وليتأمل في وجه عدم السقوط وقيد بدعوى الإيفاء بعد الإنكار إذ لو ادعاه بعد الإقرار بالدين فإن كان كلا القولين في مجلس واحد لم يقبل للتناقص وإن تفرقا عن المجلس ثم ادعاه وأقام البينة على الإيفاء بعد الإقرار تقبل لعدم التناقض وإن ادعى الإيفاء قبل الإقرار لا تقبل كذا في خزانة المفتين .
( قوله وإن زاد ولا أعرفك لا ) أي زاد قوله ولا أعرفك على قوله ما كان لك علي شيء قط لم يقبل برهانه والمراد هذه الكلمة وما كان معناها نحو ولا رأيتك أو ولا جرى بيني وبينك معاملة أو مخالطة أو خلطة أو ولا أخذ ولا إعطاء أو ما اجتمعت معك في مكان كما في فتح القدير وإنما لم تقبل لتعذر التوفيق بين كلاميه ; لأنه لا يكون بين اثنين معاملة من غير معرفة وذكر عن أصحابنا nindex.php?page=showalam&ids=14972القدوري أنه يقبل لإمكان التوفيق ; لأن المحتجب من الرجال والمخدرة قد يؤذى بالشغب على بابه فيأمر بعض وكلائه بإرضاء الخصم ولا يعرفه ثم يعرفه وفرع عليه في النهاية تبعا لقاضي خان بأن المدعى عليه لو كان ممن يتولى الأعمال بنفسه لا يقبل ا هـ .
فالمحتجب من لا يتولى الأعمال بنفسه وقيل من لا يراه كل أحد لعظمته وفي القاموس الشغب ويحرك وقيل لا تهييج الشر وفي إصلاح الإيضاح وفيه نظر ; لأن مبنى إمكان التوفيق على أن يكون أحدهما ممن لا يتولى الأعمال بنفسه لا على أن يكون المدعى عليه بخصوصه وتصوير القدوري إمكان التوفيق فيه لا يدل على ذلك . ا هـ .
ودفعه ظاهر ; لأن الكلام كله في تناقض المدعى عليه لا المدعي وأشار المؤلف رحمه الله إلى أنه إذا لم يمكن التوفيق لم يندفع التناقض فمن ذلك ما في المعراج معزيا إلى الشافي لو قال لم أدفع إليه شيئا ثم ادعى الدفع لم يسمع ; لأنه يستحيل أن يقول لم أدفع إليه شيئا وقد دفعت أما لو ادعى إقراره بالدفع إليه أو القضاء ينبغي أن يسمع ; لأن المتناقض هو الذي يجمع بين كلامين وهاهنا لم يجمع ولهذا لو صدقه المدعي عيانا لم يكن مناقضا ذكره التمرتاشي ومن هنا أجبت عن حادثة : أذن له في دفع المال لأخيه ثم ادعى عليه أنه ما دفع فقال دفعت ثم قال لم أدفع فحكم عليه فجاء الأخ فأقر أنه دفع له فإنه يبرأ ; لأن تصديق الأخ المأذون في الدفع إليه كتصديق المدعي وقد علمت ما إذا صدق المدعي وقيل تقبل البينة على الإبراء في هذا الفصل باتفاق الروايات ; لأن الإبراء يتحقق بلا معرفة وفي البزازية ادعى عليه ملكا مطلقا ثم ادعى عليه عند ذلك الحاكم بسبب يقبل ويسمع برهانه بخلاف العكس إلا أن يقول العاكس أردت بالمطلق الثاني المقيد الأول لكون المطلق أزيد من المقيد وعليه الفتوى نص عليه شمس الأئمة ادعى النتاج أولا ثم الملك المقيد فقياس ما ذكروه أنه إذا ادعى النتاج وشهد بالمقيد لا يقبل ينبغي أن لا يصح . ا هـ .
[ ص: 41 ] وفي جامع الفصولين كفل بثمن أو مهر ثم الكفيل برهن على فساد البيع والنكاح لا تقبل ; لأن إقدامه على التزام المال إقرار منه بصحة سبب وجوب المال فلا تسمع منه بعده دعوى الفساد ولو برهن على إيفاء الأصيل أو على إبرائه تقبل ; لأنه تقرير للوجوب السابق كفل عنه بألف لرجل يدعيه فبرهن الكفيل أن الألف المدعاة ثمن خمر لا تقبل ولو قال الكفيل الألف المدعاة قمار أو ثمن خمر أو نحوه مما لا يجب لا يقبل قوله ولو برهن على إقرار المكفول له وهو يجحد لا يقبل قوله وليس له أن يحلف الطالب ولو أقر به الطالب عند القاضي برئ الأصيل والكفيل جميعا ا هـ .
أقول : لا يقال لما برئا بإقراره ينبغي أن تقبل بينة إقراره ; لأن البينة تسمع عند صحة الدعوى وقد بطلت هنا للتناقض ; لأن كفالته إقرار بصحتها ا هـ .
وفي الاختيار كل قولين متناقضين صدرا من المدعي عند الحاكم فإن أمكن التوفيق قبل وإلا لم يقبل كما إذا صدر من الشهود وكل ما أثر في قدح الشهادة أثر في منع استماع الدعوى ا هـ .
[ ص: 40 ] ( قوله وليتأمل في وجه عدم السقوط ) قال في المنح والظاهر أن وجهه أن المدعى عليه لما كان جاحدا فذمته غير مشغولة بشيء في زعمه فأنى تقع المقاصة والله تعالى أعلم ا هـ .
ونقله عنه الرملي مع زيادة وهي قوله أو نقول يجعل تصميمه على الإنكار ردا لما أقر به المدعي وهو مما يرتد بالرد . ا هـ .
( قوله وقيل تقبل البينة على الإبراء في هذا الفصل ) قائله صاحب الكافي كما ذكره العيني وقوله في هذا الفصل أي فصل المحتجب والمخدرة أبو السعود ( قوله لكون المطلق أزيد من المقيد ) ; لأن المطلق يثبت من الأصل حتى يستحق به الزوائد والمقيد بسبب يقتصر على وقت وجوب السبب