( قوله : فتطلق واحدة رجعية في اعتدي واستبري رحمك وأنت واحدة ) لأن الأولى تحتمل الاعتداد من النكاح ومن نعم الله تعالى فتعين الأول بالنية ويقتضي طلاقا سابقا وهو يعقب الرجعة إن كان بعد الدخول وأما قبله فهو مجاز عن كوني طالقا من إطلاق الحكم وإرادة العلة ولا يجعل مجازا عن طلقي لأنه لا يقع به طلاق ولا عن أنت طالق أو طلقتك لأنهم يشترطون التوافق في الصيغة كذا في التلويح وما في الشرح من أنه من إطلاق المسبب وإرادة السبب فممنوع لأنه يرد عليه أن شرطه اختصاص المسبب بالسبب ، والعدة لا تختص بالطلاق لثبوتها في أم الولد إذا أعتقت وما أجيب به من أن ثبوتها فيما ذكر لوجود سبب ثبوتها في الطلاق وهو الاستبراء إلا بالأصالة فغير دافع سؤال عدم الاختصاص كذا في فتح القدير ، وفي التلويح ، والاعتداد شرعا بطريق الأصالة مختص بالطلاق لا يوجد في غيره إلا بطريق التبع ، والشبه كالموت وحدوث حرمة المصاهرة وارتداد الزوج وغيرها ، وقد يقال : إن اعتدي من باب الإضمار أي طلقتك فاعتدي أو اعتدي لأني طلقتك ففي المدخول يثبت الطلاق وتجب العدة ، وفي غيرها يثبت الطلاق عملا بنيته ولا تجب العدة ا هـ .
[ ص: 323 ] وهو يفيد أنه من باب الاقتضاء في غير المدخولة أيضا ، وإن كان أمرها فيها بالعدة ليس بموجب شيئا فلا حاجة إلى تكلف المجاز ، والمراد بالمسبب هنا وجوب عد الإقراء المستفاد من الأمر وما في النوادر من أن وقوع الرجعي بها استحسان { لحديث سودة يعني أنه عليه السلام قال لها اعتدي ثم راجعها } ، والقياس أن يقع البائن كسائر الكنايات بعيد بل ثبوت الرجعي قياس واستحسان لأن علة البينونة في غير الثلاثة منتفية فيها فلا يتجه القياس أصلا كذا في فتح القدير ، وقد سلك المحقق في فتح القدير طريقا غير طريقهم في تقرير أن اعتدي من باب الاقتضاء فقال إن اعتدي يقتضي فرقة بعد الدخول وهي أعم من رجعي وبائن لكن لا يوجب ذلك تعيين البائن بل تعيين الأخف لعدم الدلالة على الزائد ا هـ .
وهو مسلك حسن لكن يلزم عليه أنه لو نوى البائن في قوله اعتدي صحت نيته وعلى ما قرره المشايخ من الطلاق لم تصح نيته وأما استبري رحمك فلأنه تصريح بما هو المقصود من العدة وهو تعرف براءة الرحم فيحتمل استبريه لأني طلقتك أو لأطلقك إذا علمت خلوه عن الولد وعلى الأول يقع وعلى الثاني لا فلا بد من النية ويجب كونه مجازا عن كوني طالقا في المدخولة إذا كانت آيسة أو صغيرة ، وفي غير المدخولة مطلقا وأما أنت واحدة فيحتمل أن يكون نعتا لمصدر محذوف معناه تطليقة واحدة فإذا نواه مع هذا الوصف فكأنه قاله .
والطلاق يعقبه الرجعة ويحتمل غيره نحو أنت واحدة عندي أو في قومك مدحا وذما فقد ظهر أن الطلاق في هذه الألفاظ الثلاثة مقتضى ، ولو كان مظهرا لا يقع به إلا واحدة فإذا كان مضمرا وإنه أضعف منه أولى وأشار المصنف بقوله واحدة رجعية إلى أنه لو نوى البينونة الكبرى أو الصغرى لا تعتبر نيته وهو ظاهر في الأوليين وأما في أنت واحدة فالمصدر ، وإن كان مذكورا بذكر صفته لكن التنصيص على الواحدة يمنع إرادة الثلاث لأنها صفة للمصدر المحدود بالهاء فلا يتجاوز الواحدة وأطلق في واحدة فأفاد أنه لا معتبر بإعرابها وهو قول العامة وهو الصحيح لأن العوام لا يميزون بين وجوه الإعراب ، والخواص لا تلتزمه في كلامهم عرفا بل تلك صناعتهم ، والعرف لغتهم وقد ذكرنا في شرحنا على المنار أنهم لم يعتبروه هنا واعتبروه في الإقرار فيما لو قال له درهم غير دانق رفعا ونصبا فيحتاجون إلى الفرق ولما كانت العلة في وقوع الرجعي بهذه الألفاظ الثلاثة وجود الطلاق مقتضى أو مضمرا علم أن لا حصر في كلامه بل كل كناية كان فيها ذكر الطلاق كانت داخلة في كلامه ويقع بها الرجعي بالأولى كقوله أنا بريء من طلاقك الطلاق عليك عليك الطلاق لك الطلاق وهبتك طلاقك إذا قالت اشتريت من غير بدل قد شاء الله طلاقك قضى الله طلاقك شئت طلاقك تركت طلاقك خليت سبيل طلاقك أنت مطلقة بتسكين الطاء أنت أطلق من امرأة فلان وهي مطلقة أنت طال بحذف الآخر خذي طلاقك أقرضتك طلاقك أعرتك طلاقك ويصير الأمر بيدها على ما في المحيط لست لي بامرأة وما أنا لك بزوج لست لك بزوج وما أنت لي بامرأة بخلاف ما لو قال : أنا بريء من نكاحك فإنه لا يقع قاله ابن سلام ، وفي الخلاصة اختلف في برئت من طلاقك إذا نوى .
، والأصح أنه يقع ، والأوجه عندي أن يقع بائنا كما في فتح القدير ، وفي المعراج ، والأصل الذي عليه الفتوى في الطلاق بالفارسية أنه إن كان فيه لفظ لا يستعمل إلا في الطلاق فذلك اللفظ صريح يقع بلا نية إذا أضيف إلى المرأة مثل زن رها كردم في عرف أهل خراسان ، والعراق بهيم لأن الصريح لا يختلف باختلاف اللغات وما كان بالفارسية يستعمل في الطلاق وغيره فهو من كنايات الفارسية فحكمه حكم كنايات العربية في جميع الأحكام ا هـ .
[ ص: 323 ] ( قوله : وهو يفيد أنه من باب الاقتضاء ) قال في النهر فيه نظر كيف ، وقد جعله مقابلا له فتدبر .
( قوله : فلا يتجاوز الواحدة ) أي فلا تعتبر نية البينونة الكبرى ولم يصرح بعدم اعتبار الصغرى مع أن الكلام مسوق لبيانه أيضا للعلم به من كون الوقوع بالمصدر وهو تطليقة ( قوله : وهو قول العامة ، وهو الصحيح ) احتراز عما قال بعضهم إن رفع الواحدة لا يقع شيء ، وإن نوى ، وإن نصبها وقعت واحدة ، وإن لم ينو لأنها حينئذ نعت للمصدر أي أنت طالق تطليقة واحدة فقد أوقع بالصريح ، وإن سكن احتيج إلى النية كذا في الفتح ( قوله : فيحتاجون إلى الفرق ) قال في النهر وكأنه عملا بالاحتياط في البابين ( قوله : بل كل كناية كان فيها ذكر الطلاق . . . إلخ ) فيه قصور عما يذكره أيضا من قوله لست لي بامرأة . . . إلخ فإنه لا ذكر للطلاق فيه تأمل .