قوله ( وما يحنث بهما النكاح والطلاق ، والخلع والعتق ، والكتابة والصلح عن دم العمد ، والهبة والصدقة ، والقرض والاستقراض وضرب العبد ، والذبح والبناء والخياطة والإيداع والاستيداع والإعارة والاستعارة ، وقضاء الدين وقبضه والكسوة والحمل ) بيان لثلاثة أنواع : الأول ما ترجع حقوقه إلى الآمر . الثاني ما لا حقوق له أصلا . الثالث ما كان من الأفعال الحسية . والضمير في قوله بهما عائد إلى المباشرة والأمر وفيه تسامح ; لأنه لا يحنث بمجرد الأمر بل لا بد من فعل الوكيل حتى لو حلف لا يتزوج فوكل به لا يحنث حتى يزوجه الوكيل فلو قال وما يحنث بفعله ، وفعل مأموره لكان أولى ، وفسر الشارح الزيلعي الأمر بالتوكيل ، وليس مقتصرا عليه بل هو أعم من التوكيل والرسالة ; لأنه يحنث بالرسالة والدليل على عدم اقتصاره على التوكيل أن من هذا النوع الاستعواض والتوكيل به غير صحيح ، وإنما حنث في هذا النوع بفعل المأمور لما أن غرض الحالف التوقي عن حكم العقد وحقوقه ، وهذه العقود تنتقل إليه بحقوقها فصار كمباشرته في حق الأحكام وصار الوكيل سفيرا ، ومعبرا ، ولهذا لا يستغنى عن إضافتها إلى الآمر ، وما كان من الأفعال حسيا كضرب الغلام والذبح ونحوهما منقول أيضا إلى الآمر حتى لا يجب الضمان على الفاعل فكان منسوبا إليه فيحنث ، وقد فرق المصنف بين ضرب الولد وضرب العبد فلو حلف لا يضرب ولده فضربه غيره بأمره لا يحنث .
ولو حلف لا يضرب عبده فضربه غيره بأمره حنث بناء على أن منفعة ضرب الولد عائدة إلى الولد المضروب ، وهي التأدب والتثقيف أي التقويم وترك الاعوجاج في الدين والمروءة والأخلاق فلم ينسب فعل المأمور إلى الآمر وإن كان يرجع إلى الأب أيضا لكن أصل المنافع وحقيقتها إنما ترجع إلى المتصف بها فلا موجب للنقل بخلاف ضرب العبد فإن منفعته راجعة إلى الآمر على الخصوص ، وهو ما يحصل من أدبه وانزجاره ، وإن كان نفعه يرجع إلى العبد لكنه غير مقصود فالحاصل أن المقصود من ضرب الولد حاصل له ، وإن حصل للأب ضمنا والمقصود من ضرب العبد حاصل للمولى ، وإن حصل للعبد ضمنا فافترقا ، وفي فتح القدير ، وما في عرفنا ، وعرف عامتنا فإنه يقال ضرب فلان اليوم ، ولده ، وإن لم يباشر ويقول العامي لولده غدا أسقيك علقة ثم يذكر لمؤدب الولدان يضربه فيعد الأب نفسه أنه قد حقق إيعاده ذلك ، ولم يكذب فمقتضاه أن تنعقد على معنى [ ص: 378 ] لا يقع به ضرب من جهتي ويحنث بفعل المأمور . ا هـ .
وينبغي أن يكون مرادهم بالولد الولد الكبير ; لأنه لا يملك ضربه فهو كما لو حلف لا يضرب حرا أجنبيا فإنه لا يحنث إلا بالمباشرة ; لأنه لا ولاية له عليه فلا يعتبر أمره إلا أن يكون الحالف سلطانا أو قاضيا ; لأنهما يملكان ضرب الأحرار حدا وتعزيرا فملكا الأمر به ، وأما الولد الصغير فكالعبد لما في فتاوى قاضي خان ، ولو حلف لا يضرب ولده الصغير فأمر غيره فضربه ينبغي أن يحنث الحالف لأن الأب يملك ضرب ولده الصغير فيملك التفويض إلى غيره ويكون بمنزلة القاضي والسلطان . ا هـ .
وإنما لم يجزم به في الفتاوى ; لأن الولد أعم من الصغير والكبير ولم يخصص بالكبير في الروايات ، وفي الذخيرة ، ولو حلف على امرأته لا يضربها فأمر غيره حتى ضربها فقد قيل إنها نظير العبد فيحنث في يمينه ، وقيل إنها نظير الولد فلا يحنث الحالف في يمينه . ا هـ .
ولم يرجح وينبغي ترجيح الثاني ; لأن معظم المنفعة تعود لها ، وإن حصلت للزوج ضمنا ، ولو نوى المباشرة بنفسه فقط في هذا النوع قالوا فما كان من الحكميات كالتزوج والطلاق فإنه يصدق ديانة لا قضاء ، وما كان من الحسيات كالضرب والذبح فإنه يصدق ديانة ، وقضاء ، والفرق أن الطلاق ليس إلا تكلما بكلام يفضي إلى الوقوع ، والأمر بذلك مثل التكلم به واللفظ ينتظمهما فإذا نوى أن لا يليه فقد نوى الخصوص في العام فلا يصدق قضاء ; لأنه خلاف الظاهر ، وما كان حسيا فإنه يعرف بأثره المحسوس في المحل ، وإنما يحصل بالفعل فكان فيه حقيقة ، والنسبة إلى الآمر بالسبب مجاز فإذا نوى الفعل بنفسه فقد نوى حقيقة كلامه ، وقيد بالنكاح ; لأنه لو قال والله لا أزوج فلانة فأمر رجلا فزوجها لا يحنث بخلاف التزوج .
والفرق أن فيما تقدم صارت معرفة بكاف الخطاب فلا تدخل النكرة ، وفيما تأخر لم تصر معرفة فتدخل تحت النكرة ، ولو حلف لا يتزوج امرأة على وجه الأرض ونوى امرأة بعينها دين فيما بينه وبين الله تعالى لا في القضاء ، ولو نوى كوفية أو بصرية لا يدين أصلا ، وكذا لو نوى امرأة عوراء أو عمياء ، ولو نوى عربية أو حبشية دين فيما بينه وبين الله تعالى ; لأنه نوى الجنس . ا هـ . وأطلقالمصنف في الطلاق والعتاق ، وهو مقيد بأن يقعا بكلام وجد بعد اليمين أما إذا وقعا بكلام وجد قبل اليمين فلا يحنث حتى لو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثم حلف أن لا يطلق فدخلت لم يحنث ; لأن وقوع الطلاق عليها بكلام كان قبل اليمين .
وأما الهبة والصدقة ففي الظهيرية حلف أن لا يهب لفلان فوهب هبة غير مقسومة حنث ، وكذلك الإعمار والنحل والإرسال إليه مع رسوله وصورة الإعمار أن يقول صاحب الدار لغيره هي لك ما دمت حيا فإذا مت ردت إلي ، وكذا لو أمر غيره حتى وهب حنث ، وكذا لو أجاز هبة الفضولي عبده ، ولو حلف لا يهب لفلان فوهب على عوض حنث ، ولا يحنث بالصدقة في غير الهبة . ا هـ .
وفي الذخيرة حلف لا يستعير من فلان شيئا ينصرف إلى كل موجود تصح إعارته ، وكان ذلك عينا ينتفع به مع بقاء عينه فإن دخل دار المحلوف عليه ليستقي من بئره فاستعار منه الرشا والدلو اختلف المشايخ فيه قيل يحنث ، وقيل لا ; لأنه لم تثبت يده عليهما ; لأنهما في يد صاحب الدار فلا يكون مستعيرا ، وهذا إشارة إلى أن الإعارة لا تتم إلا بالتسليم ، وهذا هو الطريق فيما إذا أردفه على دابته فعلى قياس هذا التعليل إذا استعار منه الرشا والدلو من بئر ليس في ملك المحلوف عليه يحنث . ا هـ .
وأشار المصنف بقضاء الدين إلى أن الدفع كذلك قال في المحيط حلف لا يدفع إلى فلان ماله فأمر غيره فضمنه ونقده بضمانه فهو حانث ; لأنه إذا أنقده رجع به عليه فصار كأنه دفعه إليه ، وكذلك لو أحاله عليه فأعطاه ، ولو كانت الحوالة والكفالة بغير أمره لا يحنث بأدائه ، وكذا إذا تبرع رجل بالأداء . ا هـ .
ثم قال : وفي النوازل ، ولو قال لامرأته إن لم تكوني غسلت هذه القصعة فأنت طالق فأمرت المرأة خادمها بغسل القصعة فغسلتها فإن كان من عادة المرأة أنها تغسل بنفسها لا غير يقع الطلاق لوجود الشرط ، وإن كان من عادتها أنها لا تغسل إلا بخادمها ، وعرف الزوج ذلك لا يقع ، وإن كان من عادتها أنها تغسل بنفسها وبخادمها فالظاهر أنه يقع إلا إذا عنى الزوج الآمر بالغسل فلا يقع . ا هـ .
وإذا حنث بالأمر في حلفه لا يقضي دينه بر بالتوكيل في حلفه ليقضين دينه ، وكذا في قبضه نفيا ، وإثباتا فإذا حلف ليقضين من فلان حقه فأخذ من وكيله أو كفيله أو من المحتال عليه بأمر المطلوب بر ، وإن كانت الحوالة والكفالة بغير أمر المطلوب لم يبر كذا في المحيط ، ولم يذكر المصنف الحوالة والكفالة قال في المحيط حلف لا يكفل عنه شيئا فكفل نفسه لا يحنث ; لأنه كفل به لا عنه ; لأن كلمة عنه إنما تستعمل في الكفالة بالمال لا في الكفالة بالنفس يقال كفل عنه أي بماله ، وكفل به أي بنفسه ، ولو كفل عن كفيله بأمره لا يحنث ; لأنه ما كفل عنه وإنما كفل عن غيره ، ولو حلف لا يكفل فلانا أو لفلان فكفل بنفسه حنث ، ولو كفل عنه بالمال لا يحنث حلف لا يكفل عن فلان فأحاله فلان على الحالف لغريمه إن كان للمحتال له دين على المحيل يحنث ، وإلا فلا ; لأن في الحوالة ما في الكفالة وزيادة ; لأن فيها التزاما وضمانا . ا هـ .
( قوله : وليس مقتصرا عليه إلخ ) قال في النهر لك أن تقول إنما خصه لتعلم الرسالة منه بالأولى [ ص: 378 ] ( قوله : وينبغي ترجيح الثاني ) قال في النهر بعد نقله ورجح nindex.php?page=showalam&ids=13633ابن وهبان الأول ; لأن النفع عائد إليه بطاعتها له ، وقيل إن حنث فنظير العبد وإلا فنظير الولد قال بديع الدين ، ولو فصل هذا في الولد لكان حسنا كذا في القنية ( قوله : رجل حلف أن لا يتزوج من أهل هذه الدار إلى قوله لا يحنث ) هكذا في التتارخانية ثم قال بعده قال الصدر الشهيد ما ذكر هنا موافق قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أما ما يوافق قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف فقد ذكر في الجامع الصغير أن من حلف لا يكلم امرأة فلان ، وليس لفلان امرأة ثم تزوج فلان امرأة ، وكلمها الحالف حنث عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف خلافا nindex.php?page=showalam&ids=16908لمحمد ، وفي الحجة والفتوى على قولهما ا هـ .