وحاصله أن شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا لينقطع حق العبد عنه لقوله تعالى { وأن المساجد لله } بخلاف ما إذا كان السرداب أو العلو موقوفا لمصالح المسجد فإنه يجوز إذ لا ملك فيه لأحد بل هو من تتميم مصالح المسجد فهو كسرداب مسجد بيت المقدس هذا هو ظاهر المذهب وهناك روايات ضعيفة مذكورة في الهداية وبما ذكرناه علم أنه لو بنى بيتا على سطح المسجد لسكنى الإمام فإنه لا يضر في كونه مسجدا لأنه من المصالح فإن قلت : لو جعل مسجدا ثم أراد أن يبني فوقه بيتا للإمام أو غيره هل له ذلك قلت : قال في التتارخانية إذا بنى مسجدا وبنى غرفة وهو في يده فله ذلك وإن كان حين بناه خلى بينه وبين الناس ثم جاء بعد ذلك يبني لا يتركه وفي جامع الفتوى إذا قال عنيت ذلك فإنه لا يصدق . ا هـ .
فإذا كان هذا في الواقف فكيف بغيره فمن بنى بيتا على جدار المسجد وجب هدمه ولا يجوز أخذ الأجرة وفي البزازية ولا يجوز للقيم أن يجعل شيئا من المسجد مستغلا ولا مسكنا وقدمناه ولم يذكر المصنف حكم المسجد بعد خرابه وقد اختلف فيه الشيخان فقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد إذا خرب وليس له ما يعمر به وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر أو لخراب القرية أو لم يخرب لكن خربت القرية بنقل أهلها واستغنوا عنه فإنه يعود إلى ملك الواقف أو ورثته .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف [ ص: 272 ] هو مسجد أبدا إلى قيام الساعة لا يعود ميراثا ولا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر سواء كانوا يصلون فيه أو لا وهو الفتوى كذا في الحاوي القدسي وفي المجتبى وأكثر المشايخ على قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ورجح في فتح القدير قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف بأنه الأوجه قال وأما الحصر والقناديل فالصحيح من مذهب nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أنه لا يعود إلى ملك متخذه بل يحول إلى مسجد آخر أو يبيعه قيم المسجد للمسجد وفي الخلاصة قال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في الفرس إذا جعله حبيسا في سبيل الله فصار بحيث لا يستطاع أن يركب يباع ويصرف ثمنه إلى صاحبه أو ورثته كما في المسجد وإن لم يعلم صاحبه يشتري بثمنه فرسا آخر يغزى عليه ولا حاجة إلى الحاكم ولو جعل جنازة وملاءة ومغتسلا وقفا في محلة ومات أهلها كلهم لا ترد إلى الورثة بل تحمل إلى مكان آخر فإن صح هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد فهو رواية في البواري والحصر أنها لا تعود إلى الورثة .
وهكذا نقل عن الشيخ الإمام الحلواني في المسجد والحوض إذا خرب ولا يحتاج إليه لتفرق الناس عنه أنه تصرف أوقافه إلى مسجد آخر أو حوض آخر واعلم أنه يتفرع على الخلاف بين nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد فيما إذا استغنى عن المسجد لخراب المحلة والقرية وتفرق أهلها ما إذا انهدم الوقف وليس له من الغلة ما يمكن به عمارته به أنه يبطل الوقف ويرجع النقض إلى بانيه أو ورثته عند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد خلافا nindex.php?page=showalam&ids=14954لأبي يوسف .
وأراد الرد على الصدر الشهيد وأقول : بل النظر واقع موقعه لأن الفتوى على قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في المسجد فكذا فيما يبتني عليه nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد يقول بجواز الاستبدال عند الخراب فكيف ينقل عنه القول ببطلان الوقفية في مسألة الحانوت ولقد رجع في فتح القدير إلى الحق حيث قال وفي الفتاوى الظهيرية سئل الحلواني عن أوقاف المسجد إذا تعطلت وتعذر استغلالها هل للمتولي أن يبيعها ويشتري بثمنها أخرى قال نعم وروى هشام عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد إذا صار الوقف بحيث لا ينتفع به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره وعلى هذا فينبغي أن لا يفتى على قوله برجوعه إلى ملك الواقف وورثته بمجرد تعطله أو خرابه بل إذا صار بحيث لا ينتفع به يشترى بثمنه وقف يستغل [ ص: 273 ] ولو كانت غلته دون غلة الأولى في فتاوى قاضي خان وقف على مسمين خرب ولا ينتفع به ولا يستأجر أصله يبطل الوقف ويجوز بيعه وإن كان أصله يستأجر بشيء قليل يبقى أصله وقفا . ا هـ .
ويجب حفظ هذا فإنه قد تخرب الدار وتصير كوما وهي بحيث لو نقل نقضها استأجر أرضها من يبني أو يغرس ولو بقليل فيغفل عن ذلك وتباع كلها للواقف مع أنه لا يرجع منها إليه إلا النقض فإن قلت : على هذا تكون مسألة الرباط التي ذكرناها مقيدة بما إذا لم تكن أرضه بحيث تستأجر قلنا لا لأن الرباط موقوف للسكنى وامتنعت بانهدامه بخلاف هذه فإن المراد وقف لاستغلال الجماعة المسلمين . ا هـ .
وبه علم أن الفتوى على قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في آلات المسجد وعلى قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف في تأبيد المسجد وأما قياسه في فتح القدير الحصير على الجنازة والنعش فغير صحيح لما في الخانية إذا وقف جنازة أو نعشا أو مغتسلا وهو التور العظيم في محلة خربت المحلة ولم يبق أهلها قالوا لا ترد إلى ورثة الواقف بل تحول إلى محلة أخرى أقرب إلى هذه المحلة فرقوا بين هذا وبين المسجد إذا خرب ما حوله على قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد يصير ميراثا لأن المسجد مما لا ينقل إلى مكان آخر وهذه الأشياء مما تنقل ا هـ .
وفي القنية حوض أو مسجد خرب وتفرق الناس عنه فللقاضي أن يصرف أوقافه إلى مسجد آخر ولو خرب أحد المسجدين في قرية واحدة فللقاضي صرف خشبه إلى عمارة المسجد [ ص: 274 ] الآخر إذا لم يعلم بانيه ولا وارثه وإن علم يصرفها هو بنفسه قلت : إن شاء ولو خرب الحوض العام فكبسه إنسان وبنى عليه حوانيت فللقاضي أن يأخذ أجر مثل الأرض ويصرفه إلى حوض آخر من تلك القرية ا هـ .
[ ص: 272 ] ( قوله وأما الحصير والقناديل إلخ ) قال الرملي وقال nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد كل ذلك للذي وقفه وبسطه يتصرف في ذلك كيف شاء قال بعضهم والفتوى على قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد وإن لم يعلم الواقف ولا وارثه لا بأس لأهل المسجد أن يدفعوه إلى فقير ولهم أن يبيعوه ثم يبتاعوا بثمنه حصرا أخر والصحيح أنه لا يجوز بيعهم إلا بإذن القاضي فإن لم يكن هناك قاض جاز بيعهم أقول : قوله والصحيح أنه لا يجوز إلخ قال بعض المتأخرين الصحيح أنه يجوز بغير إذن لما علم من فساد قضاة هذا الزمان فإنه ربما باعه القاضي وأكل ثمنه وقد شاهدنا منهم ما هو أعظم من هذا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ( قوله فقول من قال جنس هذه المسائل نظر ) بين المؤلف وجه النظر قبيل قول المتن ولا يقسم بأن الوقف بعدما خرج إلى الله تعالى لا يعود إلى ملك الواقف ( قوله غير واقع موقعه ا هـ . ) أي ا هـ . كلام الفتح .
( قوله وأقول : بل النظر واقع موقعه ) قال الرملي ما ادعاه من التدافع بين كلام nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد غير واقع لأن بيعه إنما هو رواية هشام عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد وعدم جواز البيع هو المذكور في السير الكبير وعليه تفرع عوده إلى ملك الواقف أو ورثته فلا تدافع نعم المعمول به ما رواه هشام كما مر عن الظهيرية والله تعالى هو الموفق كذا في النهر ( قوله ولقد رجع في فتح القدير إلى الحق ) .
انظر ما المراد بهذا الحق الذي رجع إليه وما الباطل الذي رجع عنه ولعل المؤلف فهم من قول الفتح واعلم أنه يتفرع على الخلاف إلى قوله عند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد خلافا nindex.php?page=showalam&ids=14954لأبي يوسف أنه جرى على قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد كما يشعر به رده على الصدر الشهيد حيث نظر في هذه المسائل المبنية على قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أنه في الفتح رجح أولا قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف بأنه أوجه ولكن يبقى الكلام في قوله ولقد رجع إلى الحق فإن ما ذكره هنا هو أيضا على قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد تأمل ( قوله بل إذا صار بحيث لا ينتفع به ) .
حاصل هذا كما يعلم من سابق كلامه ولاحقه أن الأرض إذا كانت للغلة لا تخرج عن الانتفاع بالكلية بالخراب بل الاستغلال حاصل بعده بإيجارها للبناء أو الغراس بخلاف المعدة للسكنى ونحو الرباط والحانوت فإنها بالخراب تخرج عما قصده الواقف فلا ينبغي أن يفتى على قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد برجوع الوقف إلى ملك الواقف أو ورثته مطلقا لكن يرد عليه أن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمدا القائل بعود المسجد بعد خرابه أو تفرق أهل القرية إلى الملك مع أن احتمال عود العمارة قائم وقد يصلي فيه المجتازون [ ص: 273 ] كما ذكروه من جهة nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف إيرادا على nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد .
( قوله وقال بعضهم لا يجوز إلا بإذن القاضي وهو الصحيح ) لا تنس ما قدمنا آنفا عن الرملي ( قوله وأما قياسه في فتح القدير الحصير إلخ ) أي حيث قال فيما سبق فإن صح هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد فهو رواية في البواري والحصر أنها لا تعود إلى الوارث والإشارة بقوله فإن صح هذا إلى الجنازة والملأة والمغتسل فقد جعل الرواية في هذه الثلاثة رواية في الحصير وقد فرق بينهما في الخانية فأنه فيما مر آنفا جعل الفتوى على قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في آلات المسجد إذا خرب من أنها تعود إلى الملك .
وفي الجنازة ونحوها مشى على أنها لا تعود لكن لا يخفى أن التعليل بكونه مما ينقل يشمل الكل فليتأمل ثم رأيت ما ذكره في الفتح مذكورا في الذخيرة عن واقعات الصدر الشهيد حيث نقل أولا ما ذكره المؤلف هنا عن الخانية مع الفرق المذكور ثم قال وفي هذه الفصول نوع إشكال وينبغي أن يعود إلى ملك الوارث عند nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد على قياس مسألة الحصر والبواري ولئن صح هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد تصير هذه المسائل رواية في الحصير والبواري أنه لا يعود إلى ملك الوارث .
( قوله وفي القنية حوض إلخ ) وفي الخانية رباط بعيد استغنى عنه المارة وبجنبه رباط آخر قال السيد الإمام أبو شجاع تصرف غلته إلى الرباط الثاني كالمسجد إذا خرب واستغنى عنه أهل القرية فرفع ذلك إلى القاضي فباع الخشب وصرف الثمن إلى مسجد آخر جاز وقال بعضهم إذا خرب الرباط أو المسجد واستغنى الناس عنهما يصير ميراثا وكذا حوض العامة إذا خرب . ا هـ .
لكن ذكر الشرنبلالي في رسالته أن هذا مخالف لما مر عن الحاوي وغيره فهو خلاف المفتى به وخلاف الصحيح المذكور في خزانة المفتين قال وبذلك تعلم فتوى بعض المشايخ في عصرنا بما يخالف ذلك مما ذكره في القنية وغيرها بل ومن كان قبلهم كالشيخ الإمام أمين الدين محمد بن عبد العال والشيخ الإمام أحمد بن يونس الشلبي والشيخ زين بن نجيم والشيخ محمد الوفائي فمنهم من أفتى بنقل بناء المسجد ومنهم من أفتى بنقله ونقل ماله إلى مسجد آخر وقد مشى الشيخ الإمام محمد بن سراج الدين الحانوتي على القول المفتى به من عدم نقل بناء المسجد ولم يوافق المذكورين ا هـ .
لكن الشرنبلالي جعل ما ذكر خاصا بالمسجد أما الحوض والبئر ونحوهما فقال يجوز نقله إلى آخر كالحصير تأمل هذا وقد وقعت هذه الحادثة سئلت عنها في أمير أراد نقل أحجار من مسجد خراب في سفح جبل قاسيون في دمشق وأراد أن يبلط بها صحن الجامع الأموي فأفتيت بأنه ليس له ذلك ثم بلغني أن بعض المتغلبين نقل الأحجار المذكورة إلى عمارة داره فندمت على ما أفتيت به ثم رأيت الآن في الذخيرة قال وفي فتاوى النسفي سئل شيخ الإسلام [ ص: 274 ] عن أهل قرية رحلوا وتداعى مسجد القرية إلى الخراب وبعض المتغلبة يستولون على خشب المسجد وينقلونه إلى دورهم هل لواحد من أهل المحلة أن يبيع الخشب بأمر القاضي ويمسك الثمن ليصرفه إلى بعض المساجد أو إلى هذا المسجد قال نعم وحكى أنه وقع ( قوله قلت : إن شاء ) هو من كلام القنية وفائدته أنه إذا عاد إلى ملك بانيه أو وارثه لا يلزم بصرفه بل إن شاء صرفه وإن شاء أبقاه وهذا بناء على قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أما على قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف فقد تقدم أنه لا يجوز نقله ولا نقل ماله إلى آخر وصلى الله على سيدنا nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد وعلى آله وصحبه وذريته وسلم تسليما آمين .