( قوله : ويمضي ويقضي ، ولم يفترقا فيه ) أي ويجب المضي في أفعال الحج بعد إفساده كما يمضي فيه ، وهو صحيح ويلزمه قضاؤه من قابل ، سواء كانت حجة الإسلام أو لا ; لأنه قد أدى الأفعال مع وصف الفساد ، والمستحق عليه أداؤها بوصف الصحة ، وفي فتاوى قاضي خان ويجتنب في الفاسدة ما يجتنب في الجائزة ، وقد ظن بعض أهل عصرنا أن الحج إذا فسد لا يفسد الإحرام ولهذا قالوا : إن الإحرام [ ص: 18 ] باق فيقضي فيه ، وليس كما ظن بل فسد الإحرام كالحج ، وقد صرحوا بفساده في مواضع عديدة في هذا الفصل ، ومعنى بقائه عدم الخروج عنه بغير الأفعال ، ومعنى الافتراق الذي ليس بواجب أن يأخذ كل واحد منهما في طريق غير طريق صاحبه ، وإنما لم يجب ; لأن الجامع بينهما ، وهو النكاح قائم فلا معنى للافتراق قبل الإحرام لإباحة الوقوع ، ولا بعده ; لأنهما يتذاكران ما لحقهما من المشقة الشديدة بسبب لذة صغيرة فيزدادان ندما وتحرزا لكنه مستحب إذا خاف الوقاع كما في المحيط وغيره .
( قوله : ويلزمه قضاؤه من قابل ) قال في النهر قد سألني بعض الطلبة بالجامع الأزهر عما إذا فسد القضاء أيضا أيجب أن يقضيه أيضا فقلت لم أر المسألة ، وقياس كونه إنما شرع فيه مسقطا لا ملزما أن المراد بالقضاء معناه اللغوي ، والمراد الإعادة كما هو الظاهر . ا هـ .
وحاصله أنه لا يلزمه إلا حجة واحدة عن التي أفسدها أولا ، ولا يلزمه حجة ثانية عن التي أفسدها ثانيا ، وكلامه من جهة الحكم ظاهر ، وقد نقله الشيخ إسماعيل عن المبتغى فقال : ولفظ المبتغى لو فاته الحج ثم حج من قابل يريد قضاء تلك الحجة فأفسد حجه لم يكن عليه إلا قضاء حجة واحدة كما لو أفسد قضاء صوم رمضان . ا هـ .
وأما قوله : إن المراد بالقضاء إلخ ففيه غموض ; لأنه إن أراد أن المراد بالقضاء الإحكام والإتقان فغير مناسب هنا ، وإن أراد به الأداء كما يقال قضيت الدين أي أديته فقوله والمراد الإعادة يخالفه إلا أن يكون الواو بمعنى أو لكن فيه أن الإعادة فعل مثل الواجب في وقته لخلل غير الفساد ، وعدم صحة الشروع ، ولا يتأتى هنا نعم يتأتى على التعريف المشهور لها عند الشافعية بأنها فعل الشيء ثانيا في وقت الأداء لخلل في فعله أولا فالصواب حذف قوله والمراد الإعادة والاقتصار على بيان أن المراد بالقضاء الأداء كما يدل عليه قول الكمال في التحرير أن تسمية الحج الصحيح بعد الحج الفاسد قضاء مجاز قال : الحلبي في شرحه ; لأنه في وقته ، وهو العمر فهو أداء على قول مشايخنا . ا هـ .
وحيث كان أداء عندنا سقط السؤال أصلا ; لأن الحج الأول لغو فإن أداه صحيحا خرج عن العهدة ، وإلا فلا فيجب أداؤه ثانيا وثالثا ، وهكذا إلى أن يأتي به صحيحا فما يفعله بعد الفاسد ليس حجا غير الفرض بل هو الفرض إن كان صحيحا ، وما قبله لا يلزمه قضاؤه أصلا إذ لو صلى الظهر مثلا في وقتها ، وأفسدها ثم أداها ثانيا خرج عن العهدة ، ولا يتوهم أحد لزوم صلاة أخرى قضاء عن التي شرع فيها ، وأفسدها ، وكذا ما قدمناه عن المبتغى من جعله نظير ما لو أفسد قضاء صوم رمضان أي فإنه لا يلزمه إلا قضاء يوم واحد .
( قوله : وقد ظن إلخ ) ذكر في شرح اللباب ما يقوي هذا الظن حيث قال : وفي شرح النقاية للشمس السمرقندي عند قوله أفسد حجه أي نقصه نقصانا فاحشا ، ولم يبطله كما في المضمرات قال المصنف يعني صاحب اللباب فأفاد أن المراد من الفساد النقص الفاحش لا البطلان ، وهو قيد حسن يزيل بعض الإشكالات قلت من جملتها المضي في الأفعال لكن في عدم الإبطال أيضا نوع من الإشكال ، وهو القضاء إلا أنه يمكن دفعه بأنه [ ص: 18 ] يؤدى على وجه الكمال . ا هـ . .