( قوله : فإن ولدت بعده ثبت نسبه بلا دعوة بخلاف الأول ) بيان لشرط صيرورتها أم ولد فأفاد أن الأمة إذا ولدت فإنها لا تصير أم ولد إلا إذا ادعى الولد لنفسه ; لأن وطء الأمة يقصد به قضاء الشهوة دون الولد لوجود المانع عنه فلا بد من الدعوة بمنزلة ملك اليمين من غير وطء بخلاف العقد لأن الولد يتعين مقصودا منه فلا حاجة إلى الدعوة فإذا اعترف بالولد الأول وجاءت بالثاني فإنه يثبت نسبه من غير دعوة من المولى ; لأنه بدعوى الأول تعين الولد مقصودا منها فصارت فراشا كالمعقودة ، وفي الظهيرية لو قال لجاريته : إن كان في بطنك غلام فهو مني ، وإن كان جارية فليس مني يثبت نسب الولد منه غلاما كان ، أو جارية ولو قال إن كان في بطنك ولد فهو مني إلى سنتين فولدت لأقل من ستة أشهر يثبت النسب منه ، وإن ولدت لأكثر من ستة أشهر لا يثبت النسب والتوقيت باطل ا هـ .
وأطلق في ثبوت نسب الثاني بلا دعوة وهو مقيد بأن لا تكون حرمت عليه ، سواء كانت حرمة مؤبدة ، أو لا فإن حرمت عليه لا يثبت نسبه إلا بدعوة ; لأن الظاهر أنه ما وطئها بعد الحرمة فكانت حرمة الوطء كالنفي دلالة كما لو وطئها ابن المولى ، أو أبوه ، أو وطئ المولى أمها ، أو بنتها فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر أو زوجها فجاءت بولد لستة أشهر من وقت التزويج ، وإن ادعى في الحرمة المؤبدة يثبت النسب لأن الحرمة لا تزيل الملك وفي المزوجة يعتق عليه وكذا إذا حرمت عليه بكتابة ، وإن حرمت عليه بما لا يقطع نكاح الحرة ولا يزيل فراشها كالحيض والنفاس والإحرام والصوم فإنه يثبت النسب بلا دعوة ; لأنه تحريم عارض لا يغير حكم الفراش كذا في البدائع وظاهر تقييده بالأكثر من الستة أنها لو ولدته بعد عروض الحرمة لأقل من ستة أشهر فإنه يثبت نسبه بلا دعوة للتيقن بأن العلوق كان قبل عروضها وقد ذكره في فتح القدير بحثا ، وفي الظهيرية : أمة لرجل ولدت في ملكه ثلاثة أولاد في بطون مختلفة فإن ادعى الأصغر يثبت نسب الأصغر منه وله أن يبيع الأخيرين بالاتفاق ، وإن ادعى نسب الأكبر ثبت نسب الأكبر [ ص: 294 ] منه ، والأوسط والأصغر بمنزلة الأم لا يثبت نسبهما وليس له أن يبيعهما ; لأنه يحق عليه شرعا الإقرار بنسب ولد هو منه ولما خص الأكبر بالدعوة بعدما لزمه هذا شرعا كان هذا نفيا منه للأخيرين ، وولد أم الولد ينتفي نسبه بالنفي وهو نظير ما قيل السكوت لا يكون حجة ولكن السكوت بعد لزوم البيان يجعل دليل النفي فهذا مثله ا هـ .
وقيد بالدعوة لأنه لو قال كنت أطأ لقصد الولد عند مجيئها بالولد فإنه لا يثبت النسب ; لأنه لم يعترف بالولد ، وفي فتح القدير ينبغي أن يثبت النسب بلا دعوة ; لأن ثبوته بقوله هو ولدي بناء على أن وطأه حينئذ لقصد الولد وعلى هذا قال بعض فضلاء الدرس ينبغي أنه إذا أقر أنه كان لا يعزل عنها وحصنها أن يثبت نسبه من غير توقف على دعواه ، وإن كنا نوجب عليه في هذه الحالة الاعتراف به فلا حاجة أن نوجب عليه الاعتراف ليعترف فيثبت نسبه بل يثبت نسبه ابتداء وأظن أن لا بعد في أن يحكم على المذهب بذلك ا هـ .
وأقول : إنه لا يصح أن يحكم على المذهب به لتصريح أهله بخلافه قال في البدائع : الأمة القنة ، أو المدبرة لا يثبت نسب ولدها ، وإن حصنها المولى وطلب الولد من وطئها بدون الدعوة عندنا ; لأنها لا تصير فراشا بدون الدعوة ا هـ .
فإن أراد الثبوت عند القاضي ظاهرا فقد صرحوا أنه لا بد من الدعوة مطلقا ، وإن أراد فيما بينه وبين الله تعالى فقد صرح في الهداية وغيرها بأن ما ذكرناه من اشتراط الدعوة إنما هو في القضاء أما فيما بينه وبين الله تعالى فإن كان وطئها وحصنها ولم يعزل عنها يلزمه أن يعترف به ويدعيه ; لأن الظاهر أن الولد منه ، وإن عزل عنها ، أو لم يحصنها جاز له أن ينفيه ; لأن الظاهر يقابله ظاهر آخر ، والتحصين منعها من الخروج والبروز عن مظان الريبة ، والعزل أن يطأها ولا ينزل في موضع المجامعة وفي المجتبى معزيا إلى تجريد nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري : ويثبت نسب ولد الجارية من مولاها ، وإن لم يدعه فهذا نص على أن دعوى المولى ليس بشرط لصيرورتها أم ولد في نفس الأمر ، وإنما يشترط لظهوره والقضاء عليه ا هـ .
مع أن الدعوى لا تتصور منه فهذا إن صح يستثنى وهو مشكل .
( قوله : وكذا إذا حرمت عليه بكتابة ) تشبيه بالمحرمة عليه تأبيدا في أنه يثبت النسب كما يأتي آخر الباب من أنه يثبت ولا يشترط تصديقها . [ ص: 294 ] ( قوله : وأقول إنه : لا يصح إلخ ) قال في النهر أنت خبير بأن المدعي ما لو أقر أنه كان لا يعزل عنها وحصنها هل يكون ذلك كالدعوة أم لا وما في البدائع لا يصادمه بقليل تأمل ا هـ .
وهو كلام وجيه ( قوله : فهذا إن صح يستثنى وهو مشكل ) قال في النهر : يمكن أن يكون من وليه كعرض الإسلام عليه بإسلام زوجته إلا أن يفرق بينهما بالنفع والضرر ، والموضع موضع تأمل فتدبره ا هـ .
واعترض بأن ظاهر هذا الجواب لا يصح للفرق الظاهر بين عرض الإسلام والدعوة إذ في الدعوة تحميل النسب على الغير وهو لا يجوز هذا وقد نظم المسألة في الوهبانية فقال
وذو عته أو جنة ولدت له ولم يدعه أم ولد تصير
قال في المنح : وكأنه يعني : المؤلف لم يطلع عليه ا هـ .
قلت : بل الظاهر أنه لم يطلع على قول شارحها ابن الشحنة حيث قال : مسألة البيت ما في القنية مرقوما فيه لنجم الأئمة البخاري : ومتى ولدت الجارية من مولاها صارت أم ولد له في نفس الأمر ، وإنما تشترط دعوته للقضاء ولهذا يصح استيلاد المعتوه والمجنون مع عدم الدعوى منهما ا هـ .
وعامة المصنفين لم يستثنوا هاتين الصورتين من القاعدة المقررة في المذهب أنه لا يثبت النسب في ولد الأمة الأول إلا بالدعوى ا هـ . كلام الشحنة .
وظاهر كلامه كالمؤلف أن المراد صحة استيلاد المجنون والمعتوه قضاء ، ويحتمل أن يكون المراد صحته ديانة بأن يكون قول القنية ولهذا إلخ تعليلا لقوله صارت أم ولد له في نفس الأمر فليتأمل لكن لا يخفى أن هذا فرع العلم بالوطء وهذا عسير وهل يكفي لذلك القرائن الظاهرة [ ص: 295 ] مثل كونه أعدها للاستفراش أم لا ؟ وهذا يقع كثيرا فليحرر .