البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله وستر الوجه والرأس ) أي واجتنب تغطيتهما لحديث الأعرابي الذي وقصته ناقته { لا تخمروا رأسه ولا وجهه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا } واعلم أن أئمتنا استدلوا بهذا الحديث على حرمة تغطية الوجه على المحرم الحي المفهوم من التعليل ولم يعملوا بمنطوقه في حق الميت المحرم فإن حكمه عندنا كسائر الأموات في تغطية الوجه والرأس والشافعية عملوا به فيما إذا مات المحرم ولم يعملوا به في حالة الحياة ، وأجاب في غاية البيان عن أئمتنا بأنهم إنما لم يعملوا به في الموت ; لأنه معارض بحديث { إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث } والإحرام عمل فهو منقطع فيغطى العضوان ، ولهذا لا يبني المأمور بالحج على إحرام الميت اتفاقا ، وهو يدل على انقطاعه بالموت والأعرابي مخصوص من ذلك بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم ببقاء إحرامه وهو في غيره مفقود فقلنا بانقطاعه بالموت ، ولأن المرأة لا تغطي وجهها إجماعا مع أنها عورة مستورة وفي كشفه فتنة فلأن لا يغطي الرجل وجهه للإحرام أولى ، والمراد بستر الرأس تغطيتها بما يغطى به عادة كالثوب احترازا عن شيء لا يغطى به عادة كالعدل والطبق والإجانة ولا فرق بين ستر الكل والبعض والعصابة ، ولهذا ذكر قاضي خان في فتاويه أنه لا يغطي فاه ولا ذقنه ولا عارضه ولا بأس بأن يضع يديه على أنفه .


( قوله وهو في غيره مفقود ) أي بقاء الإحرام مفقود في غير الأعرابي المخصوص بتلك الخصوصية لعدم ما يدل على ذلك فقلنا بانقطاعه بالموت على الأصل وفي بعض النسخ وهو غير مفقود ، وهو تحريف [ ص: 350 ] ( قوله ومما لا يكره له أيضا إلخ ) تكميل لمباحات الإحرام وهي كثيرة ذكر منها في اللباب نزع الضرس والظفر المكسور والفصد والحجامة بإزالة شعر وقلع الشعر النابت في العين والتوشيح بالقميص والارتداد به والاتزار به وبالسراويل والتحرم بالعمامة أي الاتزار بها من غير عقدها وغرز طرف ردائه في إزاره ، وإلقاء القباء والعباء والفروة عليه بلا إدخال منكبيه ووضع خده على وسادة ووضع يده أو يد غيره على رأسه أو أنفه وتغطية اللحية ما دون الذقن وأذنيه وقفاه ويديه أي بمنديل ونحوه بخلاف لبس القفازين وسائر بدنه سوى الرأس والوجه وحمل إجانة أو عدل أو جوالق على رأسه بخلاف حمل الثياب ، وأكل ما اصطاده حلال ، وأكل طعام فيه طيب إن مسته النار أو تغير ، والسمن والزيت والشيرج وكل دهن لا طيب فيه والشحم ودهن جرح أو شقاق وقطع شجر الحل وحشيشه رطبا ويابسا وإنشاد الشعر أي المباح والتزوج والتزويج ولو قبل سعي الحج وذبح الإبل والبقر والغنم والدجاج والبط الأهلي وقتل الهوام والجلوس في دكان عطار لا لاشتمام رائحة ا هـ .

أي لا لقصد أن يشم رائحة ، وزاد في الكبير وضرب خادمه أي إذا استحق { لضرب الصديق رضي الله عنه عبده الذي أضل الناقة التي كان عليها زاملته بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يمنعه } ، ويؤخذ منه ما اشتهر أن من تمام الحج ضرب الجمال على إضافة المصدر إلى مفعوله وإن حمله بعضهم على أنه من إضافته إلى فاعله فيفيد كمال تحمله في سبيله ا هـ .

من شرح اللباب لمنلا علي القاري ، وذكر في كتابه المؤلف في الأحاديث المشتهرة على الألسن أن الثاني أظهر ، وذكر الشيخ إسماعيل الجراحي عن المقاصد الحسنة للسنجاري أنه من كلام الأعمش ، وأن ابن حزم حمله على الفسقة من الجمالين يعني إن ساغ له ذلك بنفسه ، وإلا أعلم الأمير أو نحوه وعلى كل حال فهو من نوادر الأعمش ، وقال صاحب الفروع من الحنابلة وليس من تمام الحج ضرب الجمال خلافا للأعمش ثم حكى حمل ابن حزم السابق ا هـ . ما في المقاصد ا هـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية