( قوله : ودخول مسجد ) أي يمنع الحيض دخول المسجد وكذا الجبانة وخرج بالمسجد غيره كمصلى العيد والجنائز والمدرسة والرباط فلا يمنعان من دخولها ، ولهذا قال في الخلاصة المتخذ لصلاة الجنازة والعيد الأصح أنه ليس له حكم المسجد ، واختار في القنية من كتاب الوقف أن المدرسة إذا كان لا يمنع أهلها الناس من الصلاة في مسجدها فهي مسجد ، وفي فتاوى قاضي خان الجبانة ومصلى الجنازة لهما حكم المسجد عند أداء الصلاة حتى يصح الاقتداء وإن لم تكن الصفوف متصلة وليس لهما حكم المسجد في حق المرور وحرمة الدخول للجنب وفناء المسجد له حكم المسجد في حق جواز الاقتداء بالإمام ، وإن لم تكن الصفوف متصلة ولا المسجد ملآن . ا هـ .
وأما في جواز دخول الحائض فليس للفناء حكم المسجد فيه ، وأما ما في شرح الزاهدي من أن سطح المسجد وظلة بابه في حكمه فليس على إطلاقه بل مقيد في الظلة بأنها حكمه في حق جواز الاقتداء لا في حرمة الدخول للجنب والحائض كما لا يخفى وقيد صاحب الدرر والغرر المنع من دخولهما المسجد بأن لا يكون عن ضرورة فقال وحرم على الجنب دخول المسجد ولو للعبور إلا لضرورة كأن يكون باب بيته إلى المسجد ا هـ وهو حسن ، وإن خالف إطلاق المشايخ وينبغي أن يقيد بكونه لا يمكنه تحويل بابه إلى غير المسجد وليس قادرا على السكنى في غيره كما لا يخفى وإلا لم تتحقق الضرورة ، يدل عليه ما عن أفلت عن جسرة بنت دجاجة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت { nindex.php?page=hadith&LINKID=17528جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجوه بيوت أصحابه شارعة في المسجد فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد ثم دخل ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن تنزل فيهم رخصة فخرج إليهم فقال وجهوا هذه البيوت عن المسجد فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب } رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري في تاريخه الكبير ، وقد نقل nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي تضعيفه بسبب جهالة أفلت ورد عليه ودجاجة بكسر الدال بخلاف واحدة الدجاج وهو حجة على nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في إباحته الدخول على وجه العبور وعلي nindex.php?page=showalam&ids=13867أبي اليسر من أصحابنا كما في إباحة الدخول لغير الصلاة كما نقله عنه في خزانة الفتاوى
واستدل nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا } بناء منه على إرادة مكان الصلاة بلفظ الصلاة مجازا فيكون المنهي عنه قربان مكان الصلاة للجنب لا حال العبور أو بناء منه على استعمال لفظ الصلاة في حقيقته ومجازه فيكون المنهي عنه قربان الصلاة وموضعها ولا شك أن هذا منه عدول عن الظاهر ولا موجب له إلا توهم لزوم جواز الصلاة جنبا حال كونه عابر سبيل ; لأنه مستثنى من المنع المغيا بالاغتسال وهذا التوهم ليس بلازم لوجوب الحكم بأن المراد جوازها حال كونه عابر سبيل أي مسافرا بالتيمم ; لأن مؤدى التركيب لا تقربوها جنبا حتى تغتسلوا لا حال عبور السبيل فلكم أن تقربوها بغير اغتسال ، وبالتيمم يصدق أنه بغير اغتسال نعم مقتضى ظاهر الاستثناء إطلاق القربان حال العبور لكن يثبت اشتراط التيمم فيه بدليل آخر وليس هذا ببدع فظهر بهذا أن المراد بعابري السبيل المسافرون كما هو منقول عن أهل التفسير وعلى هذا فالآية دليلهما على منع التيمم للجنب المقيم في المصر ظاهرا ، فإنه استثنى من المنع المسافرين فكان المقيم داخلا في المنع وجوابه من قبل nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه خص حالة عدم القدرة على الماء في المصر من المنع في الآية كما أنها مطلقة في المريض
وقد أجمعوا على تخصيص حالة القدرة حتى لا يتيمم المريض القادر على استعمال الماء وإجماعهم إنما كان للعلم بأن شرعيته للحاجة إلى الطهارة عند العجز عن الماء فإذا [ ص: 206 ] تحقق في المصر جاز وإذا لم يتحقق في المريض لا يجوز ، فإن قيل في الآية دليل حينئذ على أن التيمم لا يرفع الحدث وأنتم تأبونه قلنا : قد ذكرنا أن محصلها لا تقربوها جنبا حتى تغتسلوا إلا عابري سبيل فاقربوها بلا اغتسال بالتيمم ; لا أن المعنى فاقربوها جنبا بلا اغتسال بالتيمم ، فالرفع وعدمه مسكوت عنه ، ثم استفيد كونه رافعا من خارج على ما قدمناه في باب التيمم .
ويدل للمذهب أيضا ما أخرجه الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=86079يا nindex.php?page=showalam&ids=8علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك } وقال حديث حسن غريب ثم ذكر عن علي بن المنذر قلت لضرار بن صرد ما معناه قال لا يحل لأحد يستطرقه جنبا غيري وغيرك نعم تعقب تحسين الترمذي بأن في إسناده سالم بن أبي حفصة وعطية العوفي وهما ضعيفان شيعيان متهمان لكن قال الحافظ سراج الدين الشهير بابن الملقن ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار من حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني في أكبر معاجمه من حديث أم أبي سلمة ا هـ .
وقال الحافظ بن حجر ، وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار في مسنده أن حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=109030سدوا كل باب في المسجد إلا باب nindex.php?page=showalam&ids=8علي } جاء من روايات أهل الكوفة وأهل المدينة يروون إلا باب أبي بكر قال : فإن ثبتت رواية أهل الكوفة فالمراد بها هذا المعنى ، فذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الذي ذكرناه ثم قال يعني nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار على أن روايات أهل الكوفة جاءت من وجوه بأسانيد حسان .
وأخرج القاضي إسماعيل المالكي في أحكام القرآن عن المطلب هو ابن عبد الله بن حنطب { أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن أذن لأحد أن يمر في المسجد ولا يجلس فيه وهو جنب إلا nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب } ; لأن بيته كان في المسجد قال الحافظ ابن حجر وهو مرسل قوي ا هـ .
واعلم أن في تتمة الفتاوى الصغرى ويستوي في المنع المكث أو عبور آل محمد صلى الله عليه وسلم وغيره خلاف ما قاله أهل الشيعة إنه رخص لآل محمد صلى الله عليه وسلم الدخول في المسجد لمكث أو عبور ، وإن كان جنبا لما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي وأهل بيته أن يمكثوا في المسجد وإن كانوا جنبا ، وكذا رخص لهم لبس الحرير } إلا أن هذا حديث شاذ لا نأخذ به ا هـ .
قال ابن أمير حاج والظاهر أن ما ذكره الشيعة لأهل nindex.php?page=showalam&ids=8علي في دخول المسجد ولبس الحرير اختلاق منهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما الحكم بالشذوذ على الترخيص nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي في دخول المسجد جنبا ففيه نظر نعم قضى ابن الجوزي في موضوعاته على حديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=109034سدوا الأبواب التي في المسجد إلا باب nindex.php?page=showalam&ids=8علي } بأنه باطل لا يصح وهو من وضع الرافضة ، وقد دفع ذلك شيخنا الحافظ ابن حجر في القول المسدد في الذب عن مسند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وأفاد أنه جاء من طرق متظافرة من روايات الثقات تدل على أن الحديث صحيح منها ما ذكرنا آنفا وبين عدم معارضته لحديث الصحيحين { nindex.php?page=hadith&LINKID=109035سدوا الأبواب الشارعة في المسجد إلا خوخة أبي بكر } فليراجع ذلك من رام الوقوف عليه . ا هـ .
وقد علم أن دخوله صلى الله عليه وسلم المسجد جنبا ومكثه فيه من خواصه وذكره النووي وقواه وفي منية المصلي ، وإن احتلم في المسجد تيمم للخروج إذا لم يخف ، وإن خاف يجلس مع التيمم ولا يصلي ولا يقرأ ا هـ .
وصرح [ ص: 207 ] في الذخيرة أن هذا التيمم مستحب وظاهر ما قدمناه في التيمم عن المحيط أنه واجب ، ثم الظاهر أن المراد بالخوف الخوف من لحوق ضرر به بدنا أو مالا كأن يكون ليلا .
( قوله : وأما ما في شرح الزاهدي إلخ ) قيل : ينبغي تقييده بما إذا لم تجعل الظلة جزءا من المسجد ابتداء أو لم تلحق به كذلك كما نبه عليه ابن أمير حاج حيث قال : وأما كون ظلة بابه في حكمه في حق هذا الحكم الذي نحن بصدد الكلام فيه فإنما يتم إذا جعلت جزءا من المسجد ابتداء أو ألحقت به كذلك ، أما إذا لم يكن شيء من هذين الأمرين مع فرض أن البقعة الخارجة عن جدران المسجد ليست منه ليكون ما في هوائها له حكم المسجد كما هو العرف العملي المستمر في إنشاء المسجد فلا يكون لهذه الظلة هذا الحكم الذي للمسجد وإن كانت في حكمه في حق جواز الاقتداء بمن في المسجد على ما فيه ا هـ .
( قوله : كما في إباحة الدخول ) أي قاله قياسا على إباحة الدخول لغير الصلاة [ ص: 206 ] ( قوله ; لأن المعنى فاقربوها جنبا ) كذا في النسخ وصوابه لا أن بلا النافية وأن وكأن الألف بعد لا ساقطة من قلم الناسخ الأول