البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
( قوله والحر والمدبر وأم الولد والمكاتب ) أي بيع هؤلاء غير جائز أي غير منعقد أما في الحر فلعدم المالية ، وأما المدبر ، وأم الولد فقد صرح في الهداية ببطلان بيعهما قال لأن استحقاق العتق قد ثبت لأم الولد لقوله عليه السلام { أعتقها ولدها } ، وسبب الحرية انعقد في حق المدبر في الحال لبطلان الأهلية بعد الموت ، والمكاتب استحق العتق يدا على نفسه لازمة في حق المولى ، ولو ثبت الملك بالبيع لبطل ذلك كله فلا يجوز ، ولو رضي المكاتب بالبيع ففيه روايتان ، والأظهر الجواز ، والمراد بالمدبر المطلق دون المقيد أي فإنه يجوز بيعه . ا هـ .

ولو بيع المكاتب بغير رضاه فأجاز بيعه لا ينفذ في الصحيح من الرواية ، وعليه عامة المشايخ كذا في الخانية ، وأورد عليه أن البيع فيهم لو كان باطلا لسرى البطلان إلى المضموم إلى واحد ، وسيأتي أنه لو جمع بين قن ومدبر أو أم ولد ، وباعهما في صفقة فإنه يجوز القن ، ولو كانوا كالحر لم يجز فيما ضم أجيب أنه مخصوص فجاز أن يكون بعض أفراد الباطل لضعفه لا يسري حكمه إلى ما ضم إليه ، وفي بعض عبارات المشايخ أن بيعهم فاسد بدليل صحة المضموم ، وأورد عليه بأنه لو كان فاسدا لملكوا بالقبض ، ولم يملكوا به اتفاقا ، وأجيب بأنه مخصوص فهو من قبيل الفاسد الذي لا يملك به .

والحاصل أنهم اتفقوا على أنهم لا يملكون به ، وعلى عدم البطلان في المضموم إليهم فبقي أن بيعهم باطل أو فاسد ، ولا بد من التخصيص لكل منهما ، وتخصيص كلام الهداية أولى ، وفائدة القولين فيما قابلهم فباطل على ما في الهداية فلا يملك بالقبض ، وفاسد على قول القدوري والإيضاح فيملك به هذا ما أفاده كلام الشارحين في هذا المحل ، وفي إيضاح الإصلاح أن بيع الثلاثة باطل موقوف ينقلب جائزا بالرضا في المكاتب ، وبالقضاء في الأخيرين لقيام المالية . ا هـ .

وهو ضعيف لأنه لا بد في المكاتب من الرضا قبل البيع على الصحيح ، ونفاذ القضاء ببيع أم الولد ضعيف ففي قضاء البزازية الأظهر عدم النفاذ ، وصحح في فتح القدير النفاذ بقضاء القاضي وبيع معتق البعض كالحر وولد المدبر كهو ، وكذا ولد أم الولد ، والمكاتب كهما لدخول الولد في الكتابة كذا في السراج الوهاج ( قوله فلو هكذا عند المشتري لم يضمن ) لبطلان البيع فكان أمانة لكونه مقبوضا بإذن صاحبه ، وهو رواية عن الإمام ، واختارها أحمد الطواويسي ، واختار شمس الأئمة السرخسي ، وغيره الضمان بالمثل أو بالقيمة ، وقيل الأول قوله والثاني قولهما كذا في فتح القدير ، وفي القنية ، وفي السير أنه يضمن لكونه قبضه لنفسه فشابه الغصب ، وهو الصحيح ا هـ .

وذكر في أول سير اليتيمة مسألة بيع الحربي بنيه أو أباه هل هو باطل أو فاسد أطلقه فشمل جميع ما تقدم ، ولكن إذا مات المدبر ، وأم الولد عند المشتري فيه اختلاف فقال الإمام لا ضمان ، وقالا عليه قيمتهما ، وهو رواية عنه لأنه مقبوض بجهة البيع فيكون مضمونا عليه كسائر الأموال ، وهذا لأن المدبر ، وأم الولد يدخلان في البيع حتى يملك ما يضم إليهما في البيع بخلاف المكاتب فإنه في يد نفسه فلا يتحقق في حقه المقبوض ، وهو الضمان به ، وله أن جهة البيع إنما تلحق بحقيقته في محل يقبل الحقيقة ، وهما لا يقبلان حقيقة البيع فصارا كالمكاتب ، وليس دخولهما [ ص: 79 ] في البيع في حق أنفسهما ، وإنما ذلك ليثبت حكم البيع فيما يضم إليهما فصار كمال المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده ، وإنما يثبت حكم الدخول فيما ضمه إليه كذا هذا كذا في الهداية ، وظاهره أنه لا ضمان إن هلك المكاتب في يد المشتري اتفاقا ، وإليه يشير كلام العناية ، وفي المعراج أن الرواية عنه كقولهما إنما هي في المدبر ، وأما أم الولد فغير مضمونة عنده باتفاق الروايات ، وفي شرح الجامع الصغير لقاضي خان ، ومشايخنا صححوا هذه الرواية .

وقدمنا في العتاق أن قيمة المدبر نصف قيمته لو كان قنا ، وبه يفتى ، وأن قيمة أم الولد ثلث قيمتها قنة فإذا احتيج إلى تقويمهما باعتبار المضموم إليهما فالأمر على ما ذكرنا ، وفي السراج الوهاج هنا أن قيمة المدبر ثلثا قيمته قنا على الأصح ، وعليه الفتوى ، وما ذكرناه من الإفتاء بالنصف منقول في الفتاوى الصغرى ، وصرح به في البناية وفتح القدير هنا اعلم أن أم الولد تخالف المدبر في ثلاثة عشر حكما لا تضمن بالغصب ، ولا بالإعتاق ولا بالبيع ، ولا تسعى لغريم ، وتعتق من جميع المال ، وإذا استولد أم ولد مشتركة لم يتملك نصيب شريكه ، وقيمتها الثلث ، ولا ينفذ القضاء بجواز بيعها ، وعليها العدة بموت السيد أو إعتاقه ، ويثبت نسب ولدها بلا دعوة ، ولا يصح تدبيرها ، ويصح استيلاد المدبرة ، ولا يملك الحربي بيع أم ولده ، ويملك بيع مدبره ، وصح استيلاد جارية ولده ، ولا يصح تدبيرها كذا في التلقيح .


[ ص: 79 ] ( قوله فصار كمال المشتري ) قال في الفتح فصار كمال المشتري لا يدخل في حكم عقده بانفراده ، ويدخل إذا ضم البائع إليه مال نفسه ، وباعهما له صفقة واحدة حيث يجوز البيع في المضمون بالحصة من الثمن المسمى على الأصح ، وإن كان قد قيل لا يصح أصلا في شيء ا هـ .

قلت : فلتحفظ هذه المسألة فإنها تقع كثيرا في نحو المال المشترك بين رجلين مثلا كدابة أو دار فإن أحدهما يبيع الكل لشريكه بصفقة واحدة ، وقد بحثت عنها كثيرا حتى وجدتها هنا

.

التالي السابق


الخدمات العلمية