البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله : حلف ليصعدن السماء أو ليقلبن هذا الحجر ذهبا حنث للحال ) يعني عندنا ، وقال زفر لا تنعقد ; لأنه مستحيل عادة فأشبه المستحيل حقيقة ، ولنا أن البر متصور حقيقة بكسر الواو [ ص: 360 ] أي ممكن ; لأن الصعود إلى السماء ممكن حقيقة ألا ترى أن الملائكة يصعدونها ، وكذا تحول الحجر ذهبا بتحويل الله تعالى بجعله صفة الحجرية صفة الذهبية أو بإعدام الأجزاء الحجرية ، وإبدالها بأجزاء ذهبية فالتحويل في الأول أظهر ، وهو ممكن عند المتكلمين على ما هو الحق ، وإذا كان متصورا تنعقد اليمين موجبة لحلفه ثم يحنث بحكم العجز الثابت عادة كما إذا مات الحالف فإنه يحنث مع احتمال إعادة الحياة وبخلاف مسألة الكوز ; لأن شرب الماء الذي في الكوز وقت الحلف ، ولا ماء فيه لا يتصور فلم تنعقد .

قيد بكون اليمين مطلقة ; لأنها لو كانت مؤقتة فإنه لا يحنث حتى يمضي ذلك الوقت حتى لو مات قبله لا كفارة عليه إذ لا حنث ، وهو المختار ، وقيد بالفعل ; لأنه لو حلف على الترك بأن قال إن تركت مس السماء فعبدي حر لم تنعقد يمينه ; لأن الترك لا يتصور في غير المقدور .


[ ص: 360 ] ( قوله : وإذا كان متصورا تنعقد اليمين إلخ ) أفاد أنه إذا كان غير متصور لا حقيقة ، ولا عادة لا تنعقد اليمين كما في مسألة الكوز كما نبه عليه بقوله بخلاف مسألة الكوز إلخ ، وكذا لو عرض عدم التصور يبطلها كما إذا كان في الكوز ماء وقت الحلف فصب فعلم أن المراد بما مر هناك من شرط انعقادها وشرط بقائها إمكان التصور حقيقة ، وإن استحال عادة ( قوله : قيد بكون اليمين مطلقة إلخ ) قال الرملي مفهومه أنه يحنث بمضي ذلك الوقت وبه يظهر ضعف ما في القنية من قوله متى عجز الحالف عن الفعل المحلوف عليه واليمين مؤقتة بطلت عند أبي حنيفة ومحمد فإن الاعتبار لعدم الإمكان لا للعجز وانظر إلى قولهم قاطبة أنها لو كانت مؤقتة لا يحنث حتى يمضي ذلك الوقت في مقابلة قولهم في المطلقة حنث للحال فحنثه في المؤقتة بمضي الوقت ثابت عندهم كما أطبق عليه الشراح ، وقد عللوا المسألة بتصور البر والحنث للعجز عنه إما حالا في المطلقة أو بعد مضي الوقت في المؤقتة . هذا وقد تقرر أنه لا اعتماد على كل ما قاله صاحب القنية مخالف للقواعد ما لم يعضده نقل من غيره وانظر ما ذكره في النهر في باب التعليق عند الكلام على قوله وزوال الملك لا يبطلها فإنه ذكر ما هو المختار للفتوى في مسألة ما لو حلف بالطلاق ليؤدين له اليوم كذا من دينه فعجز عنه بأن لم يكن معه شيء ، ولم يجد من يقرضه ، وأن هذا من المواضع المهمة فكن فيه على بصيرة ، وأنت على علم بأن العجز لو أبطل المؤقتة لما حنث هنا أي في مسألة ليصعدن السماء بمضي الوقت فيها فتأمله ، والله أعلم . ا هـ .

قلت : الظاهر أن مراد صاحب القنية العجز العارض في مسألة الكوز فيكون بيانا لما تقدم من أن شرط بقائها إمكان تصور البر في المستقبل فإذا كانت مؤقتة ، وكان فيه ماء فصب يحنث لتحقق العجز عن الفعل المحلوف عليه ويدل عليه أنه جعل بطلانها قول أبي حنيفة ومحمد أي خلافا لأبي يوسف ، وهذا الخلاف إنما هو في مسألة الكوز كما مر أما هذه المسألة فالخلاف فيها بين أئمتنا الثلاثة وبين زفر كما مر . ( قوله : لأنها لو كانت مؤقتة إلخ ) فإذا قال لأصعدن السماء اليوم فعندهما يحنث في آخر اليوم ; لأنه لما وقت كان غرضه توسعة الأمر على نفسه حتى يختار الفعل في أي وقت شاء ، ولا يحنث بترك الفعل في بعض الأوقات فلا يتعين عليه الفعل إلا في آخر أجزاء الوقت المعين فإذا لم يجب الفعل قبل ذلك لا يحنث بخلاف المطلق ; لأنه ليس في كلامه ما يوجب التوسعة فوجب عليه البر كما فرغ من اليمين فإذا عجز يحنث ، وليس في تأخير الحنث إلى آخر جزء من أجزاء حياته فائدة سوى تحقيق البر فإذا كان العجز ثابتا عادة لم يفد القول بالتأخير بل نظره في الحنث ; لأنه لو حنث في آخر أجزاء حياته ربما لا يمكنه التكفير إما حقيقة بأن كان معسرا أو موسرا وذلك زمان لا يمكنه الوصية والتكفير قبل الحنث لا يجوز فيبقى في ورطة الإثم والعقاب ، ولو حنث في الحال يمكنه التكفير ، وإسقاط الإثم فيحنث في الحال ، وعن أبي يوسف روايتان والأصح أن [ ص: 361 ] عنده يحنث في الحال في الموقتة أيضا لتحقق العجز في الحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية