( قوله ولطفله الفقير ) أي تجب النفقة والسكنى والكسوة لولده الصغير الفقير لقوله تعالى { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } فهي عبارة في إيجاب نفقة المنكوحات إشارة إلى أن نفقة الأولاد على الأب وأن النسب له وأنه لا يعاقب بسببه فلا يقتل قصاصا بقتله ولا يحد بوطء جاريته وإن علم بحرمتها وأن الأب ينفرد بتحمل نفقة الولد ولا يشاركه فيها أحد وأن الولد إذا كان غنيا والأب محتاجا لم يشارك الولد أحد في نفقة الوالد ذكرهالمصنف في شرح المنار قيد بالطفل وهو الصبي حين يسقط من البطن إلى أن يحتلم ، ويقال جارية طفل وطفلة ، كذا في المغرب وبه علم أن الطفل يقع على الذكر والأنثى ; ولذا عبر به ; لأن البالغ لا تجب نفقته على أبيه إلا بشروط نذكرها وقيد بالفقير ; لأن الصغير إذا كان له مال فنفقته في ماله ولا بد من التقييد بالحرية لما أسلفناه أن الولد المملوك نفقته على مالكه لا على أبيه حرا كان الأب أو عبدا .
والحاصل أن الأب لا يخلو إما أن يكون غنيا أو فقيرا والصغير كذلك فإن كان الأب والصغير غنيين فإن الأب ينفق عليه من مال نفسه إن كان حاضرا وإن كان مال الصغير غائبا وجبت على الأب فإذا أراد الرجوع أنفق عليه بإذن القاضي فلو أنفق بلا أمره ليس له الرجوع في الحكم إلا أن يكون أشهد أنه أنفق ليرجع ، ولو لم يشهد لكنه أنفق بنية الرجوع لم يكن له رجوع في الحكم وفيما بينه وبين الله تعالى يحل له الرجوع وإن كان للصغير عقار أو أردية أو ثياب واحتيج إلى النفقة كان للأب [ ص: 219 ] أن يبيع ذلك كله وينفق عليه ; لأنه غني بهذه الأشياء وإن كانا فقيرين فعند الخصاف أن الأب يتكفف الناس وينفق على أولاده الصغار .
وقيل نفقتهم في بيت المال هذا إذا كان عاجزا عن الكسب وإن كان قادرا على الكسب اكتسب وأنفق فإن امتنع عن الكسب حبس بخلاف سائر الديون ولا يحبس والد وإن علا في دين ولده وإن سفل إلا في النفقة ; لأن في الامتناع عن الإنفاق إتلاف النفس ، وإذا لم يف كسبه بحاجته أو لم يكتسب لعدم تيسره أنفق عليهم القريب ورجع على الأب إذا أيسر وإن كان الأب غنيا والولد الصغير فقيرا فالنفقة على الأب إلى أن يبلغ الذكر حد الكسب وإن لم يبلغ الحلم فإذا كان هذا كان للأب أن يؤاجره وينفق عليه من أجرته وليس له في الأنثى ذلك فلو كان الأب مبذرا يدفع كسب الابن إلى أمين كما في سائر أملاكه وإن كان الأب فقيرا والصغير غنيا لا تجب نفقته على أبيه ، بل نفقة أبيه عليه ، كذا في الذخيرة وذكر الولوالجي أن في كل موضع أوجبنا نفقة الولد فإنه يدخل فيه أولاده وأولاد البنات والبنين وفي الذخيرة أن الأم إذا خاصمت في نفقة الأولاد فإن القاضي يفرض على الأب نفقة الصغار الفقراء ويدفع النفقة إليها ; لأنها أرفق بالأولاد فإن قال الأب إنها لا تنفق وتضيق عليهم لا يقبل قوله ; لأنها أمينة ودعوى الخيانة على الأمين لا تسمع من غير حجة فإن قال للقاضي سل جيرانها فالقاضي يسأل جيرانها احتياطا .
وإنما يسأل من كان يداخلها فإن أخبر جيرانها بما قال الأب زجرها القاضي ومنعها عن ذلك نظرا لهم ومن مشايخنا من قال إذا وقعت المنازعة بين الزوجين كذلك وظهر قدر النفقة فالقاضي بالخيار إن شاء دفعها إلى ثقة يدفعها إليها صباحا ومساء ولا يدفع إليها جملة وإن شاء أمر غيرها أن ينفق على الأولاد ، وإذا صالحت المرأة زوجها على نفقة الأولاد الصغار موسرا كان الزوج أو معسرا جاز واختلف المشايخ في طريق جواز هذا الصلح فقال بعضهم : لأن الأب هو العاقد من الجانبين كبيعه مال ولده الصغير من نفسه وشرائه كذلك ، وقال بعضهم : لأن العاقد الأب من جانب نفسه والأم من جانب الصغار ; لأن نفقتهم من أسباب التربية والحضانة وهي للأم ، ثم ينظر إن كان ما وقع عليه الصلح أكثر من نفقتهم بزيادة يسيرة فهو عفو وهي ما تدخل تحت تقدير القدير وإن كان لا تدخل طرحت عنه وإن كان المصالح عليه أقل بأن كان لا يكفيهم يزاد إلى مقدار كفايتهم
[ ص: 218 ] ( قوله : وقيد بالطفل إلى قوله لأن البالغ ) قال الرملي في هذه العبارة نظر وحق العبارة أن يقال أراد بالطفل العاجز عن الكسب ; لأنه إذا بلغ حد التكسب ولم يبلغ في نفسه لا تجب على أبيه ، بل يؤجر وينفق عليه من أجرته وسيصرح به قريبا هذا ، وقد قال العلقمي في شرح الجامع الصغير قال بعضهم يبقى هذا الاسم للولد حتى يميز ، ثم لا يقال له بعد طفل ، بل صبي وخرور ويافع ومراهق وبالغ وما قاله بعضهم هو المعروف الآن في بلادنا والمشهور فيما بينهم فعليه تحصل غاية المناسبة في الشرح أن يقال أراد بالطفل العاجز عن الكسب إلخ فتأمل .
( قوله : وإن كان للصغير عقار إلخ ) أقول : ومثل الأب في ذلك الأم وهي واقعة الفتوى إذا أمر القاضي أمهم بالإنفاق عليهم وليس لهم سوى حصة من دار يسكنونها هل تباع في نفقتهم أم لا والذي يظهر أنها تباع في ذلك وتنفق عليهم من ثمنها والسكنى من النفقة ، وإذا فرغ وجبت عليها رملي أقول : الظاهر أن مراد المؤلف بقوله وإن كان له عقار إلخ إذ كان الصغير لا يحتاج إلى ذلك أما إذا كان محتاجا لسكنى عقاره ولبس ثيابه وأرديته لا فائدة في [ ص: 219 ] بيع ذلك ; لأنه لو باعها يحتاج إلى شراء غيرها وانظر ما سيذكره المؤلف عن البدائع في شرح قوله ولفقير محرم من أن الفقير من تحل له الصدقة وأنه لو كان له عقار وخادم يستحق النفقة وانظر ما كتبناه هناك أيضا يظهر لك الأمر .
( قوله : فإذا كان هذا ) أي بلغ حد الكسب قال في التتارخانية : ولو أراد الأب أن يؤاجرهم أي الذكور في عمل أو خدمة فله ذلك ; لأن فيه منفعة للصغير ; لأنه يتعلم الكسب إما قبل أن يتعلم أو بعده ، ولكن لا يحسن العمل فنفقته على الأب ا هـ
قال الرملي وصرح به أيضا كثير من علمائنا قال وبه علم أن غير الأب من المحارم لا تجب نفقة القادر على الكسب عليه من باب أولى ; لأنها لدفع الحاجة ، وقد اندفعت وصار غنيا بكسبه فلا حاجة إلى إيجابها على الفقير كما هو ظاهر وهي واقعة الفتوى ، وقد أفتيت فيها بعدم الوجوب ا هـ .
( قوله : وليس له في الأنثى ذلك ) قال الرملي لو استغنت بنحو خياطة وغزل يجب أن تكون نفقتها في كسبها كما هو ظاهر ولا نقول يجب على الأب مع ذلك إلا إذا كان لا يكفيها فتجب على الأب كفايتها بدفع القدر المعجوز عنه ولم أره لأصحابنا ولا ينافي ذلك قولهم إذا بلغ حد الكسب للأب أن يؤجر بخلاف الأنثى ; لأن الممنوع إيجارها ولا يلزم منه عدم إلزامها بحرفة تعلمها ا هـ
قلت وهو تفقه حسن ويؤيده أنه في الخانية قيد عدم دفع الأنثى بغير المحرم حيث قال وإن كان الولد بنتا لا يملك الأب دفعها إلى غير المحرم ; لأن الخلوة مع الأجنبية حرام ا هـ
فيفيد أنه يؤجرها للمحرم وأنه لو كان المستأجر يدفع لها العمل لتعمل في بيتها كالخياطة ونحوها لا تلزم نفقتها على غيرها لعدم المحظور والله أعلم