البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله واللبس والركوب والمداواة رضا بالعيب ) لأنه دليل الاستبقاء في ملكه أطلق الركوب وهو مقيد بما إذا ركبها في حاجته لما سيصرح به وكذا المداواة إنما تكون رضا بعيب داواه أما إذا داوى المبيع من عيب قد برئ منه البائع وبه عيب آخر فإنه لا يمتنع رده كما في الولوالجية وفي خزانة الفقه اختلفا قال البائع ركبتها لحاجتك وقال المشتري لأردها عليك فالقول للمشتري وقيد بخيار العيب لأن هذه الأشياء لا تسقط خيار الشرط لأن الخيار هناك للاختبار وأنه بالاستعمال فلا يكون مسقطا وقيد بهذه الأشياء لأن الاستخدام بعد العلم بالعيب لا يكون رضا استحسانا لأن الناس يتوسعون فيه وهو للاختبار .

هكذا أطلقه في المبسوط ونقل عن السرخسي في البزازية أن الصحيح أن الاستخدام رضا بالعيب في المرة الثانية إلا إذا كان في نوع آخر وفي الصغرى الاستخدام مرة واحدة لا يكون رضا إلا إذا كان على كره من العبد . ا هـ .

( قوله لا الركوب للسقي أو للرد أو لشراء العلف ) أي لا يكون الركوب لهذه الأشياء رضا بالعيب أطلقه وهو كذلك في الرد وأما في السقي وشراء العلف فلا بد أن يكون لا بد له منه لصعوبتها أو لعجزه أو لكون العلف في عدل واحد أما إذا كان له بد منه فهو رضا كما في الهداية وفي جامع الفصولين ادعى عيبا في حمار فركبه ليرده فعجز عن البينة فركبه جائيا فله الرد ا هـ .

وفي البزازية لو ركب لينظر إلى سيرها أو لبس لينظر إلى قدها فهو رضا وفي فتح القدير وجد بها عيبا في السفر فحملها فهو عذر وأشار المؤلف رحمه الله تعالى باللبس وأخويه لغير حاجة إلى أن كل تصرف يدل على الرضا بالعيب بعد العلم به يمنع الرد والأرش فمن ذلك البيع والعرض عليه وكتبنا في الفوائد إلا في الدراهم إذا وجدها البائع زيوفا فعرضها على البيع فإنه لا يمنع الرد على المشتري لأن ردها لكونها خلاف حقه لأن حقه في الجياد فلم تدخل الزيوف في ملكه بخلاف المبيع العين فإنه ملكه [ ص: 71 ] فالعرض رضا بعيبه ولا فرق بين أن يكون البائع في المسألتين قال له اعرضها على البيع فإن لم تشتر منك ردها علي أو لا قيدنا بالبيع لأنه لو اشترى ثوبا فعرضه على الخياط لينظره أيكفيه أم لا لم يبطل حقه في رده بعيب .

وكذا لو عرضها على المقومين لتقوم كما في جامع الفصولين وفي البزازية لو قال له البائع بعد الاطلاع أتبيعها قال نعم لزم ولا يتمكن من الرد قال الشيخ الإمام وينبغي أن يقول بدل قوله نعم لا لأن نعم عرض على البيع ولا تقرير لمكنته وفيها الاستقالة بعد الاطلاع لا تمنع الرد بخلاف العرض ومن ذلك الإجارة والعرض عليها والمطالبة بالغلة والرهن والكتابة وهذا إذا كان بعد العلم بالعيب فإن أجره ثم علم به فله نقضها للعذر ويرده بخلاف الرهن لأنه لا يرده إلا بعد الفكاك كذا في جامع الفصولين ومنه إرسال ولد البقرة عليها ليرتضع منها أو حلبه لبن الشاة أو شرب اللبن وهل يرجع بالنقصان قولان وليس منه أكل ثمر الشجر وغلة القن والدار وإرضاع الأمة ولد المشتري وإتلاف كسب المبيع بعد علمه وضرب العبد إن لم يؤثر الضرب فيه فإن أثر فلا رد ولا رجوع وليس منه جز صوف الغنم إن نقصه فإن لم ينقصه فله الرد .

وكذا قطف الثمار إن لم ينقص واستشكله في جامع الفصولين بأنه ينبغي أن لا يرد لأنها زيادة منفصلة متولدة وهي تمنع الرد ولم أر فيها خلافا ولكن يظهر من هذا أن فيها روايتين ومنه كما في البزازية الوطء بكرا كانت أو ثيبا نقصها أو لا فلا رد ولا رجوع وكذا لو قبلها بشهوة أو لمسها لكن يرجع بالنقص إلا أن يقبلها البائع وإن وطئها الزوج إن ثيبا ردها وإن بكرا لا وسكنى الدار أي ابتداؤها لا الدوام ومنه سقي الأرض وزراعتها وكسح الكرم والبيع كلا أو بعضا بعد الاطلاع مانع من الرد والرجوع .

وكذا الهبة والإعتاق مطلقا كذا في البزازية وفيها دفع باقي الثمن بعد العلم بالعيب رضا وفي الواقعات الهبة رضا وإن لم يسلم العين إلى الموهوب له لأنها أقوى من العرض ا هـ .

وفيها لو عرض نصف الطعام على البيع لزمه النصف ويرد النصف كالبيع وجمع غلات الضيعة رضا وكذا تركها لأنه تضييع وفي فتح القدير هنا أن خيار العيب على التراخي عندنا فلا يبطل بعد العلم به بالتأخير .


( قوله أطلقه وهو كذلك في الرد إلخ ) قال في الشرنبلالية جعل الركوب للرد غير مانع مطلقا وللسقي وشراء العلف غير مانع مع الضرورة ضعيف لما قال الزيلعي لا يكون الركوب ليسقيها الماء أو ليردها على البائع أو ليشتري لها العلف رضا بالعيب وهذا استحسان لأنه محتاج إليه وقد لا تنقاد ولا تنساق فلا يكون دليل الرضا إلا إذا ركبها في حاجة نفسه وقيل تأويله إذا لم يكن له بد من الركوب إن كان العلف في عدل واحد ولا تنساق ولا تنقاد وقيل الركوب للرد لا يكون كيفما كان لأنه سبب للرد ولغيره يكون رضا إلا عن ضرورة ا هـ .

وفي المواهب الركوب للرد أو للسقي أو لشراء العلف لا يكون رضا مطلقا في الأظهر ا هـ .

[ ص: 71 ] ( قوله وليس منه جز صوف الغنم ) ظاهره أنه عطف على قوله وليس منه أكل ثمر الشجر إلخ أي مما يمنع الرد فيفيد أن جز الصوف أن نقصه ليس مما يمنع الرد أيضا مع أنه مما يمنع الرد بدليل قوله فإن لم ينقصه فله الرد تأمل ( قوله فلا رد ولا رجوع ) هذا مخالف لما قدمه في شرح قوله ومن اشترى ثوبا فقطعه إلخ عن الظهيرية من أن له أن يرجع بالنقصان ( قوله وكذا لو قبلها بشهوة ) قال في البزازية قال التمرتاشي قول السرخسي رحمه الله تعالى التقبيل بشهوة يمنع الرد محمول على ما بعد العلم بالعيب ا هـ .

وفيها قبل هذا وطء الثيب يمنع الرد بالعيب والرجوع بالنقصان وكذا التقبيل والمس بشهوة لأنه دليل الرضا وسواء كان قبل العلم بالعيب أو بعده

.

التالي السابق


الخدمات العلمية