( قوله : فلو قال لغيره لست لأبيك أو لست بابن فلان في غضب حد وفي غيره لا ) أي وإن قال له ذلك في حالة الرضا فلا حد ; لأنه عند الغضب يراد به حقيقته سبا له وفي غيره يراد به المعاتبة بنفي مشابهته له في أسباب المروءة ثم اعلم أنه قد وقع في الهداية مسألتان الأولى قال ومن نفى نسب غيره وقال لست لأبيك ، فإنه يحد وهذا إذا كانت أمة مسلمة حرة ; لأنه في الحقيقة قذف لأمه ; لأن النسب إنما ينفى عن الزاني لا عن غيره الثانية قال لغيره في غضب لست بابن فلان لأبيه الذي يدعى له يحد ولو قال في غير غضب لا يحد وعلله بما ذكرناه فظاهره أنهما مسألتان مختلفان صورة وحكما ; لأن في المسألة الأولى قد نفاه عن أبيه من غير تعرض للأب الذي يدعى إليه وحكمها وجوب الحد مطلقا سواء كان في غضب أو رضا ; لأنه لم يفصل وفي المسألة الثانية قد نفاه عن أبيه المعين الذي يدعى إليه وحكمها التفصيل وقد حمل بعضهم المسألة الأولى على التفصيل في الثانية وهو أنه كان في حالة الغضب حد لا في غيره وجزم به في غاية البيان ولم يتعقبه في فتح القدير وهو بعيد لما صرح به في الكافي للحاكم الشهيد بقوله ، وإن قال لرجل : يا ولد الزنا أو يا ابن الزنا أو لست لأبيك وأمه حرة مسلمة فعليه الحد .
بلغنا عن nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال لا حد إلا في قذف محصنة أو نفي رجل عن أبيه ا هـ .
لأنه سوى بين الألفاظ الثلاثة ، وقد صرح في فتح القدير بأنه إذا قال يا ولد الزنا أو يا ابن الزنا لا يتأتى فيه تفصيل بل يحد ألبتة ا هـ .
فكذلك إذا قال لست لأبيك لأنهم صرحوا أنه بمعنى : أمك زانية أو زنت ولا يراد به المعاتبة حالة الرضا ; لأنه لم يعين أبا مخصوصا حتى ينفي أن يكون على إطلاقه ثم رأيت التصريح بذلك في فتاوى قاضي خان قال لرجل لست لأبيك عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنه قذف كان ذلك في غضب أو رضا .
ولو قال ليس هذا أباك لأبيه المعروف ، فإن كان هذا في حالة الرضا أو على وجه الاستفهام لا يكون قذفا ، وإن كان في غضب أو على وجه التعيير كان قذفا ا هـ .
وما في فتح القدير من أن التقدير حالة الرضا لست لأبيك المشهور مجازا عن نفي المشابهة في محاسن الأخلاق فبعيد كما لا يخفى وقد علم مما ذكرناه أنه لا بد من تقييد المختصر بأن تكون أمه محصنة لأنه قذف لها وما في الهداية من التقييد بحرية أمه وإسلامها لا ينفي اشتراط بقية شروط الإحصان ولذا اعترضه الشارحون .
وأشار المصنف إلى أنه لو قال إنك ابن فلان لغير أبيه فالحكم كذلك من التفصيل وقيد بالنفي عن أبيه فقط ; لأنه لو نفاه عن أمه أو عن أبيه وأمه فلا حد في الأحوال كلها للكذب في الثاني ولأن فيه نفي الزنا ; لأن نفي الولادة نفي للوطء وللصدق في الأول ; لأن النسب ليس لأمه ولم يتعرض المصنف لطلب الولد ; لأن الأم إن كانت حية فالطلب لها ، وإن كانت ميتة فالطلب لكل من يقع القدح في نسبه ، المخاطب وغيره سواء .
وفي القنية سمع أناس من أناس كثيرة أن فلانا ولد فلان ، والفلان يجحد فلهم أن يشهدوا مطلقا أن هذا ولده بمجرد السماع ، وإن لم يعلموا حقيقته ، ولو قال واحد لهذا الولد : ولد الزنا لا يحد ا هـ .
وفي الظهيرية إذا قال : لست من ولد فلان فهذا قذف ولو قال لست من ولادة فلان فهذا ليس بقذف ، وإذا قال لغيره لست لأب لست لأبيك لم يلدك أبوك فهذا كله قذف لأمه وكذا إذا قال لست للرشدة . ا هـ .
وأما عدمه فيما إذا قال لعربي يا نبطي فلأنه يراد به التشبيه في الأخلاق أو عدم الفصاحة وكذا إذا قال لست بعربي لما قلنا وفسره الفقيه nindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث برجل من غير العرب وفي المغرب النبط جيل من الناس بسواد العراق الواحد نبطي وعن ثعلب عن nindex.php?page=showalam&ids=12585ابن الأعرابي رجل نباطي ولا تقل نبطي ا هـ .
وأشار المصنف إلى أنه لو قال لست من بني فلان فلا حد وكذا إذا قال لهاشمي لست بهاشمي لكنه يعزر كما في المبسوط ، وأما إذا قال لرجل يا ابن ماء السماء فلأنه يراد به التشبيه في الجود ، والسماحة ، والصفاء ; لأن ابن ماء السماء لقب به لصفائه وسخائه وفي غاية البيان ماء السماء هو عامر أبو مزيقيا وسمي به ; لأنه في القحط أقام ماله مقام المطر وكان غياثا لقوله مثل ماء السماء للأرض وكانت أم المنذر بنت امرئ القيس أيضا ماء السماء لجمالها وحسنها ، وإنما سمى عمرو ولده مزيقيا ; لأنه كان يمزق كل يوم حلتين يلبسهما ويكره أن يعود فيهما ويكره أن يلبسهما غيره ا هـ .
وأما إذا نسبه إلى عمه أو خاله أو زوج أمه فلأن كل واحد من هؤلاء يسمى أبا أما الأول فلقوله تعالى { وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق } فإسماعيل كان عما له أي ليعقوب عليهما السلام .
، وأما الثاني فلقوله عليه السلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=14141الخال أب } ، وأما الثالث فللتربية ونسبته إلى المربي في الكتاب دون زوج الأم يشير إلى أن العبرة فيه للتربية لا غير حتى لو نسبه إلى من رباه وهو ليس بزوج لأمه وجب أن لا يحد كذا في التبيين وظاهر كلام المصنف كغيره أنه لا يحد في هذه المسائل سواء كان في حالة الغضب أو الرضا وفي فتح القدير .
وقد ذكر أنه لو كان هناك رجل اسمه ماء السماء يعني وهو معروف يحد في حال السباب بخلاف ما إذا لم يكن ، فإن قيل : إذا كان قد سمي به ، وإن كان للسخاء أو الصفاء فينبغي في حال الغضب أن يحمل على النفي لكن جواب المسألة مطلق فالجواب لما لم يعهد استعماله لذلك القصد يمكن أن يجعل المراد في حالة الغضب التهكم به عليه كما قلنا في قوله لست بعربي لما لم تستعمل في النفي يحمل في حالة الغضب على سبه بنفي الشجاعة ، والسخاء عنه ليس غير ا هـ .
[ ص: 36 ] ( قوله : وهو بعيد لما صرح به في الكافي إلخ ) قال في النهر أقول : ما جرى عليه شراح الهداية وأكثر المتأخرين من التقييد بالغضب هو المذهب لما قدمناه أنه مع الرضا ليس قذفا وكيف يحد بما ليس قذفا وبه يضعف ما عن الثاني وكأن هذه الرواية شاذة عنه ولذا ذكر في وسيط المحيط عنه أنه قذف في حالة الغضب دون الرضا وما في الكافي لا دلالة فيه لما ادعاه بوجه مع استدلاله في النفي بالأثر وقد علمت أنه محمول على حالة الغضب والفرق بينه وبين قوله يا ولد الزنا أظهر من الشمس وقت الضحى ; لأنه لا يحتمل غير القذف فاستوت الحالتان فيه بخلاف النفي ثم رأيت في عقد الفوائد قال التفصيل هو ظاهر المذهب والاعتماد عليه دون ما يقع سواه مخالفا له [ ص: 37 ] ( قوله : أما الأول وهو ما إذا نفاه عن جده إلخ ) قال في الفتح واعلم أن قوله لست ابن فلان لأبيه المعروف له معنى مجازي هو نفيه المشابهة ومعنى حقيقي هو نفي كونه من مائه مع زنا الأم به أو عدمه بل بشبهته فهي ثلاث معان يمكن إرادة كل منها على الخصوص وقد حكموا بتحكيم الغضب وعدمه فمعه يراد نفي كونه من مائه مع زنا الأم به ومع عدمه يراد المجازي وقوله لست بابن فلان لجده له معنى مجازي هو نفي مشابهته لجده ومعنيان حقيقي وهو نفي كونه مخلوقا من مائه وآخر هو نفي كونه أبا أعلى له وهو يصدق بصورتين : نفي كون أبيه خلق من مائه بل زنت جدته به أو جاءت به بشبهة وهذه المعاني يصح إرادة كل منها وقد حكم بتعيين الغضب أحدها بعينه في الأول وهو كونه ليس من مائه مع زنا الأم به إذ لا معنى ; لأن يخبره في السباب بأن أمه جاءت به بغير زنا بل بشبهة فيجب أن يحكم أيضا بتعين الغضب في المعنى الثاني الذي هو نفي نسب أبيه عنه وقذف جدته به ، فإنه لا معنى لإخباره في حالة الغضب بأنك لم تخلق من ماء جدك وهو مع سماجته أبعد في الإرادة من أن يراد نفي أبوته لأبيه ; لأن هذا كقولنا السماء فوق الأرض ولا مخلص إلا بأن يكون فيها إجماع على نفي الحد بلا تفصيل كما أن في تلك إجماعا على ثبوته بالتفصيل . ا هـ .
قلت قد يجاب بالفرق وهو أن إرادة القذف في نفيه عن جده بالعدول عن الحقيقة إلى المجاز للقرينة وذلك شبهة يندرئ بها الحد ; لأن الأصل في الكلام الحقيقة وحال المسلم شاهدة بأنه أراد الحقيقة وأتى في حال الشتم بكلام يحتمل القذف فصارت حالته قرينة معارضة لقرينة إرادة الشتم بخلاف نفيه عن أبيه ، فإنه قذف حقيقة وحالة الغضب قرينة أيضا مساعدة للمعنى الحقيقي وكون القذف محرما قرينة على إرادة المعنى المجازي وهو كونه ليس مثل أبيه في الأخلاق فقد تعارضت القرينتان وهما حالة الغضب وحالة المسلم فتساقطتا وبقي المعنى الحقيقي سالما عن المعارض وهو نفي كونه مخلوقا من مائه ( قوله : وأشار المصنف إلى أنه لو قال لست من بني فلان ) يعني القبيلة كما صرح به في الخانية .