البحر الرائق شرح كنز الدقائق

ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

صفحة جزء
قوله ( وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه لا بيعه ) وهذا عندهما ، وقال محمد لا يجوز عتقه أيضا لأنه لم يملكه ، وفي الحديث { لا عتق لابن آدم فيما لا يملك } ، وهذا لأن عقد الفضولي موقوف ، وهو لا يفيده لعدم النفاذ ، وثبوته عند الإجازة استنادا فهو ثابت من وجه زائل من وجه فلا يصلح شرطا للإعتاق ، وهو الملك الكامل لإطلاقه في الحديث ، وهو للكامل ، ولذا لو أعتقه الغاصب ثم أدى الضمان لم يصح العتق مع أن الملك الثابت له بالضمان أقوى من الملك الثابت للمشتري حتى ينفذ بيع الغاصب بأداء الضمان ، ولا ينفذ بيع المشتري بإجازة المالك الأول ، وكذا لو أعتقه المشتري ، والخيار للبائع ثم أجاز البيع لا ينفذ عتقه ، وكذا إذا قبض المشتري من الغاصب ثم باعه ثم أجاز المالك البيع الأول لم ينفذ البيع الثاني مع أن البيع أسرع نفاذا من العتق حتى صح بيع المكاتب والمأذون دون عتقهما ولذا لو باع الغاصب المغصوب ثم أدى الضمان نفذ بيعه ، ولو أعتقه ثم أدى الضمان لم ينفذ .

وكذا لو باعه الغاصب فأعتقه المشتري منه ثم أدى الغاصب الضمان صح بيع الغاصب ، وبطل عتقه ، ولهما أن الملك موقوف فيه فيتوقف الإعتاق مرتبا عليه ، وينفذ بنفاذه كإعتاق المشتري من الراهن يتوقف ، وينفذ بإجازة المرتهن ، وإعتاق المشتري من الوارث حال استغراق التركة بالدين فأجاز الغرماء البيع ، وإعتاق الوارث عبدا من التركة ، وهي مستغرقة به فقضى الدين أو أبرأ الغرماء فإنه ينفذ ، وهذا لأن العتق من حقوق الملك ، والشيء إذا توقف توقف بحقوقه ، وإذا نفذ نفذ بحقوقه بخلاف إعتاق الغاصب نفسه لأنه لم يوضع للملك ، وإنما يملكه ضرورة أداء الضمان فلم يكن مثبتا له للحال ، ولا سببا له ، ولذا لا يتعدى إلى الزوائد بخلاف الملك في بيع الفضولي فإنه يتعدى إلى الزوائد المتصلة والمنفصلة ، وبخلاف ما إذا كان فيه خيار البائع لأنه ليس بمطلق ، والكلام فيه ، وهو مانع من انعقاده في الحكم أصلا فلم يوجد الملك فيه قيد بعتق المشتري لأن عتق الغاصب لا ينفذ بأداء الضمان لما بيناه ، وقيد بإجازة بيعه لأنه لا ينفذ بأداء الضمان من الغاصب ، ولكن يرد عليه أن المشتري إذا أدى الضمان ينفذ على الصحيح لأن ملك المشتري ثبت مطلقا بسبب مطلق ، وهو الشراء بخلاف الغاصب لأنه سبب ضروري فكان الملك فيه ناقصا هكذا ذكر الشارح فقد فرق بين أداء الغاصب الضمان وبين أداء المشتري منه .

وصرح في الهداية بأن عتق المشتري ينفذ بأداء الضمان من الغاصب ، وهو الأصح فلا فرق بين أداء الضمان من الغاصب أو من المشترى منه ، وجرى على ذلك في البناية فلو قال المؤلف بإجازة بيعه أو أداء الضمان لكان أولى ، وكذا لو قال وصح عتق مشتر من فضولي لكان أولى لأنه لا يشترط أن يكون غاصبا لأنه لو لم يسلم المبيع فالحكم كذلك ، ولعله إنما ذكره لأجل البيع لأن بيع العبد قبل قبضه فاسد ، وفي فتح القدير وهذه من المسائل التي جرت المحاورة بين أبي يوسف ومحمد حين عرض عليه هذا الكتاب فقال [ ص: 165 ] أبو يوسف ما رويت لك عن أبي حنيفة أن العتق جائز ، وإنما رويت أن العتق باطل ، وقال محمد بل رويت لي أن العتق جائز ، وإثبات مذهب أبي حنيفة في صحة العتق بهذا لا يجوز لتكذيب الأصل الفرع صريحا ، وأقل ما هنا أن يكون في المسألة روايتان عن أبي حنيفة قال الحاكم الشهيد قال أبو سليمان هذه رواية محمد عن أبي يوسف ، ونحن سمعنا من أبي يوسف أنه لا يجوز عتقه . ا هـ .

وأما بيع المشتري من الغاصب فإنما لا يصح لبطلان عقده بالإجازة فإن بها يثبت الملك للمشتري باتا ، والملك البات إذا ورد على الموقوف أبطله .

وكذا لو وهبه مولاه للغاصب أو تصدق به عليه أو مات فورثه فهذا كله يبطل الملك الموقوف لأنه لا يتصور اجتماع البات والموقوف في محل واحد على وجه يطرأ فيه البات ، وإلا فقد كان ملك بات ، وعرض معه الملك الموقوف كذا في فتح القدير ، وقيد بالعتق لأن في التفويض من الفضولي للمرأة إذا جعل أمرها بيدها فطلقت نفسها ثم أجاز الزوج لم تطلق ، وإنما ثبت التفويض الآن فإن طلقت نفسها الآن طلقت ، وإلا فلا ، والأصل في تصرف الفضولي أن كل تصرف جعل شرعا سببا لحكم إذا وجد من غير ولاية شرعية لم يستعقب حكمه ، ويتوقف إن كان مما يصح تعليقه جعل معلقا ، وإلا احتجنا أن نجعله سببا للحال متأخرا حكمه إن أمكن فالبيع ليس مما يتعلق فيجعل سببا في الحال فإذا زال المانع من ثبوت حكم الإجازة ظهر أثره من وقت وجوده ، ولذا ملك الزوائد ، وأما التفويض فاحتمل التعليق فجعلنا الموجود من الفضولي متعلقا بالإجازة فعندها يثبت التفويض للحال لا مستندا فلا يثبت حكمه إلا من وقت الإجازة ، وأما النكاح فلا يتعلق ، ولا يمكن أن يعتبر في حال التوقف سببا لمطلق الطلاق بل لملك المتعة المستعقب له ، ثم اعلم أن ظاهر قولهم إذا طرأ ملك بات على ملك موقوف أبطله أن بيع المشتري من الغاصب ينعقد موقوفا ، وإنما يبطل بطرو الملك البات بإجازة بيع الغاصب .

وقد قال في النهاية إنه لم ينعقد أصلا لتجرده عرضة للانفساخ ، وقد يقال فائدته لو أجاز المالك بيع المشتري من الغاصب لا بيع الغاصب ينبغي أن يصح بخلاف ما إذا أجاز بيع الغاصب ، وجوابه أن بيع المشتري لم ينعقد أصلا لما قدمناه عن البدائع أن الفضولي إذا باع ملك غيره لنفسه لم ينعقد ، وإنما ينعقد إذا باعه لمالكه ، وهنا باعه المشتري لنفسه فالظاهر ما في النهاية ، ولذا قال في المعراج إن المشتري من الغاصب إذا باع لا يتوقف ملكه لأن فائدة التوقف النفاذ ففي كل صورة لا يتحقق النفاذ لا يتوقف كبيع الحر ، وأورد على الأصل ما إذا باع الغاصب ثم أدى الضمان فإنه ينفذ بيعه مع أنه طرأ ملك بات ، وهو ملك الغاصب [ ص: 166 ] بأداء الضمان على ملك المشتري الموقوف ، وأجيب بأن ملك الغاصب ضروري ضرورة أداء الضمان فلم يظهر في إبطال ملك المشتري .


( قوله من الغاصب ) متعلق بالمشتري ( قوله لأنه ) أي الغصب ( قوله لأنه لا ينفذ بأداء الضمان ) أي بأداء الغاصب الضمان ( قوله لأن ملك المشتري ) يوهم أنه علة للورود مع أنه بيان للفرق [ ص: 165 ] ( قوله وإلا فقد كان فيه ملك بات ) أي إن لم تقيد بهذا القيد يرد علينا أنه كان في ذلك المحل الواحد ملك بات لمالكه ، وملك موقوف للمشتري ( قوله ثم اعلم أن ظاهر قولهم ) إلى آخر ما ذكره من الإيراد .

والجواب عن ذلك جميعه فيه تأمل فقد قال في جامع الفصولين لو باعه المشتري من غاصب ثم وثم حتى تداولته الأيدي فأجاز مالكه عقدا من العقود جاز ذلك العقد خاصة لتوقف كلها على الإجازة فإذا أجاز عقدا منها جاز ذلك خاصة ، وقال قبله رامزا ، ولو فعله المشتري من الغاصب ثم أجاز مالكه بيع غاصبه لم يجز بيع المشتري وفاقا ، وأما عتقه فلم يجز قياسا ، وهو قول محمد ، وعندهما نفذ استحسانا ، وقال بعد هذا كله رامزا لو ضمن مالكه غاصبه نفذ البيع الأول ، وبطل بيع المشتري إذ ملك الأول بات ، وملك الثاني موقوف ، وقال بعضهم ينفذ الثاني والثالث لأنه لما ضمن ملكه من وقت غصبه فكأنه باع ملك نفسه ثم وثم فجاز الكل . ا هـ .

فتحرر أن بيع المشتري من الغاصب موقوف ، وإذا أجازه المالك جاز خاصة فقوله ثم اعلم أن ظاهر قولهم إلخ يدل على أنه لم ير النقل الصريح ، وقوله وجوابه أن بيع المشتري لم ينعقد أصلا لما قدمناه يخالف ما علله به في النهاية ، والمعراج فتدبر ذلك غايته أن ما في النهاية والمعراج مخالف لما في جامع الفصولين ، وغيره من الكتب ، والله تعالى أعلم . ا هـ .

( قوله وقد يقال إلخ ) نقض لقوله لتجرده عرضة للانفساخ بأنه ليس كذلك لإمكان بقائه على الصحة ( قوله لما قدمناه عن البدائع ) قال الرملي قد كتبنا في الحاشية قريبا ما في ذلك من النظر ا هـ .

أي من أنه مخالف لتعليل النهاية والمعراج ، ومن أن ما في البدائع ضعيف كما مر بيانه ( قوله وأورد على الأصل ما إذا باع إلخ ) قال في حاشية مسكين تعقبه شيخنا بأنه غير وارد إذ قولهم أن الملك البات إذا طرأ على موقوف أبطله ليس على إطلاقه بل مقيد بما إذا طرأ لغير من باشر الموقوف كما في البزازية عن القاعدي ، ونصه الأصل أن من باشر عقدا في ملك الغير ثم ملكه ينفذ لزوال المانع كالغاصب باع المغصوب ثم ملكه ، وكذا لو باع ملك أبيه ثم ورثه نفذ على خلاف ما ذكرنا وطرو البات إنما يبطل الموقوف إذا حدث لغير من باشر الموقوف كما إذا باع المالك ما باعه الفضولي من غير الفضولي ولو ممن اشترى من الفضولي [ ص: 166 ] أما إن باعه من الفضولي فلا . ا هـ .

قلت : وعلى هذا الأصل ففي مسألة بيع المشتري من الغاصب لو أجاز بيع الغاصب نفذ ، وبطل بيع المشتري لأن الملك البات للغاصب طرأ على ملك موقوف باشره هو ، وأما بالنسبة إلى المشتري فقد طرأ على ملك موقوف لغير من باشره لأن المباشر للبيع الثاني الموقوف هو المشتري نعم لو أجاز عقد المشتري يكون طرو البات لمن باشر الموقوف تأمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية