( باب البغاة ) أخره لقلة وجوده ولبيان حكم من يقتل من المسلمين بعد من يقتل من الكفار والبغاة جمع باغ من بغى على الناس ظلم واعتدى وبغى سعى بالفساد ومنه الفرقة الباغية لأنها عدلت عن القصد وأصله من بغى الجرح إذا ترامى إلى الفساد وبغت المرأة تبغي بغاء بالكسر والمد فجرت فهي بغي والجمع البغايا وهو وصف يختص بالمرأة ولا يقال للرجل بغي قاله الأزهري كذا في المصباح وفي القاموس الباغي الطالب والجمع بغاة وبغيان وفئة باغية خارجة عن طاعة الإمام العادل ا هـ . فقوله في فتح القدير
[ ص: 151 ] الباغي في عرف الفقهاء الخارج عن الإمام الحق تساهل لما علمت أنه في اللغة أيضا والخارجون عن طاعته ثلاثة قطاع الطريق وقد علم حكمهم وخوارج وبغاة وفرق بينهما في فتح القدير بأن الخوارج قوم لهم منعة وحمية خرجوا عليه بتأويل يرون أنه على باطل كفر أو معصية توجب قتاله بتأويلهم يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ويسبون نساءهم ويكفرون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمهم عند جمهور الفقهاء والمحدثين حكم البغاة وذهب بعض المحدثين إلى كفرهم قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر لا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وهذا يقتضي نقل إجماع الفقهاء وذكر في المحيط أن بعض الفقهاء لا يكفر أحدا من أهل البدع وبعضهم يكفرون بعض أهل البدع وهو من خالف ببدعته دليلا قطعيا ونسبه إلى أكثر أهل السنة والنقل الأول أثبت نعم يقع في كلام أهل المذاهب تكفير كثير لكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء والمنقول عن المجتهدين ما ذكرنا nindex.php?page=showalam&ids=12918وابن المنذر أعرف بنقل مذاهب المجتهدين وما ذكره محمد بن الحسن من حديث الحضرمي يدل على عدم تكفير الخوارج وأما البغاة فقوم مسلمون خرجوا على الإمام العدل ولم يستبيحوا ما استباحه الخوارج من دماء المسلمين وسبي ذراريهم ا هـ .
فما في البدائع من تفسير البغاة بالخوارج فيه قصور وإنما لا نكفر الخوارج باستحلال الدماء والأموال لتأويلهم وإن كان باطلا بخلاف المستحل بلا تأويل .
( باب البغاة ) .
[ ص: 151 ] ( قوله وحكمهم عند جمهور الفقهاء والمحدثين حكم البغاة ) قال العلامة إبراهيم الحلبي في باب الإمامة من شرح المنية والمراد بالمبتدع من يعتقد شيئا على خلاف ما يعتقده أهل السنة والجماعة وإنما يجوز الاقتداء به مع الكراهة إذا لم يكن ما يعتقده يؤدي إلى الكفر عند أهل السنة أما لو كان مؤديا إلى الكفر فلا يجوز أصلا كالغلاة من الروافض الذين يدعون الألوهية nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي أو أن النبوة له فغلط جبريل ونحو ذلك مما هو كفر وكذا من يقذف الصديقة أو ينكر صحبة الصديق أو خلافته أو يسب الشيخين وكالجهمية والقدرية والمشبهة القائلين بأنه تعالى جسم كالأجسام ومن ينكر الشفاعة أو الرؤية أو عذاب القبر أو الكرام الكاتبين أما من يفضل nindex.php?page=showalam&ids=8عليا فحسب فهو مبتدع من المبتدعة الذين يجوز الاقتداء بهم مع الكراهة وكذا من يقول أنه تعالى جسم لا كالأجسام ومن قال أنه تعالى لا يرى لجلاله وعظمته .
واعلم أن الحكم بكفر من ذكرنا من أهل الأهواء ونحوهم مع ما ثبت عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي من عمد تكفير أهل القبلة من المبتدعة كلهم محمله أن ذلك المعتقد نفسه كفر فالقائل به قائل بما هو كفر وإن لم يكفر بناء على كون قوله ذلك عن استفراغ وسعه مجتهدا في طلب الحق لكن جزمهم ببطلان الصلاة خلفهم لا يصحح هذا الجمع اللهم إلا أن يراد بعدم الجواز عدم الحل مع الصحة وإلا فهو مشكل هكذا ذكره الشيخ كمال الدين بن الهمام وعلى هذا يجب أن يحمل المنقول على ما عدا غلاة الروافض ومن ضاهاهم فإن أمثالهم لم يحصل منهم بذل وسع في الاجتهاد فإن من يقول بأن nindex.php?page=showalam&ids=8عليا هو الإله أو بأن جبريل غلط ونحو ذلك من السخف إنما هو متبع محض الهوى وهو أسوأ حالا ممن قال { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } فلا يتأتى من مثل الإمامين العظيمين أن لا يحكما بأنهم من أكفر الكفرة وإنما كلامهما في مثل من له شبهة فيما ذهب إليه وإن كان ما ذهب إليه عند التحقيق في حد ذاته كفرا كمنكر الرؤية وعذاب القبر نحو ذلك فإن فيه إنكار حكم النصوص المشهورة والإجماع إلا أن لهم شبهة قياس الغائب على الشاهد ونحو ذلك مما علم في الكلام وكمنكر خلافة الشيخين والساب لهما فإن فيه إنكار حكم الإجماع القطعي إلا أنهم ينكرون حجية الإجماع بإتهامهم الصحابة فكان لهم شبهة في الجملة وإن كانت ظاهرة البطلان بالنظر إلى الدليل فبسبب تلك الشبهة التي أدى إليها اجتهادهم لم يحكم بكفرهم مع أن معتقدهم كفر احتياطا بخلاف مثل من ذكرنا من الغلاة فتأمل ا هـ .