قوله (
وينبغي أن يكون موثوقا به في عفافه وعقله وصلاحه وفهمه وعلمه بالسنة والآثار ووجوه الفقه ) ويكون شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف ; لأن القضاء من أهم أمور المسلمين فكل من كان أعرف وأقدر وأوجه وأهيب وأصبر على ما يصيبه من الناس كان أولى ، ينبغي للسلطان أن يتفحص في ذلك ويولي من هو أولى لقوله عليه الصلاة والسلام {
من قلد إنسانا عملا وفي رعيته من هو أولى فقد خان الله ورسوله وجماعة المسلمين } والموثوق به من وثقت به أثق بكسرهما ثقة ووثوقا ائتمنته هو وهي وهم ثقة ; لأنه مصدر وقد يجمع في الذكور والإناث فيقال ثقات ، والعفاف بالفتح من عف عن الشيء يعف من باب ضرب عفة بالكسر امتنع عنه فهو عفيف كذا في المصباح ، وفسره
الكرماني شارح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بالكف عن المحارم وخوارم المروءة والعقل على قول الأكثر كما في التحرير قوة بها إدراك الكليات للنفس ا هـ .
والمراد بالوثوق به في عقله أن يكون كامله فلا يولى الأحمق وهو ناقص العقل قال في المستظرف الحمق الخفة غريزة لا تنفع فيها الحيلة ، وهي داء دواؤه الموت وفي الحديث {
الأحمق أبغض الخلق إلى الله تعالى إذ حرمه أعز الأشياء عليه وهو العقل } .
ويستدل على صفته من حيث الصورة بطول اللحية ; لأن مخرجها من الدماغ فمن أفرط طول لحيته قل دماغه ، ومن قل دماغه قل عقله ومن قل عقله فهو أخف ، وأما صفته من حيث الأفعال فترك نظره في العواقب وثقته بمن لا يعرفه والعجب وكثرة الكلام وسرعة الجواب وكثرة الالتفات والخلو من العلم والعجلة والخفة والسفه والظلم والغفلة والسهو والخيلاء إن استغنى بطر ، وإن افتقر قنط وإن قال فحش وإن سئل بخل وإن سأل ألح وإن قال لم يحسن ، وإن قيل له لم يفقه وإن ضحك قهقه وإن بكى صرخ وإذا اعتبرنا هذه الخصال وجدناها في كثير من الناس ، فلا يكاد يعرف العاقل من الأحمق قال
عيسى عليه السلام : عالجت الأكمه والأبرص فأبرأتهما وعالجت الأحمق فلم يبرأ . ا هـ .
وأما الصلاح فهو لغة خلاف الفساد كما في المصباح وذكر
الكرماني أنه لفظ جامع لكل خير ، ولذا وصف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نبينا صلى الله عليه وسلم به ليلة الإسراء فقال كل من لقيه في السماوات مرحبا بالنبي الصالح ولو كان هناك وصف أجمع منه للخير لوصفوه به ا هـ .
وفي أوقاف
الخصاف الصالح من كان مستورا ليس بمهتوك ولا صاحب ريبة وكان مستقيم الطريقة سليم الناحية كامن الأذى قليل السوء ليس
[ ص: 288 ] بمعاقر للنبيذ ، ولا ينادم عليه الرجال ، وليس بقذاف للمحصنات ولا معروفا بالكذب فهذا عندنا من أهل الصلاح . ا هـ .
والفهم لغة كما في المصباح العلم والعنف عدم الرفق والضعف العجز عن احتمال الشيء وفي فتح القدير قبيل الحبس ، ويستحب أن يكون في القاضي عبسة بلا غضب ، وأن يلتزم التواضع من غير وهن ولا ضعف ، والمراد بعلم السنة ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا وتقريرا عند أمر يعاينه والمراد بوجوه الفقه طرقه ، وقدمنا تعريفه أول الكتاب ، وذكر
مسكين هنا أن الفقه عند عامة العلماء اسم لعلم خاص في الدين لا لكل علم ، وهو العلم بالمعاني التي تعلقت بها الأحكام من كتاب وسنة وإجماع ومقتضياتها وإشاراتها