البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله ولو باع المبيع فرد عليه بعيب بقضاء يرد على بائعه ولو برضاه لا ) أي لا يرده على بائعه الأول لأنه بالقضاء فسخ من الأصل فجعل البيع كأن لم يكن غاية الأمر أنه أنكر قيام العيب لكنه صار مكذبا شرعا بالقضاء كما في الهداية ومنهم من جعله قول أبي يوسف وعند محمد ليس له أن يخاصم بائعه لتناقضه وعامتهم على أنه إن سبق منه جحود نصا بأن قال بعته وما به هذا العيب وإنما حدث عندك ثم رد عليه بقضاء ليس له أن يخاصم بائعه ومنهم من حملها على ما إذا كان ساكنا والبينة تجوز على الساكت ويستحلف الساكت أيضا لتنزيله منكرا كذا في المعراج أطلقه فشمل القضاء بإقرار وببينة ونكول عن اليمين .

ومعنى القضاء بالإقرار أنه أنكر الإقرار فأثبت بالبينة كما في الهداية أو أقر وأبى القبول فقضى عليه كما في الكافي وصورة الإقرار أن يقول اشتريته وبه ذلك العيب ولم أعلم به وقضى به ثم ادعاه على بائعه وبرهن ببينة أو استحلف بائعه كذا في الولوالجية وليس المراد منه أنه بمجرد القضاء عليه بإقراره برده فليتأمل وإن قبله بغير قضاء ليس له رده على بائعه لأنه بيع جديد في حق الثالث وإن كان فسخا في حقهما والأول ثالثهما وأطلقه فشمل ما يحدث مثله وما لا يحدث مثله وهو قول العامة وتقييده في الجامع الصغير بما يحدث ليعلم حكم ما لا يحدث بالأولى وفي بعض روايات الأصل أن ما لا يحدث مثله فالرضا به كالقضاء وترك المصنف قيدا آخر وهو أن يكون بعد قبض المبيع لأنه لو كان قبل قبضه فهو فسخ في حق الكل سواء كان بقضاء أو رضا .

كذا في المعراج معزيا إلى المبسوط وقيد آخر وهو أن يكون البيع قبل الاطلاع على العيب إذ لو كان بعده ليس له الرد على بائعه ولو رد عليه بما هو فسخ كذا في الصغرى وأورد على كونه فسخا مسائل الأولى لو كان المبيع عقارا فرد بعيب لم يبطل حق الشفيع في الشفعة الثانية لو باع أمته الحبلى وسلمها ثم ردت بعيب بقضاء ثم ولدت فادعاه أبو البائع لم تصح دعوته ولو كان فسخا لصحت كما لو لم يبعها الثالثة لو أحال البائع غريمه على المشتري بالثمن ثم رد المبيع بعيب بقضاء لم تبطل الحوالة ولو كانت فسخا لبطلت وأجاب في المعراج بأنه فسخ فيما يستقبل لا في الأحكام الماضية ولهذا قال شيخ الإسلام قول القائل الرد بالقضاء يجعل العقد كأن لم يكن تناقض لأن العقد إذا جعل كأن لم يكن جعل الفسخ كأن لم يكن لأن الفسخ بدون العقد لا يتصور فإذا انعدم العقد من أصله انعدم الفسخ من الأصل وإذا انعدم الفسخ من الأصل عاد العقد لانعدام ما ينافيه ولكن يقال يجعل العقد كأن لم يكن في المستقبل لا في الماضي ا هـ .

والدليل على أن الفسخ إنما هو في المستقبل أن زوائد المبيع للمشتري ولا يردها مع الأصل ولهذا لو وهب مالا قبل تمام الحول ثم رجع الواهب بعد الحول لا تجب الزكاة عليه فيما مضى كذا في المعراج ولو وهب دارا وسلمها فبيعت دار بجنبها فأخذها الموهوب له بالشفعة ثم رجع الواهب فيها لم يكن له الأخذ بشفعة كذا في فتح القدير وقد كتبنا في الفوائد أن الرد بالعيب [ ص: 61 ] بقضاء فسخ إلا في مسألة وإذا لم يرده في صورة الرضا لا رجوع له بالنقصان أيضا كما في المعراج وإذا كان له الرد فله الرجوع بالنقصان كما في التهذيب يعني لو حدث عيب ورده بقضاء فله الأرش ولو برضا لا وقيد بالمبيع وهو العين احترازا عن الصرف فإنه يجعل فسخا إذا رد بعيب لا فرق بين القضاء والرضا لأنه لا يمكن أن يجعل بيعا جديدا لأن الدينار هنا لا يتعين في العقود فإذا اشترى دينارا بدرهم ثم باع الدينار من آخر ثم وجد المشتري الثاني بالدينار عيبا ورده على المشتري بغير قضاء فإنه يرده على بائعه لما ذكرنا كما في المحيط والخانية .

وفي الكافي المبيعان هنا واحد لأن المعيب ليس بمبيع بل المبيع السليم فيكون المبيع ملك البائع فإذا رده على المشتري يرده على بائعه أما هنا المبيعان موجودان فإذا قيل بغير قضاء فقد رضي بالعيب فلا يرده على بائعه ا هـ .

وذكر في الظهيرية ثم قال بعده وعلى هذا إذا قبض رجل دراهم على رجل وقضاها من غريمه فوجدها الغريم زيوفا فردها عليه بغير قضاء فله أن يردها على الأول . ا هـ .

وخرج عن قوله بقضاء مسألة ذكرها في المبسوط لو أقام المشتري الثاني أن العيب كان عند المشتري الأول ولم يشهد أنه كان عند البائع الأول فليس للمشتري الأول المخاصمة مع بائعه إجماعا لأن المشتري الأول لم يصر مكذبا فيما أقر به ولم يوجد هنا قضاء على خلاف ما أقر به فبقي إقراره بكونها سليمة فلا يثبت له ولاية الرد ولكن لم يذكره محمد كذا في فتح القدير والمعراج .

اعلم أن القن إذا حكم برده بعيب الإباق على بائعه فاشتراه آخر فأبق عنده فله الرد على بائعه بالإباق السابق المحكوم به كما في الظهيرية وإقرار المشتري الأول بإباقه لا ينفذ على من لم يشتر منه من الباعة بخلاف إقرار البائع الأول بدين على العبد فإن للمشتري الآخر أن يرده على بائعه بإقرار الأول كما فيها أيضا وفي التهذيب للقلانسي لو وهب وسلم ثم رجع فيه بقضاء أو رضا فله الرد ا هـ .

ثم معنى قوله يرد على بائعه أن له أن يخاصم الأول ويفعل ما يجب أن يفعل عند قصد الرد ولا يكون الرد عليه ردا على بائعه بخلاف الوكيل بالبيع فإنه إذا رد عليه ما باعه بعيب بقضاء ببينة أو نكول أو بإقرار [ ص: 62 ] من المأمور بالبيع حيث يكون ردا على موكله من غير حاجة إلى خصومة لأن تعدادها عند تعدد البيع وهنا البيع واحد فإذا ارتفع رجع إلى الموكل وهذا الإطلاق قيده فخر الإسلام بعيب لا يحدث مثله أما فيما يحدث مثله لا يرده بإقرار المأمور وإنما تعدى النكول إلى الموكل مع أنه إما إقرار أو بذل وليس له البذل لكونه ليس إقرارا ولا بذلا حقيقة وإنما جرى مجراه بدليل أنه لو عاد وحلف بعد نكوله صح ولو كان إقرارا لم يصح وصح القضاء بنكول المأذون عنها ولو كان بذلا حقيقة لم يصح فلا يلزم إجراؤه في كل الأحكام وفي الإيضاح إن رد على الوكيل بعيب لا يحدث مثله بإقراره لا يرد وهو أوجه .

وفي البزازية والوكيل بالعيب رد عليه بعيب بلا قضاء اقتصر عليه وأن لا يحدث مثله في المدة هو الصحيح وإن بقضاء ولا يحدث مثله في المدة ينظر جوابه والرد على الوكيل رد على الموكل مطلقا وأن يحدث مثله في المدة فإن بنكول أو ببينة فرد على الموكل وإن بإقرار فعلى الوكيل وله أن يخاصم الموكل والوكيل بالشراء له أن يخاصم قبل الدفع إلى الموكل كالمضارب فإن برهن البائع على رضا الآمر أو أقر به الوكيل سقط الرد ولا يحلف الآمر على الرضا ولا وكيله ويرده الموكل بعد موت الوكيل بعيب وإذا رده المشتري على الوكيل استرد الثمن منه إن كان نقده إليه وإلا فمن الموكل . ا هـ .

وفي الولوالجية إذا رد على الوكيل بإقراره بالعيب بلا قضاء لزمه دون الموكل هو الصحيح مطلقا .

وظاهر ما في البزازية من الوكالة وهنا أن له أن يخاصم الموكل فليراجع وقيد بخيار العيب لأنه لو رد على المشتري بخيار رؤية أو شرط فإنه يرده على بائعه سواء كان بقضاء أو رضا لكونه فسخا في حق الكل كما في المعراج والبزازية معزيا إلى الجامع جدد البائع مع المشتري ثانيا بأقل من الثمن الأول أو أكثر ثم رد عليه بعيب لم يكن له أن يرد على بائعه الأول ا هـ .

وفي الصغرى الغاصب إذا باع المغصوب وسلم فضمن القيمة للمالك ثم رد عليه بعيب فله أن يرد على المالك ويسترد القيمة لأن سبب الضمان البيع والتسليم وقد صار ذلك كأن لم يكن . ا هـ .

وقيد بقوله فرد لأنه لو باعه فاطلع مشتريه على عيب قديم به لا يحدث مثله وحدث عنده عيب ورجع بنقصان العيب القديم فعند أبي حنيفة لا يرجع البائع على بائعه بنقصان العيب القديم وعندهما له أن يرجع كذا ذكره الإسبيجابي ومثله في الصغرى .


( قوله وليس المراد منه إلخ ) أي بل لا بد فيه من المخاصمة كما سيذكره في هذه السوادة .

[ ص: 61 ] ( قوله فيكون المبيع ملك البائع ) حق التعبير أن يقول فيكون المعيب تأمل ( قوله وعلى هذا إذا قبض رجل إلخ ) قال في المبسوط وإذا كان أجر الدار عشرة دراهم أو قفيز حنطة موصوفة وأشهد المؤجر أنه قبض من المستأجر عشرة دراهم أو قفيز حنطة ثم ادعى أن الدراهم نبهرجة وأن الطعام معيب فالقول قوله لأنه منكر استيفاء حقه فإن ما في الذمة يعرف بصفة ويختلف باختلاف الصفة فلا مناقضة في كلامه فاسم الدراهم يتناول النبهرجة واسم الحنطة يتناول المعيب وإن كان حين أشهد فقال قبضت من أجر الدار عشرة دراهم أو قفيز حنطة لم يصدق بعد ذلك على ادعاء العيب والزيف وكذلك لو قال استوفيت أجر الدار ثم قال وجدته زيوفا لم يصدق ببينة ولا غيرها لأنه قد سبق منه الإقرار بقبض الجياد فإن أجر الدار من الجياد فيكون هو مناقضا في قوله وجدته زيوفا والمناقض لا قول له ولا تقبل بينته ا هـ .

كذا نقله الإمام الطرسوسي في أنفع الوسائل ثم قال وإذا تقرر لنا هذا في الإجارة والأجرة عديناه إلى استيفاء الأثمان في البياعات والديون في المعاملات فإن العلة تجمع الكل فنقول إذا دفع إليه دراهم وهي ثمن متاع ثم جاء البائع وأراد أن يرد عليه شيئا وأنكر المشتري أنه من دراهمه فإن كان البائع أقر بقبض الثمن لم يقبل قوله ولا يلزم المشتري دفع عوضه وينبغي أن البائع لو اختار تحليف المشتري أنه ما يعلم أن هذا من دراهمه يحلفه القاضي فإن نكل يردها عليه وإن كان البائع لم يقر بقبض الثمن أو ألحق الذي على المشتري من جهة هذا البيع وإنما أقر بقبض دراهم مثلا فالقول للبائع لأنه منكر استيفاء حقه ولم يتقدم منه ما يناقض دعواه فيقبل قوله مع يمينه وكذلك الديون أيضا وهذا كله إذا كان الذي يرده زيوفا أو نبهرجة فإذا كان ستوقة لم يقبل قوله لأنه ناقض كلامه لأن الستوقة ليس من جنس الدراهم وحاصل ما قالوه في تفسير ذلك أن الزيوف أجود الكل وبعدها النبهرجة وبعدها الستوقة فيكون الزيوف بمنزلة الدراهم التي يقبلها بعض الصيارف دون بعض والنبهرجة ما يردها الصيارف وهي التي تسمى معيرة ولكن الفضة فيها أكثر والستوقة بمنزلة الزغل وهي التي نحاسها أكثر من فضتها فالزيوف والنبهرجة يكون القول فيهما قول القابض إذا لم يقر باستيفاء الحق أو الأجرة أو الجياد بل يكون أقر بقبض كذا من الدراهم ثم يدعي أن بعضها زيوف أو نبهرجة فيقبل قوله ويردها وأما إذا قال إنها ستوقة بعد ما أقر بقبض الدراهم لا يقبل قوله ولا يردها ا هـ ما في أنفع الوسائل ملخصا .

( قوله ثم معنى قوله يرد على بائعه إلخ ) قال الرملي يعني أن القضاء على البائع الأخير بالرد ليس بقضاء على الباعة كلهم بخلاف الاستحقاق فإنه إذا حكم به على المشتري الأخير يكون حكما على كل الباعة كما في جامع الفصولين وغيره [ ص: 62 ] ( قوله وظاهر البزازية ) إلى آخر ما مر عن البزازية صريح في ذلك لكن في الخانية الوكيل بالبيع إذا باع ثم خوصم في عيب فقبل المبيع بغير قضاء لزم الوكيل ولا يلزم الموكل ولا يكون للوكيل أن يخاصم الموكل فإن خاصمه وأقام البينة على أن هذا العيب كان عند الموكل لا تقبل بينته لأن الرد بالعيب بغير قضاء بمنزلة الإقالة فيجعل في حق الموكل كان الوكيل اشتراه من المشتري هذا إذا كان عيبا يحدث مثله فلو قديما لا يحدث مثله ففي بعض روايات البيوع أنه يلزم الآمر وفي عامة روايات البيوع والرهن والوكالة والمأذون أنه يلزم الوكيل دون الموكل وهو الصحيح وبه أخذ الفقيه أبو بكر البلخي [ ص: 63 ] لأن الرد بغير قضاء في حق الموكل بمنزلة الإقالة سواء كان العيب قديما أو لا إلخ

التالي السابق


الخدمات العلمية