائبا وقت الشهادة أو بعدها ، وبعد التزكية ، وسواء كان غائبا عن المجلس أو عن البلد ، وأما إذا أقر عند القاضي ، فيقضي عليه وهو غائب ; لأن له أن يطعن في البينة ، دون الإقرار ; ولأن القضاء بالإقرار قضاء إعانة : وإذا أنفذ القاضي إقراره سلم إلى المدعي حقه عينا كان أو دينا أو عقارا ، إلا أنه في الدين يسلم إليه جنس حقه إذا وجد في يد من يكون مقرا بأنه مال الغائب المقر ، ولا يبيع في ذلك العرض والعقار ; لأن البيع قضاء على الغائب فلا يجوز ، بحر عن شرح الزيادات للعتابي . لكن في الخامس من جامع الفصولين عن الخانية غاب المدعى عليه بعدما برهن عليه أو غاب الوكيل بعد قبول البينة قبل التعديل أو مات الوكيل ثم عدلت تلك البينة لا يحكم بها وقال أبو يوسف : ويحكم وهذا أرفق بالناس ولو برهن على الموكل فغاب ثم حضر وكيله أو على الوكيل ثم حضر موكله يقضي بتلك البينة ، وكذا يقضي على الوارث ببينة قامت على مورثه .
( قوله : بل ولا ينفذ ) هذه العبارة غير محررة ; لأن نفي الصحة يستلزم نفي النفاذ ، وأيضا فالحكم صحيح وإنما الخلاف في نفاذه بدون تنفيذ قاض آخر كما أفاده ح . ولذا فسر في البحر كلام الكنز بعدم الصحة ثم قال : والأولى أن يفسر بعدم النفاذ لقوله إذا نفذه قاض آخر يراه فإنه ينفذ ثم ذكر اختلاف التصحيح وسيأتي في كلام الشارح .
( قوله : كوكيله ) [ ص: 410 ] أطلقه فشمل ما إذا كان وكيلا في الخصومة والدعوى أو وكيلا للقضاء كما إذا أقيمت البينة عليه فوكل ليقضى عليه ثم غاب كما في القنية بحر .
( قوله : ووصيه ) أي وصي الميت فإن الميت غائب ووصيه قائم مقامه حقيقة ، ويجوز عود الضمير إلى الصغير المعلوم من المقام فإنه في حكم الغائب وشمل وصي الوصي ولو قال كوليه لكان أولى ليشمل الأب والجد .
( قوله : إنما يحكم على الغائب والميت ) ترك الوقف ويظهر لي أنه يحكم على الواقف فيما يتعلق به وعلى الوقف فيما يتعلق به سائحاني .
( قوله : ينتصب خصما عن الباقين ) أي فيما للميت وعليه ، لكن إذا كان في عين فلا بد من كونها في يده فلو ادعى عينا من التركة على وارث ليست في يده لم تسمع ، وفي دعوى الدين ينتصب أحدهم خصما ، وإن لم يكن في يده شيء بحر . وفيه من متفرقات القضاء أنه ينتصب أحدهم عن الباقي بشروط ثلاثة : كون العين كلها في يده ، وأن لا تكون مقسومة ، وأن يصدق الغائب أنها إرث عن الميت ا هـ وقدمنا تمام الكلام على ذلك في كتاب الوقف ، وأفاد الخير الرملي في حاشيته على جامع الفصولين أن اشتراطهم كون العين في يد المدعى عليه يشمل ما لو كان المدعي بعض الورثة على بعض فتسمع الدعوى بشراء الدار من المورث ، وهي واقعة الفتوى ا هـ .
( قوله : وكذا أحد شريكي الدين ) أي هو خصم عن الآخر في الإرث وفاقا ، وكذا في غيره عندهما لا عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقوله : قياس وقولهما استحسان . ثم على قولهما الغائب لو صدق الحاضر إن شاء شاركه فيما قبض أو اتبع المطلوب بنصيبه ، جامع الفصولين . ومقتضاه أن الدين للمدعي وشريكه ، وأما الدعوى بدين لواحد على اثنين ، فذكر قبله ما حاصله : أنه يقضي به عليهما عنده في رواية وفي رواية وهي قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف : يقضي بنصفه على الحاضر ، ثم قال : يحتمل أن يكون اختلاف الروايات فيه بناء على اختلاف الروايات في جواز الحكم على الغائب .
( قوله : وأجنبي ) أي من ليس وارثا ولا وصيا ، وقوله بيده مال اليتيم . الذي في البحر : مال الميت وصورتها ما في جامع الفصولين وهب في مرض موته جميع ماله أو أوصى به فمات ثم ادعى رجل دينا على الميت قيل تسمع بينته على من بيده المال ، وقيل : يجعل القاضي خصما عنه أي عن الميت ويسمع عليه بينته فظهر أن فيه اختلاف المشايخ .
( قوله : أي لو الوقف ثابتا ) أما إذا لم يكن ثابتا وأراد إثبات أنه وقف فلا ، وقدمنا في الوقف تقرير هذه المسألة بأتم وجه وذكرنا هناك مسائل أخر ينتصب فيها البعض خصما [ ص: 411 ] عن غيره .
( قوله : خرج المسخر ) هو من ينصبه القاضي لسماع الدعوى على الغائب .
( قوله : كما سيجيء ) أي قريبا أي مماثلا لما يأتي من تقييده بغير الضرورة .
( قوله : أو حكما ) أي بأن يكون قيامه عنه حكما لأمر لازم فتح .
( قوله : سببا لا محالة ) أي لا تحول له عن السببية فاحترز بكونه سببا عما يكون شرطا ، وسيذكره المصنف وبقوله لا محالة عما يكون سببا في حال دون حال وعما لا يكون سببا إلا بالبقاء إلى وقت الدعوى ، فما يكون سببا في حال دون حال يقبل في حق الحاضر دون الغائب ، وبيانه في مسألتين الوكيل بنقل العبد إلى مولاه أو بنقل المرأة إلى زوجها فإذا برهن العبد أنه حرره أو المرأة أنه طلقها ثلاثا يقبل في حق قصر يد الحاضر لا في ثبوت العتق أو الطلاق ، فإن المدعى هنا على الغائب ، وهو العتق أو الطلاق ليس سببا لا محالة لما يدعى على الحاضر ، وهو قصر يده بانعزاله عن الوكالة ; لأنه قد يتحقق العتق والطلاق بدون انعزال وكيل بأن لا يكون هناك وكالة أصلا وقد يتحقق موجبا لانعزال بأن كان بعد الوكالة فليس انعزال الوكيل حكما أصليا للطلاق والعتاق ، فمن حيث إنه ليس سببا لحق الحاضر في الجملة لا يكون الحاضر خصما عن الغائب ، ومن حيث إنه قد يكون سببا قبلنا البينة في حق الحاضر بقصر يده وانعزاله ، وأما ما لا يكون سببا إلا بالبقاء إلى وقت الدعوى ، فلا يقبل مطلقا ، وبيانه في مسائل منها ما لو برهن المشتري فاسدا على البيع من غائب حين أراد البائع فسخ البيع للفساد لا يقبل في حق الحاضر في الفسخ ولا في حق الغائب في البيع ; لأن نفس البيع ليس سببا لبطلان حق الفسخ لجواز أنه باع من الغائب ، ثم فسخ البيع بينهما ، وإن شهدوا ببقاء وقت الدعوى لا يقبل ; لأنه إذا لم يكن خصما في إثبات نفس البيع لم يكن خصما في إثبات البقاء ; لأن البقاء تبع للابتداء وتمامه في الفتح وغيره .
( قوله : فلو شرى أمة ) تفريع على قوله لا محالة فكان الأولى ذكره عند قول المصنف : ولو كان ما يدعى على الغائب شرطا بأن يقول بخلاف ما لو شرى أمة إلخ ، وبخلاف ما لو كان ما يدعى على الغائب شرطا إلخ ليكون ذكر محترز القيود في كل واحد .
( قوله : لم يقبل ) أي برهانه لا في حق الحاضر ولا في حق الغائب ; لأن المدعى شيئان الرد بالعيب على الحاضر والنكاح على الغائب ، والثاني ليس سببا للأول إلا باعتبار البقاء ، لجواز أن يكون تزوجها ثم طلقها وإن برهن على البقاء أي أنها امرأته للحال لا يقبل أيضا ; لأن البقاء تبع الابتداء فتح .
( قوله : مثاله ) لا حاجة إليه لإغناء الكاف عنه ا هـ ح .
( قوله : من فلان الغائب ) زاد في الفتح وهو يملكها أي لأن مجرد الشراء لا يثبت الملك للمشتري لاحتمال كونها لغير البائع وهو فضولي .
( قوله : لأن الشراء من الملك ) هذا هو المدعى على الغائب .
( قوله : سبب الملكية ) أي والملكية هنا هي المدعى على الحاضرة مطلب المسائل التي يكون القضاء فيها على الحاضر قضاء على الغائب .