البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : وأربعون بنحو حمامة ) أي ينزح أربعون دلوا وسطا بموت نحو حمامة وقد تقدم دليله قريبا وقد ذكر المصنف في هذين النوعين القدر الواجب ولم يذكر المستحب ولم يتعرض له الشارح الزيلعي أيضا ، والمذكور في غيرهما أن المستحب في نحو الفأرة عشرة وفي نحو الدجاجة اختلف كلام محمد في الأصل والجامع الصغير ففي الأصل ما يفيد أن المستحب عشرون وفي الجامع الصغير عشرة قال في الهداية : ، وهو الأظهر وعلل له في غاية البيان بأن الجامع الصغير صنف بعد الأصل فأفاد أن الظهور من جهة الرواية لا من جهة الدراية ، وقد يقال من جهة الدراية إن الذي يضعف بسبب كبر الحيوان إنما هو الواجب لا المستحب .

واعلم أن القدر المستحب المذكور لم يصرح به في ظاهر الرواية ، وإنما فهمه بعض المشايخ من عبارة محمد رحمه الله حيث قال ينزح في الفأرة عشرون أو ثلاثون وفي الهرة أربعون أو خمسون فلم يرد به التخيير بل أراد به بيان الواجب والمستحب ، وليس هذا الفهم بلازم بل يحتمل أنه إنما قال ذلك لاختلاف الحيوانات في الصغر والكبر ، ففي الصغير ينزح الأقل وفي الكبير ينزح الأكثر وقد اختار هذا بعضهم كما نقله في البدائع ولعل هذا هو سبب ترك التعرض للمستحب في الكتاب ثم هذا إذا كان الواقع واحدا فأما إذا تعدد فالفأرتان إذا لم يكونا كهيئة الدجاجة كفأرة واحدة إجماعا وكذا إذا كان كهيئة الدجاجة إلا فيما روي عن محمد أنه ينزح منها أربعون والهرتان كالشاة إجماعا وجعل أبو يوسف الثلاث والأربع كفأرة واحدة والخمسة كالهرة إلى التسع والعشرة كالكلب

وقال محمد الثلاث كالهرة والست كالكلب ولم يوجد التصحيح في كثير من الكتب لكن في المبسوط أن ظاهر الرواية أن الثلاث كالهرة فيفيد أن الست كالكلب وبه يترجح قول محمد وما كان بين الفأرة والهرة فحكمه حكم الفأرة وما كان بين الهرة والكلب فحكمه حكم الهرة وهكذا يكون حكم الأصغر والهرة مع الفأرة كالهرة ويدخل الأقل في الأكثر كذا في التجنيس وغيره وظاهره يخالف قول من قال إن الفأرة إذا كانت هاربة من الهرة فوقعت في البئر وماتت ينزح جميع الماء ; لأنها تبول غالبا على هذا القول يجب نزح الجميع في الهرة مع الفأرة ; لأنها تبول خوفا وقد جزم به جماعة لكن قال في المجتبى بخلافه وعليه الفتوى ا هـ .

ولعل وجهه أن في ثبوت كونها بالت شكا فلا يثبت بالشك .


[ ص: 125 ] ( قوله : ولعل هذا إلخ ) قال في النهر : هذا الاحتمال ساقط لما مر من أن مسائل الآبار بنيت على الآثار والوارد فيما استدل به محمد رحمه الله إنما هو إيجاب العشرين في نحو الفأرة والأربعين في نحو الحمامة مطلقا ، ولو صح هذا الاحتمال لبطل ذلك الاستدلال ; ولهذا تعين حمل كلام محمد على ما فهمه المشايخ ( قوله : وبه يترجح قول محمد ) أقول : وكذلك جزم به في متن المواهب فقال : وألحق أي محمد الثلاث منها إلى الخمس بالهرة والست بالكلب لا الخمس إلى التسع بها والعشر به ا هـ .

أي ما ألحق الخمس إلى التسع بالهرة والعشر بالكلب كما قاله أبو يوسف ( قوله : وظاهره يخالف قول من قال إلخ ) قال في النهر : أقول : لا يلزم من كونها معها أن تكون هاربة منها والتقييد بموتها غير واقع لما مر ثم رأيت في السراج قال لو أن هرة أخذت فأرة فوقعتا جميعا في البئر إن أخرجتا حيتين لم ينزح شيء أو ميتتين نزح أربعون أو الفأرة ميتة فقط فعشرون ، وإن مجروحة أو بالتي نزح جميع الماء . ا هـ .

وهو حسن موافق لما في المجتبى وبقي من الأقسام موت الهرة فقط ، ولا شك في وجوب نزح الأربعين ( قوله : ولعل وجهه إلخ ) قال في الشرنبلالية وفي الفيض [ ص: 126 ] وبول الفأرة لو وقع في البئر ; ولأن أصحهما عدم التنجيس ا هـ .

فلعل ما في المجتبى مبني على هذا تأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية