وقد يقال : إن حرمة الطواف عليها إنما هي لأجل كونه في المسجد ، وأما إذا لم يكن الطواف في المسجد بل خارجه فإنه مكروه كراهة تحريم لما عرف من أن الطهارة له واجبة على الصحيح فتركها يوجب كراهة التحريم ولا يوجب التحريم إلا ترك الفرض ولو حاضت بعدما دخلت وجب عليها أن لا تطوف وحرم مكثها كما صرحوا به . ( قوله : وقربان ما تحت الإزار ) أي ويمنع الحيض قربان زوجها ما تحت إزارها ، أما حرمة وطئها عليه فمجمع عليها لقوله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } ووطؤها في الفرج عالما بالحرمة عامدا مختارا كبيرة لا جاهلا ولا ناسيا ولا مكرها فليس عليه إلا التوبة والاستغفار وهل يجب التعزير أم لا ، ويستحب أن يتصدق بدينار أو نصفه وقيل بدينار إن كان أول الحيض ونصفه أن وطئ في آخره كأن قائله رأى أن لا معنى للتخيير بين القليل والكثير في النوع الواحد ومصرفه مصرف الزكاة كما في السراج الوهاج وقيل : إن كان الدم أسود يتصدق بدينار ، وإن كان أصفر فبنصف دينار ، ويدل له ما رواه أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وصححه { nindex.php?page=hadith&LINKID=10461إذا واقع الرجل أهله وهي حائض إن كان دما أحمر فليتصدق بدينار ، وإن كان أصفر فليتصدق بنصف دينار } وفي السراج الوهاج وإذا أخبرته بالحيض قال بعضهم : إن كانت فاسقة لا يقبل قولها ، وإن كانت عفيفة يقبل قولها وترك وطأها . وقال بعضهم : إن كان صدقها ممكنا بأن كانت في أوان حيضها قبلت ولو كانت فاسقة كما في العدة وهذا القول أحوط وأقرب إلى الورع . ا هـ .
فعلم من هذا أنها إذا كانت فاسقة ولم يغلب على ظنه صدقها بأن كانت في غير أوان حيضها لا يقبل قولها اتفاقا كما قالوا في إخبار الفاسق أنه يشترط لوجوب العمل به أن يغلب على الظن صدقه ، وبهذا علم أن ما في فتح القدير من أن الحرمة تثبت بإخبارها وإن كذبها ليس على إطلاقه بل إذا كانت عفيفة أو غلب على الظن صدقها بخلاف من علق به طلاقها فأخبرته به فإنه يقع الطلاق عليه وإن كذبها مطلقا لتقصيره في تعليقه بما لا يعرف إلا من جهتها وهذا إذا وطئها غير مستحل ، فإن كان مستحلا له فقد جزم صاحب المبسوط والاختيار وفتح القدير وغيرهم بكفره وذكره القاضي الإسبيجابي بصيغة وقيل وصحح أنه لا يكفر صاحب الخلاصة ويوافقه ما نقله أيضا من الفصل الثاني في ألفاظ الكفر من اعتقد الحرام حلالا أو على القلب يكفر إذا كان حراما لعينه وثبتت حرمته بدليل مقطوع به ، أما إذا كان حراما لغيره بدليل مقطوع به أو حراما لعينه بأخبار الآحاد لا يكفر إذا اعتقده حلالا ا هـ .
فعلى هذا لا يفتى بتكفير مستحله لما في الخلاصة أن المسألة إذا كان فيها وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع فعلى المفتي أن يميل إلى ذلك الوجه . ا هـ .
وأما الاستمتاع بها بغير الجماع فمذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك يحرم عليه ما بين السرة والركبة وهو المراد بما تحت الإزار ، كذا في فتح القدير وفي المحيط وفتاوى الولوالجي وتفسير الإزار على قولهما قال [ ص: 208 ] بعضهم الإزار المعروف ويستمتع بما فوق السرة ولا يستمتع بما تحتها وقال بعضهم هو الاستتار فإذا استترت حل له الاستمتاع . ا هـ . والظاهر ما اقتصر عليه في فتح القدير .
وللجماعة ما عن nindex.php?page=showalam&ids=16436عبد الله بن سعد { nindex.php?page=hadith&LINKID=81996سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقال لك ما فوق الإزار } رواه أبو داود وسكت عليه فهو حجة وإذن فالترجيح له ; لأنه مانع وذلك مبيح ولخبر { nindex.php?page=hadith&LINKID=36185من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه } ، وأما ترجيح السروجي قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بأن دليله منطوق ودليلنا مفهوم والمنطوق أقوى فكان مقدما فغير صحيح ، أما الأول فلأنه لا يلزم أن يكون دليلنا مفهوما بل يحتمل أن يكون منطوقا فإن السائل سأل عن جميع ما يحل له من امرأته الحائض فقوله لك ما فوق الإزار معناه جميع ما يحل لك ما فوق الإزار ليطابق الجواب السؤال ، وأما ثانيا فلأنه لو سلم أنه مفهوم كان هذا المفهوم أقوى من المنطوق ; لأنه يدل على المفهوم بطريق اللزوم لوجوب مطابقة جوابه عليه السلام لسؤال السائل ولو كان هذا المفهوم غير مراد لم يطابق فكان ثبوته واجبا من اللفظ على وجه لا يقبل تخصيصا ولا تبديلا لهذا العارض والمنطوق من حيث هو منطوق يقبل ذلك فلم يصح الترجيح في خصوص المادة بالمنطوقية ولا المرجوحية بالمفهومية ، وقد كان فعله صلى الله عليه وسلم على ذلك { nindex.php?page=hadith&LINKID=109038فكان لا يباشر إحداهن وهي حائض حتى يأمرها أن تأتزر } متفق عليه .
وأما قوله تعالى { ولا تقربوهن حتى يطهرن } فإن كان نهيا عن الجماع عينا فلا يمتنع أن نثبت حرمة أخرى في محل آخر بالسنة ، وإياك أن تظن أن هذه من الزيادة على النص بخبر الواحد ; لأنها تقيد مطلق النص فتكون معارضة له في بعض متناولاته وما أثبتته السنة فيما نحن فيه شرع ما لم يتعرض له النص القرآني فلم يكن من باب الزيادة ، وإن كان نهيا عما هو أعم من الجماع من أفراد المنهي عنه لتناوله حرمة الاستمتاع بها أعني من الجماع وغيره من الاستمتاعات ، ثم يظهر تخصيص بعضها بالحديث المفيد لحل ما سوى ما بين السرة والركبة فيبقى ما بينهما داخلا في عموم النهي عن قربانه ، وإن لم يحتج إلى هذا الاعتبار في ثبوت المطلوب لما بينا ، كذا في فتح القدير مع بعض اختصار .
واعلم أنه كما يحرم عليه الاستمتاع بما بين السرة والركبة يحرم عليها التمكين منه ولم أر لهم صريحا حكم مباشرتها له ولقائل أن يمنعه ; لأنه لما حرم تمكينها من استمتاعه بها حرم فعلها بالأولى ولقائل أن يجوزه ; لأن حرمته عليه لكونها حائضا وهو مفقود في حقه فحل لها الاستمتاع به ولأن غاية مسها لذكره أنه استمتاع بكفها وهو جائز قطعا .
( تنبيهات )
وقع في بعض العبارات لفظ الاستمتاع وهو يشمل النظر واللمس بشهوة ووقع في عبارة كثير لفظ المباشرة والقربان ومقتضاها تحريم اللمس بلا شهوة فبينهما عموم وخصوص من وجه والذي يظهر أن التحريم منوط بالمباشرة ولو بلا شهوة بخلاف النظر ولو بشهوة وليس هو أعظم من تقبيلها [ ص: 209 ] في وجهها بشهوة كما لا يخفى ، وقد علم من عباراتهم أن يجوز الاستمتاع بالسرة وما فوقها وبالركبة وما تحتها والمحرم الاستمتاع بما بينهما وهي أحسن من عبارة بعضهم يستمتع بما فوق السرة وما تحت الركبة كما لا يخفى فيجوز له الاستمتاع فيما عدا ما ذكر بوطء وغيره ولو بلا حائل وكذا بما بينهما بحائل بغير الوطء ولو تلطخ دما ، ولا يكره طبخها ولا استعمال ما مسته من عجين أو ماء أو غيرهما إلا إذا توضأت بقصد القربة كما هو المستحب على ما قدمناه فإنه يصير مستعملا وفي فتاوى الولوالجي ولا ينبغي أن يعزل عن فراشها ; لأن ذلك يشبه فعل اليهود وفي التجنيس وغيره امرأة تحيض من دبرها لا تدع الصلاة ; لأن هذا ليس بحيض ويستحب أن تغتسل عند انقطاع الدم ، وإن أمسك زوجها عن الإتيان كان أحب إلي لمكان الصورة وهو الدم من الفرج . ا هـ . وقد قدمناه عن الخلاصة .
ويمنع الحيض الطواف بالبيت [ ص: 207 - 208 ] ( قوله : ولقائل أن يجوزه إلخ ) قال في النهر مقتضى النظر أن يقال بحرمة مباشرتها له حيث كانت بين سرتها وركبتها لا بما إذا كانت بما بين سرته وركبته كما إذا وضعت يدها على فرجه . ا هـ .
قال بعض الفضلاء وهو اعتراض وجيه ; لأن المباشرة مفاعلة وهي تكون من الجانبين فكما تحرم عليه يحرم عليها فقول البحر وهو مفقود مسلم لكنه لا يجدي ; لأنا لم نراع ذلك بل ما دامت متصفة بالحيض تحرم المباشرة سواء كانت منها أو منه . ا هـ .
وقال بعضهم ما قاله في النهر حسن والظاهر أنه مراد صاحب البحر كما يفهمه تعليله للقول الأول والتعليل الثاني للقول الثاني .
( قوله : والذي يظهر إلخ ) قال في النهر ولقائل أن يفرق بينهما بأن النظر إلى هذا الخاص بشهوة استمتاع بما لا يحل ، بخلاف التقبيل في الوجه كما هو ظاهر الوجه ا هـ .
لكن قال بعض الفضلاء يرد عليه أنه إن أراد بقوله استمتاع بما لا يحل أنه استمتاع بموضع لا تحل مباشرته فمسلم لكن لا يلزم من حرمة المباشرة حرمة النظر ، وإن أراد أنه استمتاع بموضع لا يحل النظر إليه فهو عين المدعى فكان مصادرة هذا والدليل مشرق على مدعي البحر وذلك أن الشارع إنما نهى عن المباشرة وهي أن يتلاقى الفرجان بلا حائل لكن لما كان للفرج حريم وهو ما بين السرة والركبة منع أيضا خشية الوقوع فيما عساه يقع فيه باقتراب هذا الموضع فإن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه أو يقال : إن الشارع حكيم وهذه المواضع لا تخلو عن لوث نجاسة فنهى عن القرب خشية التلوث فبقي النظر إلى هذه المواضع على أصل الإباحة بالزوجية فتحريمه لا دليل عليه . ا هـ .
قلت : وقد يقال إن النظر من الحوم حول الحمى ولهذا حرم في الأجنبية [ ص: 209 ] خشية الوقوع في المحرم ، ويؤيده ما في الاستحسان من الحقائق عن التحفة والخانية يجتنب الرجل من الحائض ما تحت الإزار عند الأول وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله يجتنب شعار الدم يعني الجماع وله ما سوى ذلك ، ثم اختلفوا في تفسير قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله قال بعضهم لا يباح الاستمتاع من النظر ونحوه بما دون السرة إلى الركبة ويباح ما وراءه وقال بعضهم يباح الاستمتاع مع الإزار . ا هـ . ومع النقل يبطل البحث والله تعالى الموفق .