( قوله : ولو عين البسر والرطب واللبن لا يحنث برطبه وتمره وشيرازه بخلاف هذا الصبي ، وهذا الشاب ، وهذا الحمل ) ; لأن صفة الرطوبة والبسورة داعية إلى اليمين ، وكذا كونه لبنا فيتقيد به فإذا حلف لا يأكل هذا البسر فأكله بعدما صار رطبا أو حلف لا يأكل هذا الرطب فأكله بعدما صار تمرا يعني يابسا ، وهو بالتاء المثناة أو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله بعدما صار شيرازا أي رائبا ، وهو الخاثر إذا استخرج ماؤه فإنه لا يحنث في هذه المسائل الثلاث بخلاف ما إذا حلف لا يكلم هذا الصبي أو الشاب فكلمه بعدما شاخ فإنه يحنث ; لأن هجران المسلم بمنع الكلام منهي عنه فلم يعتبر الداعي في الشرع ; ولأن صفة الصبا داعية إلى المرحمة لا إلى الهجران فلا تعتبر وتتعلق اليمين بالإشارة ، وكذا لو حلف لا يأكل هذا الحمل بفتحتين ، ولد الشاة فأكله بعدما صار كبشا فإنه يحنث ; لأن صفة الصغر في هذا ليست داعية إلى اليمين فإن الممتنع عنه أكثر امتناعا عن لحم الكبش .
والأصل أن المحلوف عليه إذا كان بصفة داعية إلى اليمين تقيد به في المعرف والمنكر فإن زالت زال اليمين عنه ، وما لا يصلح داعية اعتبر في المنكر دون المعرف قيد بقوله عين ; لأنه لو نكر فسيأتي ، وقيد بهذا الصبي ; لأنه لو حلف لا يكلم صبيا فكلم بالغا لا يحنث ; لأنه صار مقصودا بالحلف لكونه هو المعرف للمحلوف عليه فيجب تقييد اليمين به ، وإن كان حراما كذا في الكشف الكبير فالصبي من لم يبلغ ، وكذا الغلام فإذا بلغ فهو شاب ، وفتى إلى ثلاثين سنة أو ثلاث وثلاثين على الاختلاف فهو كهل إلى خمسين سنة فهو شيخ كما في الذخيرة .
وأشار المصنف إلى أنه لو حلف لا يأكل هذا العنب فصار زبيبا [ ص: 346 ] أو لا يأكل هذا اللبن فصار جبنا أو حلف لا يأكل من هذه البيضة فأكل من فراريجها أو لا يذوق من هذا الخمر فصار خلا أو حلف لا يأكل من زهرة هذه الشجرة فأكل بعدما صار لوزا أو مشمشا فإنه لا يحنث بخلاف ما إذا حلف لا يأكل تمرا فأكل حيسا فإنه يحنث ; لأنه تمر مفتت فإن التمر بجميع أجزائه قائم إذ تفرقت أجزاؤه لا غير كذا في المحيط ، وفسر الحيس في البدائع بأنه اسم لتمر ينقع في اللبن ويتشرب فيه اللبن ، وقيل هو طعام يتخذ من تمر ويضم إليه شيء من السمن أو غيره والغالب هو التمر فكان أجزاء التمر بحالها فيبقى الاسم . ا هـ .
ولو حلف لا يأكل سمن هذه الخابية فأكل بعضه حنث ، ولو كان مكان الأكل بيعا فباع بعضها لا يحنث ; لأن الأكل لا يتأتى على جميعه في مجلس واحد ويتأتى البيع ، ولو حلف لا يأكل هذه البيضة لا يحنث حتى يأكلها كلها ، ولو حلف لا يأكل هذا الطعام فإن كان يقدر على أكل كله دفعة واحدة لا يحنث حتى يأكل كله ، وإن لم يقدر حنث بأكل بعضه ، وهو الأصح المختار لمشايخنا ، ولو قال لامرأتيه إن أكلتما هذين الرغيفين فعبدي حر فأكلت كل واحدة منهما رغيفا عتق العبد ، وكذلك لو أكلت إحداهما الرغيفين إلا شيئا ، وأكلت الباقي الأخرى يحنث كذا في المحيط ، وفي البدائع معزيا إلى الأصل بعدما ذكر هذه المسائل قال : ولو قال لا آكل هذه الرمانة فأكلها إلا حبة أو حبتين حنث في الاستحسان ; لأن ذلك القدر لا يعتد به فإنه يقال في العرف لمن أكل رمانة وترك منها حبة أو حبتين إنه أكل رمانة ، وإن ترك نصفها أو ثلثها أو ترك أكثر مما لا يجري في العرف أنه يسقط من الرمانة لم يحنث ; لأنه لا يسمى أكلا لجميعها . ا هـ .
وقيد المصنف باليمين ; لأنه لو أوصى بهذا الرطب فصار تمرا ثم مات لم تبطل الوصية ; لأن بعض الموصى به قد فات ، وفوات بعض الموصى به لا يوجب بطلانها ، وفي اليمين تناول بعض المحلوف عليه فلا يحنث بخلاف ما إذا أوصى بعنب ثم صار زبيبا ثم مات الموصي بطلت الوصية والفرق أن الرطب والتمر صنف واحد لقلة التفاوت بينهما بخلاف العنب والزبيب فإنه تبديل ، وهلاك كذا في غاية البيان .