الرابعة في الاستدانة لأجل العمارة حيث لم يكن غلة قال في الذخيرة قال هلال إذا احتاجت الصدقة إلى العمارة وليس في يد القيم [ ص: 227 ] ما يعمرها فليس له أن يستدين عليها لأن الدين لا يجب ابتداء إلا في الذمة وليس للوقف ذمة والفقراء وإن كانت لهم ذمة إلا أنهم لكثرتهم لا تتصور مطالبتهم فلا يثبت الدين باستدانة القيم إلا عليه ودين يجب عليه لا يملك قضاءه من غلة هي على الفقراء وعن الفقيه أبي جعفر أن القياس هذا لكن يترك القياس فيما فيه ضرورة نحو أن يكون في أرض الوقف زرع يأكله الجراد ويحتاج إلى النفقة لجمع الزرع أو طالبه السلطان بالخراج جاز له الاستدانة لأن القياس يترك للضرورة .
قال والأحوط في هذه الصورة كونها بأمر الحاكم لأن ولاية الحاكم أعم في مصالح المسلمين من ولايته إلا أن يكون بعيدا عن الحاكم ولا يمكنه الحضور فلا بأس بأن يستدين بنفسه وهذا الذي روي عن الفقيه أبي جعفر مشكل لأنه جمع بين أكل الجراد والزرع وبين الخراج وتتصور الاستدانة في أكل الجراد الزرع لأن الزرع مال للفقراء وهذا الدين إنما يستدان لحاجتهم فأمكن إيجاب الدين في مالهم وأما باب الخراج فلا يتصور لأنه إن كان في الأرض غلة فلا ضرورة إلى الاستدانة لأن الغلة تباع ويؤدى منها الخراج وإن لم يكن في الأرض غلة فليس هنا إلا رقبة الوقف ورقبة الوقف ليست للفقراء .
ولا يستقيم إيجاب دين يحتاج إليه الفقراء في مال ليس لهم فهذا الفصل مشكل من هذا الوجه إلا أن يكون تصوير المسألة فيما إذا كان في الأرض غلة وكان بيعها متعذرا في الحال وقد طولب بالخراج قالوا ليس قيم الوقف في الاستدانة على الوقف كالوصي في الاستدانة على اليتيم لأن اليتيم له ذمة صحيحة وهو معلوم فتتصور مطالبته .
ألا ترى أن للوصي أن يشتري لليتيم شيئا بنسيئة من غير ضرورة وفي فتاوى nindex.php?page=showalam&ids=11903أبي الليث قيم وقف طلب منه الجبايات والخراج وليس في يده من مال الواقف شيء وأراد أن يستدين فهذا على وجهين إن أمر الواقف بالاستدانة فله ذلك وإن لم يأمره بالاستدانة فقد اختلف المشايخ فيه قال الصدر الشهيد والمختار ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11903الفقيه أبو الليث إذا لم يكن للاستدانة بد يرفع الأمر إلى القاضي حتى يأمره بالاستدانة ثم يرجع في الغلة لأن للقاضي هذه الولاية وإن كان لها بد ليس للقاضي هذه الولاية وفي واقعات الناطفي المتولي إذا أراد أن يستدين على الوقف ليجعل ذلك في ثمن البذر إن أراد ذلك بأمر القاضي فله ذلك بلا خلاف لأن القاضي يملك الاستدانة على الوقف فيملك المتولي ذلك بإذن القاضي وإن أراد ذلك بغير أمر القاضي ففيه روايتان .
وصرح في الخلاصة بأن الأصح ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11903الفقيه أبو الليث وفي الخانية قيم الوقف إذا اشترى شيئا لمرمة المسجد بدون إذن القاضي قالوا لا يرجع بذلك في مال المسجد وله أن ينفق على المرمة من ماله كالوصي في مال الصغير وإن أدخل المتولي جذعا من ماله في الوقف جاز وله أن يرجع في غلة الوقف . ا هـ .
وفي الخلاصة في مسألة الجذع والاحتياط أن يبيع الجذع من آخر ثم يشتريه لأجل الوقف ثم يدخله في دار الوقف ا هـ .
وفسر قاضي خان الاستدانة [ ص: 228 ] على الوقف بتفسيرين فقال في الثاني وتفسير الاستدانة بما ذكر إنما هو فيما إذا لم يكن في يده شيء من الغلة وأما إذا كان في يده شيء منها واشترى شيئا للوقف ونقد الثمن من ماله جاز له أن يرجع بذلك من غلته وإن لم يكن بأمر القاضي كالوكيل بالشراء إذا نقد الثمن من ماله فإنه يجوز له الرجوع به على موكله وقال في الأول أن لا يكون للوقف غلة فيحتاج إلى القرض والاستدانة أما إذا كان للوقف غلة فأنفق من مال نفسه لإصلاح الوقف فإن له أن يرجع في غلة الوقف . ا هـ .
ثم قال وللقيم الاستدانة على الوقف لضرورة العمارة لا لتقسيم ذلك على الموقوف عليهم ثم رقم ( بنك ) استقرض القيم لمصالح المساجد فهو على نفسه وبرقم ( عك ) لا أصدقه في زماننا وبرقم ( حم ) له ذلك وبرقم ( بق ) لا يستدين إلا بأمر القاضي ثم ذكر ما اختاره nindex.php?page=showalam&ids=11903الفقيه أبو الليث . ا هـ .
وفي جامع الفصولين من الفصل السابع والعشرين ولو أخذ المتولي دراهم الوقف وصرف دنانير إلى عمارة الوقف صح لو خيرا ولو أنفق عليه من مال نفسه يرجع ولو لم يشترط كوصي ثم رقم ( مق ) يرجع لو شرط وإلا لا ثم قال وذكر في العدة الاستدانة لضرورة مصالح الوقف تجوز لو أمر الواقف وإلا فالمختار أن يرفع إلى القاضي ليأمر بها ثم رقم ( فط ) الأحوط أن يرفع الأمر إليه إلا إذا تعذر الحضور لبعده فيستدين بنفسه وقيل يصح بلا رفع ولو أمكن ا هـ .
وفي الحاوي ويجوز للمتولي إذا احتاج إلى العمارة أن يستدين على الوقف ويصرف ذلك فيها والأولى أن يكون بإذن الحاكم . ا هـ .
والحاصل أن هلالا مانع من الاستدانة مطلقا وحمله nindex.php?page=showalam&ids=13633ابن وهبان على ما إذا كان بغير أمر القاضي وادعى أنه إذا كان بأمر القاضي فلا خلاف فيه والظاهر كما ذكره الطرسوسي خلافه لما علمت من تعليله وأما غير هلال فمنهم من جوز الاستدانة مطلقا للعمارة كما في جامع الفصولين والمعتمد في المذهب إن كان له منه بد لا يستدين مطلقا وإن كان لا بد له فإن كان بأمر القاضي جاز وإلا فلا والعمارة لا بد لها فيستدين لها بأمر القاضي وأما غير العمارة فإن كان للصرف على المستحقين لا تجوز الاستدانة ولو بإذن القاضي لأن له منه بدا كما صرح به في القنية بقوله لا لتقسيم ذلك على الموقوف عليهم وأن الاستدانة أعم من القرض والشراء بالنسيئة وفي البزازية من كتاب الوصايا لو استقرض المتولي إن شرط الواقف له له ذلك وإلا رفع إلى الحاكم إن احتاج ا هـ .
[ ص: 227 ] ( قوله نحو أن يكون في أرض الوقف زرع يأكله الجراد إلخ ) قال الرملي أقول : وبالأولى إذا غصب الأرض غاصب وعجز عن استردادها إلا بمال فله الاستدانة بالشرط المذكور للضرورة فهو وإن خالف القياس لكن يترك للضرورة وبه يندفع الإشكال الآتي ( قوله بأن الأصح ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11903الفقيه أبو الليث ) أي أنه ليس له ذلك إلا بإذن القاضي فيما لا بد منه رملي ( قوله وفي الخانية قيم الوقف إلخ ) أقول : في فتاوى الحانوتي إذا أشهد عند الإنفاق أنه أنفق ليرجع على الوقف يرجع . ا هـ .
وسيأتي ذكره منقولا عن جامع الفصولين رملي ( قوله ثم يشتريه لأجل الوقف ) أي بإذن القاضي ليوافق ما قبله عن الخانية تأمل ( قوله وفسر قاضي خان الاستدانة إلخ ) أقول : عبارة قاضي خان بعد أن ذكر أن القيم لا يملك الاستدانة إلا بأمر القاضي وتفسير الاستدانة أن يشتري للوقف شيئا وليس في يده شيء من غلة الوقف ليرجع بذلك فيما يحدث من غلة الوقف أما إذا كان في يده شيء من غلات الوقف فاشترى للوقف شيئا ونقد الثمن من مال نفسه ينبغي أن يرجع بذلك في غلة المسجد وإن لم يكن ذلك بأمر القاضي ثم قال بعد ورقة وليس للقيم أن يستدين بغير أمر القاضي وتفسير الاستدانة أن لا يكون للوقف غلة فيحتاج إلى القرض والاستدانة أما إذا كان للوقف غلة فأنفق من مال نفسه لإصلاح الوقف كان له أن يرجع بذلك في غلة الوقف . ا هـ .
قلت ويؤخذ من مجموع كلاميه أنه لو أنفق من ماله أو اشترى مع وجود مال للوقف يرجع ولو بلا أمر قاض وإن لم يكن معه مال للوقف فاشترى أو أنفق لا يرجع إلا بأمر ويظهر منه أن مراده بالقرض الإقراض لا الاستقراض لدخوله في الاستدانة وعلى هذا فقوله قبل هذا قيم الوقف إذا اشترى إلخ أي عند عدم مال في يده للوقف وقوله وله أن ينفق على المرمة من ماله أي إذا كان للوقف مال وحينئذ له الرجوع إن أشهد أنه أنفق ليرجع فيوافق ما سيأتي عن جامع الفصولين والظاهر أن الإشهاد لازم قضاء لا ديانة فلا يخالف [ ص: 228 ] كان له أن يرجع ( قوله سواء كانت غلته مستوفاة أو غير مستوفاة ) الظاهر أنه مبني على رواية عدم اشتراط الأمر من قاض ( قوله والحاصل أن هلالا منع من الاستدانة مطلقا ) قال الرملي أي بإذن وبغير إذن ( قوله لما علمت من تعليله ) قال الرملي أي تعليل هذا بقوله وليس للوقف ذمة . ا هـ .
قلت : لكن ما مر عن الواقعات صريح في أنه لا خلاف فيما إذا كان بأمر القاضي