ومن فروع عدم صحة تعليق الإبراء ما في المبسوط لو قال الطالب للخصم إن حلفت فأنت بريء فهذا باطل ; لأنه تعليق البراءة بخطر وهي لا تحتمل التعليق . ا هـ .
وفي الخانية من الهبة امرأة قالت لزوجها وهبت مهري منك على أن كل امرأة تتزوجها تجعل أمرها بيدي فإن لم يقبل الزوج ذلك بطلت الهبة وإن قبل ذلك في المجلس جازت الهبة ، ثم إن فعل الزوج ذلك فالهبة ماضية وإن لم يفعل فكذلك عند البعض كمن أعتق أمة على أن لا تتزوج فقبلت عتقت تزوجت أو لم تتزوج امرأة قالت لزوجها وهبت مهري إن لم تظلمني فقبل الزوج ذلك ، ثم طلقها بعد ذلك قال أبو بكر الإسكاف وأبو القاسم الصفار الهبة فاسدة ; لأنها تعليق الهبة بالشرط وهذا بخلاف ما لو قالت وهبت منك مهري على أن لا تظلمني فقبل صحت الهبة لأن هذا تعليق الهبة بالقبول ، فإذا قبلت تمت الهبة فلا يعود المهر بعد ذلك وهو نظير ما لو قال لامرأته أنت طالق إن دخلت الدار لا تطلق ما لم تدخل ، ولو قال أنت طالق على دخولك الدار فقالت قبلت وقع الطلاق ، وقال محمد بن مقاتل في مسألة الظلم مهرها عليه على حاله إذا ظلمها ; لأن المرأة لم ترض بالهبة إلا بهذا الشرط ، فإذا فات الشرط فات الرضا ، أما الطلاق فالرضا فيه ليس بشرط والدليل على هذا ما ذكر في كتاب الحج إذا تركت المرأة مهرها على الزوج على أن يحج بها فقبل الزوج ذلك ولم يحج بها كان المهر عليه على حاله والفتوى على هذا القول قال مولانا رضي الله تعالى عنه ويمكن الفرق بين مسألة الحج وبين مسألة الظلم ووجه ذلك أن في مسألة الحج لما شرطت الحج بها فقد شرطت نفقة الحج عليه فيكون هذا بمنزلة الهبة بشرط العوض ، فإذا لم يحصل العوض لا تتم الهبة ، أما في مسألة الظلم شرطت عليه ترك الظلم وترك الظلم لا يصلح عوضا قال مولانا رضي الله تعالى عنه ، ثم ذكر في بعض النسخ إذا شرطت عليه أن لا يظلمها فقبل الزوج ، ثم ضربها وأجابا كما ذكر وعندي إذا ضربها بغير حق ، أما إذا ضربها لتأديب مستحق عليها لا يعود المهر ; لأن ما كان حقا لا يكون ظلما .
ثم اعلم أن الإبراء يصح تقييده بالشرط وليس هو تعليقا وعليه فروع كثيرة مذكورة في آخر كتاب الصلح وذكر الشارح هناك أن الإبراء يصح تقييده لا تعليقه ، والله تعالى أعلم . وهذا التقرير - إن شاء الله تعالى - من خواص هذا الشرح فاغتنمه واحفظ هذا التفصيل في الإبراء .
( قول المصنف والإبراء عن الدين إلخ ) قال بعض الفضلاء فيه أن الإبراء عن الدين ليس من مبادلة المال بالمال فينبغي أن لا يبطل بالشرط الفاسد وكونه معتبرا بالتمليكات لا يدل إلا على بطلان تعليقه بالشرط ولذلك فرعه عليه وعلى هذا فينبغي أن يذكر في القسم الثاني . ا هـ .
أقول : ولو ثبت أنه لا يبطل بالشرط الفاسد فذكره هنا مناسب لدخوله تحت القاعدة الثانية وهي ما يبطل تعليقه بالشرط كما مر ( قوله لا يبرأ وهو مخاطرة ) لعل وجهه أن المخاطرة في موته مديونا وإلا فالموت محقق الوجود ويرد عليه أن ذلك موجود في التعليق على موت الدائن فإن فيه مخاطرة من حيث موته والدين في ذمة المديون والجواب أن التعليق على موته يجعل وصية والوصية يصح تعليقها بالشرط [ ص: 198 ] بخلاف التعليق على موت المدين فإنه إبراء محض فيبقى معلقا على ما فيه مخاطرة فلا يصح هذا ما ظهر لي فتأمله .
( قوله : كان مهرها على زوجها ) قال في النهر كان ينبغي أن يقال إن أجازت الورثة تصح لأن المانع من صحة الوصية كونه وارثا . ا هـ .
وتأمل قوله لأن المانع إلخ مع قول الخانية لأن هذه مخاطرة فإنه يقتضي عدم الصحة وإن لم يكن لها ورثة غيره لكن في مسألة الدين لم يجعل التعليق بموت الدائن مخاطرة بل جعل وصية فالظاهر أن مراده بالمخاطرة هنا كونه وقت الموت ممن تصح له الوصية بأن يطلقها ويصير أجنبيا أو تجيز الورثة الوصية وعليه فلا فرق بين الإجازة وعدمها تأمل . ( قوله : وفي البزازية من الدعوى قال المديون إلخ ) ومثله ما في جامع الفصولين لو قال لغريمه إن كان لي عليك دين فقد أبرأتك وله عليه دين برئ إذا علق بشرط كائن فتنجز . ا هـ .
[ ص: 199 ] ( قوله لأنه إبراء معلق دلالة ) قال الرملي يعلم منه أن التعليق يكون بالدلالة ويتفرع على ذلك مسائل كثيرة فليحفظ ذلك .
( قوله : ثم اعلم أن الإبراء يصح تقييده إلخ ) قال في النهر واعلم أنه سيأتي في الصلح أنه لو كان عليه ألف فقال أد إلي غدا نصفه على أنك بريء من الفضل ففعل برئ ، ولو قال إن أو إذا أو متى أديت لا يصح وفرق الشارح بينهما بأنه في الأول لم يعلق البراءة بصريح الشرط ، وإنما أتى بالتقييد وفي الثاني بصريحه وهي لا يحتمل التعليق بالشرط . ا هـ .
أقول : قد ذكر الشارح الزيلعي في الصلح من صور المسألة ما إذا قال أبرأتك من خمسمائة من الألف على أن تعطيني خمسمائة غدا يبرأ مطلقا أدى خمسمائة في الغد أو لم يؤد لأن البراءة قد حصلت بالإطلاق أولا فلا تتغير بما يوجب الشك في آخره على ما ذكرنا في الفرق بين هذه المسألة والأولى أعني قوله أد غدا نصفه على أنك بريء من الفضل ففعل برئ وإلا لا وحاصل الفرق الذي ذكره بينهما أن كلمة " على " تكون للشرط كما تكون للمعاوضة فتحمل عليه عند تعذر المعاوضة والإبراء يجوز تقييده بالشرط وإن لم يجز تعليقه به فيحمل عليه بخلاف ما إذا قدم الإبراء لأنه برئ بالبداءة فلا يعود الدين بالشك وفي الأولى لم يبرأ في أوله وآخره معلق بشرط فلا يسقط الدين بالشك وهذا لأن كلمة على محتملة أن تكون للشرط فلا يبرأ إلا بالأداء وأن تكون للعوض فيبرأ مطلقا وحينئذ فلا يبرأ بالشك والاحتمال . ا هـ .
ولا يخفى أن هذا صريح أن الإبراء لا يبطل بالشرط وإنما يبطل بالتعليق . ( قوله : وهذا التقرير ) الذي تحصل منه أن الإبراء عن الدين لا يصح تعليقه إلا إذا علق بموت الدائن ولم يكن المديون وارثا أو علقه بأمر كائن أو بشرط متعارف وتحصل أيضا أنه لا يبطل بالشرط فهو مما دخل تحت القاعدة الثانية من كلام الماتن .