( قوله : والظاهر أنه لا فرق إلخ ) أقول : ذكر هذه المسألة الحافظ ابن قيم الجوزية الحنبلي في كتاب الروح وذكر فيها خلافا عندهم ، وقال : هذه المسألة غير منصوصة عن nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد والمتقدمين من أصحابه ، وإنما اشترط ذلك المتأخرون nindex.php?page=showalam&ids=14953كالقاضي ، وأتباعه فقيل إن نواه حال فعله أو قبله وصل إليه ، وإلا فلا ; لأنه لو لم ينوه ، وقع الثواب للعامل فلا يقبل انتقاله عنه إلى غيره ولهذا لو أدى دينا عن نفسه [ ص: 64 ] ثم أراد بعد الأداء أن يجعله عن غيره لم يكن له ذلك ، وكذا لو حج أو صام أو صلى لنفسه ويؤيد هذا أن الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لم يسألوه عن ثواب إهداء العمل بعده بل عما يفعلونه عن الميت كما قال nindex.php?page=showalam&ids=37سعد أينفعها إن تصدقت عنها ، ولم يقل أن أهدي لها ثواب ما تصدقت به عن نفسي ، وكذا قول المرأة الأخرى أفأحج عنها ، وقول الرجل الآخر أفأحج عن أبي ، ولا يعرف عن أحد من الصحابة أنه قال : اللهم اجعل ثواب ما عملته لنفسي أو ثواب عملي المتقدم لفلان فهذا سر الاشتراط ، وهو أفقه ، ومن لم يشترط ذلك يقول الثواب للعامل فإذا تبرع به ، وأهداه إلى غيره كان بمنزلة ما يهديه إليه من ماله ، وعلى الأول لا يصح إهداء الثواب الواجب على العامل .
وأما على الثاني فقيل يجوز ويجزئ فاعله ، وقد نقل عن جماعة أنهم جعلوا ثواب أعمالهم من فرض ونفل للمسلمين ، وقالوا نلقى الله تعالى بالفقر والإفلاس المجرد ، والشريعة لا تمنع من ذلك . ا هـ . ملخصا .
( قوله : ولم أر حكم من أخذ شيئا من الدنيا ليجعل شيئا من عبادته للمعطى إلخ ) إن كان المراد من العبادة نحو القراءة والذكر فالمعطى يكون أجرة والمفتى به مذهب المتأخرين من جواز الاستئجار على الطاعات وبنى عليه العلائي جواز الوصية للقراءة على القبر ، وإن كان المراد بها الخضوع والتذلل فعدم الصحة ظاهر قال : في حاشية مسكين قال الإمام اللامشي العبادة عبارة عن الخضوع والتذلل وحدها فعل لا يراد به إلا تعظيم الله تعالى بأمره بخلاف القربة والطاعة فإن القربة ما يتقرب به إلى الله تعالى ويراد بها تعظيم الله تعالى مع إرادة ما وضع له الفعل كبناء الرباطات والمساجد ونحوها فإنها قربة يراد بها وجه الله تعالى مع إرادة الإحسان بالناس وحصول المنفعة لهم .
والظاهر أن المراد الأول ، وأن الإجارة غير صحيحة ; لأن المنصوص على جوازه تعليم القرآن كما يأتي في المتن زاد في التنوير تبعا لصدر الشريعة وغيره تعليم الفقه والإمامة والأذان فهذه المفتى به جواز الإجارة عليها في زماننا ، وعللوه بحاجة الناس إليه وظهور التواني في الأمور الدينية وبأن المعلمين كانت لهم عطيات من بيت المال وزيادة رغبة في إقامة الحسبة وأمور الدين كما بسطه تلميذ المؤلف في منحه ، وأصل المذهب بطلانها للنهي عن ذلك ; ولأن القربة متى وقعت كانت للعامل فلا يجوز له أن يأخذ الأجر على عمل ، وقع له كما في الصوم والصلاة وتمامه في المنح فقد ظهر من هذا أن إجازة ما ذكر لمكان الضرورة ، وأن ما مر عن العلائي غير ظاهر بل جواز الوصية مبني على المفتى به من عدم كراهة القراءة على القبور ، ومع هذا لا بد من تعيين القارئ ليكون المدفوع إليه على وجه الصلة دون الأجرة ، وإلا فهي باطلة كما في وصايا منتخب الظهيرية .
وقد شمل كلام المؤلف بطلان ما اشتهر في زماننا من الوصية بدراهم معلومة لبعض مشايخ الطرق والحفظة ليعملوا للميت تهليلة أو يختموا له ختمات من القرآن فإنه من الإجارة على الطاعة ، وليس مما فيه ضرورة نعم إن كان الموصى له معينا قد يقال بالجواز بناء على ما مر عن منتخب الظهيرية وانظر ما يأتي لنا نقله في كتاب الوقف عن الرملي ( قوله : وظاهر إطلاقهم يقتضي أنه لا فرق إلخ ) لم يرتضه المقدسي في الرمز حيث قال : وأما جعل ثواب فرضه لغيره فمحتاج إلى نقل . ا هـ .
قلت : رأيت في شرح تحفة الملوك قيده بالنافلة حيث قال : يصح أن يجعل الإنسان ثواب عبادته النافلة لغيره صوما أو صلاة أو قراءة القرآن أو صدقة أو الأذكار أو غيرها من أنواع البر . ا هـ .
لكن سيأتي آخر الباب في مسألة من أهل بحج عن أبويه فعين صح أي جعل الثواب له وسنذكر هناك أن الحج يقع عن الفاعل فيسقط به فرضه ، وهو صريح في المراد .