فإن قلت إذا شرط عليها وقت العقد أن النفقة تموين من غير تقدير والكسوة كسوة الشتاء والصيف فهل لها بعد ذلك طلب التقدير فيهما ؟ قلت لم أره صريحا والقواعد تقتضي أن لها ذلك ; لأن هذا الشرط ليس بلازم إذ هو شرط فيما لم يكن واجبا [ ص: 192 ] بعد ولهذا قالوا الإبراء عن النفقة لا يصح إلا إذا وجبت بالقضاء أو الرضا ومضت مدة فحينئذ يصح الإبراء ، كذا في البدائع وفي البزازية أنت بريء من نفقتي ما دمت امرأتك فإن لم يفرض القاضي النفقة فالإبراء باطل وإن فرض لها القاضي النفقة كل شهر عشرة دراهم صح الإبراء من نفقة الشهر الأول دون ما سواها ا هـ .
وهذا يدل على أن التقدير في مثل هذا يقع على الشهر الأول دون ما عداه فإن قلت إذا حكم مالكي في أصل العقد وفي شروطه وكتب وحكم بموجبه كما يفعل الآن ، ثم بعد ذلك شكت المرأة وطلبت التقرير عند قاض حنفي فهل له تقريرها قلت لم أره صريحا أيضا وما نقلوه في كتاب القضاء كما في فصول العمادي والبزازية من أن الحكم لا يرفع الخلاف إلا إذا كان بعد دعوى صحيحة في حادثة من خصم على خصم وما نقل الكل من أن شرط صحة الحكم تقدم الدعوى والحادثة يقتضي أن للحنفي ذلك ، وقد كثر وقوعها في زماننا خصوصا أن النفقة تتجدد في كل يوم وما يتجدد لم يقع فيه حكم ، وفي القنية قول القاضي استديني عليه كل شهر كذا فرض منه كحبس المدعى عليه قضاء به .
وأشار المصنف بوجوب النفقة عليه إلى أنه إذا لم يعط الزوج لها نفقة ولا كسوة فلها أن تنفق من طعامه وتتخذ ثوبا من كرباسه بغير إذنه كما في الذخيرة والقنية ومن النفقة التي على الزوج الحطب والصابون والأشنان والدهن للاستصباح وغيره وثمن ماء الاغتسال ; لأنه مؤنة الجماع وفي كتاب رزين جعله عليها وفصل في ماء الطهر من الحيض بين أن يكون حيضها عشرة أيام فعليها أو أقل فعليه ، وأجرة القابلة على من استأجرها من الزوجة والزوج فإن جاءت بغير استئجار فلقائل أن يقول عليه ; لأنه مؤنة الجماع ولقائل أن يقول عليها كأجرة الطبيب ، وأما ثمن ماء الوضوء فعليها فإن كانت غنية تستأجر من ينقله ولا تنقله بنفسها وإن كانت فقيرة فإما أن ينقله الزوج لها أو يدعها تنقله بنفسها ، كذا في الخلاصة وبه علم أن أجرة الحمام عليه ; لأنه ثمن ماء الاغتسال لكن له منعها من الحمام حيث لم تكن نفساء كما سيأتي بيانه وسوى في الظهيرية بين ثمن ماء الاغتسال وماء الوضوء في الوجوب عليه وهو الظاهر وفي الواقعات ماء وضوئها عليه غنية كانت أو فقيرة ; لأنها لا بد لها منه فصار كالشرب ا هـ .
فظهر ضعف ما في الخلاصة وفي الذخيرة لو طلبت المرأة من القاضي فرض النفقة وكان للزوج عليها دين فقال احسبوا لها نفقتها منه كان له ذلك ; لأن الدينين من جنس واحد فتقع المقاصة كما في سائر الديون إلا أن في سائر الديون تقع المقاصة تقاصا أو لم يتقاصا وهنا يحتاج إلى رضا الزوج لوقوع المقاصة ; لأن دين النفقة أنقص من سائر الديون لسقوطه بالموت بخلاف سائر الديون فكان دين الزوج أقوى فيشترط رضاه بالمقاصة كما لو كان أحد الدينين جيدا والآخر رديئا ا هـ .
( قوله : فإن قلت إذا شرط عليها إلخ ) قال في النهر واعلم أنه لو شرط في العقد أن النفقة تموين كان الشرط غير لازم ، ولو حكم بموجب العقد حاكم يرى ذلك عرف ذلك من مارس كتبهم بقي أنه لو حكم الحنفي بفرضها دراهم واستوفى ما لا بد منه هل للشافعي أن يحكم بالتموين بعد ذلك قال الشيخ قاسم في موجبات الأحكام بعد ما ذكر صورة سجل النفقة قلت هذا دليل لما أقول : من أنه ليس للشافعي ذلك بناء على أن الزوجية والقرابة سبب لوجوبها بشرطها وإن كان يوم سببا لنفقته أيضا وأن القضاء يعتمد السبب الأول وتبدل الحال والسعر ونحو ذلك يعتمد السبب الثاني ا هـ .
وعلى هذا لو حكم الشافعي بالتموين ليس للحنفي أن يحكم بخلافه ، وهذا من الحوادث المهمة فليحفظ وفي البحر من القضاء فإن قلت هل تقدير القاضي النفقة حكم منه قلت هو حكم وطلب التقدير بشرطه دعوى فقد وجد بعد الدعوى والحادثة ويدل عليه ما في نفقات خزانة المفتين ، وإذا أراد القاضي أن يفرض النفقة يقول فرضت عليك نفقة امرأتك كذا وكذا أو يقول فرضت عليك النفقة مدة كذا يصح وتجب على الزوج حتى لا تسقط بمضي المدة ; لأن نفقة الزمان المستقبل تصير واجبة بقضاء القاضي حتى لو أبرأت بعد الفرض صح فإن قلت إذا فرض لها كل يوم أو كل شهر هل يكون قضاء بالجميع ما دامت في العصمة قلت نعم ما لم يمنع مانع بدليل ما في الخزانة فرض كل شهر عشرة فأبرأته من نفقتها برئ من نفقة الشهر الأول فإذا مضى شهر فأبرأته من نفقة ما مضى وما يستقبل برئ مما مضى ومن شهر مما يستقبل وتمامه فيها ا هـ . قلت سيأتي هذا عند قول المصنف ولا تجب نفقة مضت إلا بالقضاء أو الرضا .