البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله ولو سرق ضيف ممن أضافه أو سرق شيئا ولم يخرجه من الدار لا ) أي لا يقطع أما الأول فلأن البيت لم يبق حرزا في حقه لكونه مأذونا في دخوله ولأنه بمنزلة أهل الدار فيكون فعله خيانة لا سرقة أطلقه فشمل ما إذا سرق من البيت الذي أضافه فيه أو من بعض بيوت الدار سواء كان مقفلا أو من صندوق مقفل ذكره القدوري في شرحه ; لأن الدار مع جميع بيوتها حرز واحد فبالإذن في الدار اختل الحرز في جميع بيوتها ، وأما الثاني فلأن الدار كلها حرز واحد فلا بد من الإخراج منها وما فيها يد صاحبها معنى فتتمكن شبهة عدم الأخذ قيد بالسرقة ; لأنه يجب الضمان على الغاصب بمجرد الأخذ ، وإن لم يخرجه من الدار هو الصحيح ; لأنه يجب مع الشبهة .

( قوله : وإن أخرجه من حجرة إلى [ ص: 65 ] الدار وأغار من أهل الحجرة على حجرة أخرى أو نقب فدخل وألقى شيئا في الطريق ثم أخذه أو حمله على حمار فساقه وأخرجه قطع ) بيان لأربع مسائل الأولى لو كانت الدار فيها مقاصير فأخرجها من مقصورة إلى صحن الدار ، فإنه يقطع ; لأن كل مقصورة باعتبار ساكنها حرز على حدة فالمراد بالدار الكبيرة التي فيها منازل وفي كل منزل مكان يستغني به أهله عن الانتفاع بصحن الدار ، وإنما ينتفعون به انتفاع السكة وإلا فهي المسألة السابقة التي لا بد فيها من الإخراج من الدار الثانية لو أغار إنسان من أهل المقاصير على مقصورة فسرق منها قطع لما بينا ، والمراد أنه دخل مقصورة على غرة فأخذ بسرعة يقال أغار الفرس والثعلب في العدو إذا أسرع الثالثة : اللص إذا نقب البيت فدخل وأخذ المال ثم ألقاه في الطريق ثم خرج وأخذه ، فإنه يقطع وقال زفر لا يقطع ; لأن الإلقاء غير موجب للقطع كما لو خرج ولم يأخذ فكذا الأخذ من السكة كما لو أخذه من غيره ولنا أن الرمي حيلة يعتادها السراق لتعذر الخروج مع المتاع أو ليتفرغ لقتال صاحب الدار وللفرار ولم تعترض عليه يد معتبرة فاعتبر الكل فعلا واحدا قيد بقوله ثم أخذه ; لأنه لو لم يأخذه فهو مضيع لا سارق وكذا لو أخذه غيره . الرابعة : لو حمله على حمار وساقه وأخرجه ; لأن سيره مضاف إليه بسوقه قيد بالسوق ; لأنه لو لم يسقه وخرج بنفسه لم يقطع ، والمراد أن يكون متسببا في إخراجه فيشمل ما إذا علقه في عنق كلب وزجره ولو خرج بغير زاجر لم يقطع ; لأن للدابة اختيارا فما لم يفسد اختيارها بالحمل ، والسوق لا ينقطع نسبة الفعل إليها وكذا إذا علقه على طائر فطار به إلى منزل السارق ، فإنه لا يقطع ويشمل ما لو ألقاه في نهر في الدار وكان الماء ضعيفا وأخرجه بتحريك السارق ; لأن الإخراج مضاف إليه ، وإن أخرجه الماء بقوة جريه لم يقطع وقيل يقطع وهو الأصح ; لأنه أخرجه بسببه كذا في النهاية


[ ص: 65 ] قوله : فيها مقاصير ) قال في معراج الدراية المقصورة الحجرة بلسان أهل الكوفة ( قوله : ثم ألقاه في الطريق إلخ ) قال في الجوهرة هذا إذا رمى به في الطريق بحيث يراه وإلا فلا قطع عليه ، وإن خرج وأخذه ; لأنه صار مستهلكا قبل خروجه بدليل وجوب الضمان عليه ، فإذا وجب عليه الضمان باستهلاكه قبل خروجه لم يجب عليه قطع كما لو ذبح الشاة في الحرز وليس كذلك إذا رمى به بحيث يراه ; لأنه باق في يده ، فإذا خرج وأخذه صار كأنه خرج وهو معه . ا هـ .

( قوله : وقيل يقطع وهو الأصح ) قال في النهر يشكل عليه ما مر من مسألة الطائر ولذا والله تعالى أعلم جزم الحدادي بأنه لا قطع ولم يحك غيره . ا هـ .

وقد يدفع الإشكال بأن الطائر طار باختياره فلم يضف الفعل إلى السارق ; لأنه عرض على فعله فعل مختار ; لأن للدابة اختيارا كما مر ونظيره ما قالوه في الغصب لو حل قيد عبد غيره أو رباط دابته أو فتح باب إصطبلها أو قفص طائره فذهبت لا يضمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية