وإن دونت المذاهب كاليوم وله الانتقال من مذهبه لكن لا يتبع الرخص فإن تتبعها من المذاهب فهل يفسق وجهان ا هـ .
قال الشارح أوجههما لا والله سبحانه أعلم ، وقد عقد في أول التتارخانية فصلين في الفتوى حاصل الأول أن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبا يوسف قال لا تحل الفتوى إلا لمجتهد nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد جوزها إذا كان صواب الرجل أكثر من خطئه وعن الإسكاف أن الأعلم بالبلد لا يسعه تركها واختلفوا في الإفتاء ماشيا جوزه البعض ، ومنعه آخر واختار الإسكاف أن يفتي إن كان شيئا ظاهرا وإلا لا ، وكان ابن سلام إذا ألح عليه المستفتي وقال جئت من مكان بعيد يقول
فلا نحن ناديناك من حيث جئتنا ولا نحن عمينا عليك المذاهبا
ولكن اختار nindex.php?page=showalam&ids=11903الفقيه أبو الليث أنه لا يقول ذلك أول مرة فإن ألح أجابه بذلك ، وحاصل الثاني أن اختلاف أئمة الهدى توسعة على الناس فإن كان الإمام في جانب وهما في جانب خير المفتي وإن كان أحدهما مع الإمام أخذ بقولهما إلا إذا اصطلح المشايخ على قول الآخر فيتبعهم كما اختار nindex.php?page=showalam&ids=11903الفقيه أبو الليث قول nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر في مسائل .
وإن اختلف المتأخرون أخذ بقول واحد فلو لم يجد من المتأخرين مجتهدا برأيه إذا كان يعرف وجوه الفقه ، ويشاور أهله ولا يجوز له الإفتاء بالقول المهجور لجر منفعة ولا يرجو عليه دنيا ، ورد مفت زرا على خياط مستفت وقلعه من ثوبه تحررا عن شبهة الرشوة ، ومن شرائطها حفظه الترتيب والعدل بين المستفتين لا يميل إلى الأغنياء وأعوان السلطان والأمراء بل يكتب جواب السابق غنيا كان أو فقيرا ، ومن آدابه أن يأخذ الورقة بالحرمة ويقرأ المسألة بالبصيرة مرة بعد مرة حتى يتضح له السؤال ، ثم يجيب وإذا لم يتضح السؤال سأل من المستفتي ولا يرمي بالكاغد إلى الأرض ، وهو لا يجوز وكان بعضهم لا يأخذ الرقعة من يد امرأة ولا صبي ، وكان له تلميذ يأخذ منهم ويجمعها ويرفعها فيكتبها تعظيما للعلم ، والأحسن أخذ المفتي من كل أحد تواضعا ، ويجوز للشاب الفتوى إذا كان حافظا للروايات واقفا على الدرايات محافظا على الطاعات مجانبا للشهوات والشبهات ، والعالم كبير وإن كان صغيرا ، والجاهل صغير وإن كان كبيرا ، وصحح في السراجية أن المفتي يفتي بقول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة على الإطلاق ثم بقول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، ثم بقول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد ثم بقول nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر nindex.php?page=showalam&ids=14111والحسن بن زياد ، ولا يخير إذا لم يكن مجتهدا ، وإذا اختلف مفتيان يتبع قول الأفقه منهما بعد أن يكون أورعهما وينبغي أن يكتب عقب جوابه والله أعلم أو نحوه وقيل في العقائد يكتب والله الموفق .
ونحوه وكره بعضهم الإفتاء والصحيح عدم الكراهة للأهل ، ولا ينبغي الإفتاء إلا لمن عرف أقاويل العلماء ، وعرف من أين قالوا فإن كان في المسألة خلاف لا يختار قولا [ ص: 293 ] يجيب به حتى يعرف حجته وينبغي السؤال من أفقه أهل زمانه فإن اختلفوا تحرى . ا هـ .
وصحح في الحاوي القدسي أن الإمام إذا كان في جانب وهما في جانب فالأصح أن الاعتبار لقوة المدرك فإن قلت : كيف جاز للمشايخ الإفتاء بغير قول الإمام الأعظم مع أنهم مقلدون ؟ قلت : قد أشكل علي ذلك مدة طويلة ولم أر فيه جوابا إلا ما فهمته الآن من كلامهم ، وهو أنهم نقلوا عن أصحابنا أنه لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا حتى يعلم من أين قلنا حتى نقل في السراجية أن هذا سبب مخالفة عصام للإمام ، وكان يفتي بخلاف قوله كثيرا ; لأنه لم يعلم الدليل ، وكان يظهر له دليل غيره فيفتي به فأقول : إن هذا الشرط كان في زمانهم ، أما في زماننا فيكتفى بالحفظ كما في القنية وغيرها ، فيحل الإفتاء بقول الإمام بل يجب وإن لم نعلم من أين قال وعلى هذا فما صححه في الحاوي مبني على ذلك الشرط ، وقد صححوا أن الإفتاء بقول الإمام فينتج من هذا أنه يجب علينا الإفتاء بقول الإمام ، وإن أفتى المشايخ بخلافه لأنهم إنما أفتوا بخلافه لفقد شرطه في حقهم وهو الوقوف على دليله ، وأما نحن فلنا الإفتاء وإن لم نقف على دليله ، وقد وقع للمحقق ابن الهمام في مواضع الرد على المشايخ في الإفتاء بقولهما بأنه لا يعدل عن قوله إلا لضعف دليله ، وهو قوي في وقت العشاء لكونه الأحوط وفي تكبير التشريق في آخر وقته إلى آخرها .
ذكره في فتح القدير لكن هو أهل للنظر في الدليل ، ومن ليس بأهل للنظر فيه فعليه [ ص: 294 ] الإفتاء بقول الإمام ، والمراد بالأهلية هنا أن يكون عارفا مميزا بين الأقاويل له قدرة على ترجيح بعضها على بعض ولا يصير الرجل أهلا للفتوى ما لم يصر صوابه أكثر من خطئه ; لأن الصواب متى كثر فقد غلب ولا عبرة بالمغلوب بمقابلة الغالب فإن أمور الشرع مبنية على الأعم الأغلب كذا في الولوالجية من كتاب القضاء ، وفي مناقب nindex.php?page=showalam&ids=15073الكردري قال nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك وقد سئل متى يحل للرجل أن يفتي ويلي القضاء ؟ قال : إذا كان بصيرا بالحديث والرأي عارفا بقول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة حافظا له ، وهذا محمول على إحدى الروايتين عن أصحابنا ، وقبل استقرار المذاهب أما بعد التقرر فلا حاجة إليه لأنه يمكنه التقليد ا هـ .
ومن العجب ما سمعت من بعض حنفية عصرنا حين تكلمت قديما معه فيها إن قال لما أفتى المشايخ بشيء علمنا أنه قول الإمام فقلت إنه خطأ لأنهم يبينون قول الإمام في ظاهر الرواية ، ثم يقولون الفتوى على قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أو nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أو nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر ، وسمعت من بعضهم أنه يقول الكل عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة قلت نعم لكن ما خرج عن ظاهر الرواية فهو مرجوع عنه لما قرروه في الأصول من عدم إمكان صدور قولين مختلفين متساويين من مجتهد ، والمرجوع عنه لم يبق قولا له كما ذكروه .
[ ص: 292 ] فصل في التقليد ) .
[ ص: 293 ] ( قوله نقلوا عن أصحابنا أنه لا يحل لأحد إلخ ) قال الرملي هذا مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله تعالى وكلامه هنا موهم أن ذلك مروي عن المشايخ كما هو ظاهر من سياقه . ( قوله بل يجب الإفتاء وإن لم يعلم من أين قال ) اعترضه المحشي الرملي فقال هذا مضاد لقوله لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا حتى يعلم من أين قلنا إذ هو صريح في عدم جواز الإفتاء لغير أهل الاجتهاد فكيف يستدل به على وجوبه فنقول ما يصدر من غير الأهل ليس بإفتاء حقيقة ، وإنما هو حكاية عن المجتهد أنه قائل بكذا وباعتبار هذا الملحظ تجوز حكاية قول غير الإمام ، فكيف يجب علينا الإفتاء بقول الإمام وإن أفتى المشايخ بخلافه ونحوه إنما نحكي فتواهم لا غير فليتأمل ا هـ .
قلت ويشهد له ما في التتارخانية قال صاحب الأقضية أبو جعفر بعدما بين أهلية القضاء ولا ينبغي لأحد أن يقضي بالناس إلا من كان هكذا يريد به أن المفتي ينبغي أن يكون عدلا عالما بالكتاب والسنة واجتهاد الرأي ، قال إلا أن يفتي بشيء قد سمعه فإنه يجوز وإن لم يكن عالما بالكتاب والسنة ; لأنه حاك ما سمع من غيره فهو بمنزلة الراوي في باب الأحاديث فيشترط فيه ما يشترط في الراوي من النقل والضبط والعدالة وفي الظهيرية ، روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه قال لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعلم من أين قلنا ، وإن لم يكن أهل الاجتهاد لا يحل له أن يفتي إلا بطريق الحكاية فيحكي ما يحفظ من أقوال الفقهاء ا هـ .
فقوله فيحكي ما يحفظ إلخ بإطلاقه يفيد عدم وجوب التزام حكاية مذهب الإمام نعم ما ذكره المؤلف يظهر بناء على القول بأن من التزم مذهب الإمام لا يحل له تقليد غيره في غير ما عمل به ، وقد علمت ما قدمناه عن التحرير أنه خلاف المختار ، وأنت ترى أصحاب المتون المعتمدة قد يمشون على غير مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام ، وإذا أفتى المشايخ بخلاف قوله لفقد الدليل في حقهم فنحن نتبعهم إذ هم أعلم ، وكيف يقال يجب علينا الإفتاء بقول الإمام لفقد الشرط ، وقد أقر أنه قد فقد الشرط أيضا في حق المشايخ فهل تراهم ارتكبوا منكرا .
والحاصل أن الإنصاف الذي يقبله الطبع السليم أن المفتي في زماننا ينقل ما اختاره المشايخ وهو الذي مشى عليه العلامة ابن الشلبي في فتاويه حيث قال الأصل أن العمل على قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله تعالى ولذا ترجيح المشايخ دليله في الأغلب على دليل من خالفه من أصحابه ، ويجيبون عما استدل به مخالفه وهذا أمارة العمل بقوله وإن لم يصرحوا بالفتوى عليه إذ الترجيح كصريح التصحيح ; لأن المرجوح طائح بمقابلته بالراجح ، وحينئذ فلا يعدل المفتي ولا القاضي عن قوله إلا إذا صرح أحد من المشايخ بأن الفتوى على قول غيره فليس للقاضي أن يحكم بقول غير nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة في مسألة لم يرجح فيها قول غيره ، ورجحوا فيها دليل nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة على دليله فإن حكم فيها فحكمه غير ماض ليس له غير الانتقاض والله تعالى أعلم ، وهو الذي مشى عليه الشيخ علاء الدين الحصكفي أيضا في صدر شرحه على التنوير حيث قال : وأما نحن فعلينا اتباع ما رجحوه وما صححوه كما لو أفتوا في حياتهم فإن قلت قد يحكون أقوالا بلا ترجيح ، وقد يختلفون في التصحيح قلت : يعمل بمثل ما عملوا من اعتبار تغير العرف وأحوال الناس وما هو إلا رفق ، وما ظهر عليه التعامل وما قوي وجهه ولا يخلو الوجود ممن يميز هذا حقيقة لا ظنا وعلى من لم يميز أن يرجع لمن يميز لبراءة ذمته ا هـ . والله تعالى أعلم .
( قوله لكن هو أهل للنظر ) الاستدراك بالنظر إلى قوله لا يعدل عن قوله إلا لضعف دليله يعني أن مثل المحقق له أن يقول ذلك ; لأنه أهل للنظر في الدليل ، وأما مثلنا فلا يجوز له العدول عن قول الإمام أصلا .