( قوله ولو طلق ذا حمل أو ولد ، وقال لم أطأها راجع ) يعني لو طلق امرأته ، وهي حامل أو بعد ما ولدت في عصمته ، وقال لم أجامعها فله الرجعة لأنها مبنية على الدخول ، وقد ثبت حكما لثبوت النسب لأنه يثبت بظهور الحمل بأن ولدت لأقل من ستة أشهر فلم يلتفت إلى قوله لم أطأها لأنه صار مكذبا شرعا ، ومن صار مكذبا شرعا بطل زعمه ما لم يتعلق بإقراره حق الغير فلا يرد ما أورده في الكافي بأن من أقر بعبد لآخر ثم اشتراه ثم استحق من يده ثم وصل إليه فإنه يؤمر بالتسليم إلى المقر له ، وإن صار مكذبا شرعا لكونه تعلق بإقراره حق الغير بخلاف مسألة الرجعة ثم اعلم أن من فروع الأصل المذكور ما إذا اختلف البائع ، والمشتري في ثمن العقار فقال المشتري اشتريته بألف ، وقال البائع بعته بألفين ، وأقام البينة فإن الشفيع يأخذها بألفين لأن القاضي كذب المشتري في إقراره ، ومن فروعه أيضا أن المشتري إذا أقر بالملك للبائع ثم استحق المبيع من يده بالبينة فإن له الرجوع عليه بالثمن لكونه صار مكذبا في إقراره حين قضى القاضي به للمستحق ، والفرعان في الخلاصة ، ومنه ما في التلخيص لو ادعى عليه كفالة معينة فأنكرها فبرهن المدعي ، وقضي على الكفيل فإن له الرجوع على المديون إذا كانت بأمره عندنا لكونه صار مكذبا في إنكارها حين قضى القاضي بها عليه ، وقيد في الخلاصة الأصل المذكور في كتاب القضاء من الفصل الثالث منه بأن يكون القضاء بالبينة أما إذا قضى القاضي باستصحاب الحال فإنه لا يصير مكذبا كما لو اشترى عبدا ، وأقر أن البائع أعتقه قبل البيع [ ص: 59 ] وكذبه البائع فقضى القاضي بالثمن على المشتري لم يبطل إقرار المشتري بالعتق حتى يعتق عليه .
وكذا المديون إذا ادعى الإيفاء أو الإبراء على صاحب الدين ، وجحد الدائن ، وحلف ، وقضى القاضي له بالدين على الغريم لا يصير الغريم مكذبا حتى لو وجدت بينة الإيفاء أو الإبراء تقبل ا هـ .
فكان دلالة على الوطء ، ودلالة الشرع أقوى من صريح العبد لاحتمال الكذب من العبد دون الشارع فعلم بما قررناه أن الحمل يثبت قبل الوضع ، ويثبت النسب به قبله لما صرحوا به في باب خيار العيب أن حمل الجارية المبيعة يثبت بظهوره قبل الوضع بشهادة امرأة حتى كان للمشتري ردها بعيب الحبل قبل الوضع ، وفي باب ثبوت النسب أنه يثبت بالحبل الظاهر فاندفع ما اعترض به صدر الشريعة على المشايخ بأن قولهم له الرجعة تساهل لأن وجود الحمل وقت الطلاق إنما يعرف إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق فإذا ولدت انقضت العدة فلا يملك الرجعة فيكون المراد أنه راجع قبل وضع الحمل فولدت لأقل من ستة أشهر يحكم بصحة الرجعة السابقة ، ولا يراد أنه يحل له الرجعة قبل ، وضع الحمل لأنه لما أنكر الوطء ، والشرع لا يحكم بوجود الحمل وقت الطلاق بل إنما يحكم به إذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت الطلاق فلم يوجد تكذيب الشرع قبل ، وضع الحمل فالصواب أن يقال ومن طلق حاملا منكرا ، وطأها فراجعها فجاءت بولد لأقل من ستة أشهر صحت الرجعة ، وأما مسألة الولادة فصورتها أنه طلق امرأته التي ولدت قبل الطلاق منكرا وطأها فله الرجعة . ا هـ .
وقد يكون الولادة قبل الطلاق لأنها لو ولدت بعده تنقضي به العدة فتستحيل الرجعة .
[ ص: 59 ] ( قوله فاندفع ما اعترض به صدر الشريعة إلخ ) رده المقدسي في شرحه فإنه قال بعدما نقل كلام الصدر وهذا تحقيق بالقبول حقيق ، وقول من رده بأن الحمل يثبت قبل الوضع ، ويثبت النسب به قبله مردود أما ما استدل به في باب العيب فرواية ضعيفة عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أنه يرد بشهادة المرأة بالعيب ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف روايتان أظهرهما أنه إنما يقبل قولهما للخصومة لا للرد .
وأما في باب ثبوت النسب من قولهم الحمل الظاهر فإنما يثبت النسب بالفراش ، والولادة بقول المرأة ، والخلاف هنا معروف أن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة رحمه الله يقول إذا جحد الزوج ولادة المعتدة لا يثبت إلا بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين إلا أن يكون الحمل ظاهرا فيثبت معه بشهادة المرأة ، وهي القابلة فليس في هذا أن الحبل يثبت ، وإنما ظهوره يؤيد شهادة المرأة ، وأما ثبوته فمتوقف على الولادة كما نص عليه في المبسوط فيما لو قال إن حبلت فطالق فقال لو وطئها مرة فالأفضل أن لا يقربها ثم قال إن أتت بولد بعد قوله المذكور لأكثر من سنتين يقع الطلاق ، وتنقضي العدة بالولد فلم يثبته إلا بالولادة على الوجه المخصوص ، وظهوره لا يسمى ثبوتا ، ولا يترتب عليه ما يتوقف على الثبوت ا هـ .