( قوله والعدو إن كانت عداوة دنيوية ) أي لم تقبل شهادة العدو لأجل الدنيا ; لأن المعاداة لأجلها حرام فمن ارتكبها لا يؤمن من التقول عليه قيد بكونها دنيوية للاحتراز عما إذا كانت دينية فإنها لا تمنع ; لأنها تدل على كمال دينه وعدالته وهذا ; لأن المعاداة قد تكون واجبة بأن رأى فيه منكرا شرعا ولم ينته بنهيه بدليل قبول شهادة المسلم على الكافر مع ما بينهما من العداوة الدينية والمقتول وليه على القاتل والمجروح على الجارح والزوج على امرأته بالزنا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13633ابن وهبان وفي خزانة المفتين والعدو من يفرح بحزنه ويحزن لفرحه وقيل يعرف بالعرف ا هـ .
ومثال العداوة الدنيوية أن يشهد المقذوف على القاذف والمقطوع عليه الطريق على القاطع وفي إدخال الزوج هنا نظر فقد صرحوا بقبول شهادته عليها بالزنا إلا إذا قذفها أولا وإنما المنع مطلقا قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وفي بعض الفتاوى وتقبل شهادة الصديق لصديقه ا هـ .
ثم اعلم أن المصرح به في غالب كتب أصحابنا والمشهور على ألسنة فقهائنا ما ذكره المصنف من التفصيل ونقل في القنية أن العداوة بسبب الدنيا لا تمنع ما لم يفسق بسببها أو يجلب منفعة أو يدفع بها عن نفسه مضرة وهو الصحيح وعليه الاعتماد وما في الواقعات وغيرها اختيار [ ص: 86 ] المتأخرين ، وأما الرواية المنصوصة فبخلافها وفي كنز الرءوس شهادة العدو على عدوه لا تقبل ; لأنه منهم وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة تقبل إذا كان عدلا قال أستاذنا وهو الصحيح وعليه الاعتماد ; لأنه إذا كان عدلا تقبل شهادته وإن كان بينهما عداوة بسبب أمر الدنيا . ا هـ .
واختاره nindex.php?page=showalam&ids=13633ابن وهبان ولم يتعقبه ابن الشحنة لكن الحديث شاهد لما عليه المتأخرون كما رواه أبو داود مرفوعا { nindex.php?page=hadith&LINKID=30051لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه } والغمر الحقد ويمكن حمله على ما إذا كان غير عدل بدليل أن الحقد فسق للنهي عنه وقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=13633ابن وهبان رحمه الله تنبيهات حسنة لم أرها لغيره : الأول الذي يقتضيه كلام صاحب القنية والمبسوط أنا إذا قلنا إن العداوة قادحة في الشهادة تكون قادحة في حق جميع الناس لا في حق العدو فقط وهو الذي يقتضيه الفقه فإن الفسق لا يتجزأ حتى يكون فاسقا في حق شخص عدلا في حق آخر ا هـ .
قلت : ولهذا لم يقل المؤلف على عدوه بل أطلقه .
الثاني لو ادعى شخص عداوة آخر يكون مجرد دعواه اعترافا منه بفسق نفسه ولا يكون ذلك قادحا في عدالة المدعي أنه عدو ما لم يثبت المدعي أنه عدو له . الثالث لو قضى القاضي بشهادة العدو على عدوه أو على غير عدوه هل يصح أو لا ؟ إن قلنا إن المانع من قبول الشهادة هو الفسق فيكون حينئذ صحيحا نافذا ; لأن القاضي إذا قضى بشهادة الفاسق نفذ قضاؤه ويصح وإن قلنا إنه لمعنى آخر أقوى من الفسق لا يصح في حق العدو ويصح في حق غيره وذكر ابن الكمال في إصلاح الإيضاح أن شهادة العدو لعدوه جائزة عكس شهادة الأصل لفرعه ا هـ .
وهذا يدل على أنها إنما لم تقبل للتهمة لا للفسق . الرابع قد يتوهم بعض المتفقهة والشهود أن كل من خاصم شخصا في حق وادعى عليه حقا أنه يصير عدوه فيشهد بينهما بالعداوة وليس كذلك بل العداوة إنما تثبت بنحو ما ذكرت نعم لو خاصم الشخص آخر في حق لا تقبل شهادته عليه في ذلك الحق كالوكيل لا تقبل شهادته فيما هو وكيل فيه ونحو ذلك لا أنه إذا تخاصم اثنان في حق لا تقبل شهادة أحدهما على الآخر لما بينهما من المخاصمة . ا هـ .
واعلم أنه لو شهد على رجل آخر فخاصمه في شيء قبل القضاء لا يمتنع القضاء بشهادته إلا إذا ادعى أنه دفع له كذا لئلا يشهد عليه وطلب الرد وأثبت دعواه ببينة أو إقرار أو نكول فحينئذ بطلت شهادته وهو جرح مقبول كما صرحوا به وسيأتي في بيان الجرح .
الخامس إذا قلنا لا تجوز شهادة العدو على عدوه إذا كانت دنيوية هل الحكم في القاضي كذلك حتى لا يجوز قضاء القاضي على من بينه وبينه عداوة دنيوية لم أقف عليه في كتب أصحابنا وينبغي أن يكون الجواب فيه على التفصيل إن كان قضاؤه عليه بعلمه ينبغي أن لا ينفذ وإن كان بشهادة العدول وبمحضر من الناس في مجلس الحكم بطلب خصم شرعي ينبغي أن ينفذ وفرق الماوردي من الشافعية بينهما بأن أسباب الحكم ظاهرة وأسباب الشهادة خافية ا هـ .
[ ص: 86 ] ( قوله فإن الفسق لا يتجزأ إلخ ) وهل يقاس على هذا الناظر إذا كان عليه أنظار وقف عديدة وثبت فسقه بسبب خيانته في واحد منها فهل يسري فسقه في كلها فيعزل أقول : مقتضى قوله أن الفسق لا يتجزأ السريان فليتأمل وليراجع ثم رأيت ولله الحمد بعد مدة التصريح بذلك في فتاوى المفتى شيخ الإسلام أبي السعود العمادي المفسر ونصه في فتاويه من كتاب الوقف في ناظر على أوقاف متعددة ظهرت خيانته في بعض من الأوقاف هل يلزم عزله من الكل أو لا ؟
الجواب لا بد من ذلك ألبتة ا هـ . بحروفه كذا رأيته بخط ملا علي أمين الفتوى بدمشق الشام في هامش نسخته .
وكتب الرملي هنا الظاهر من كلامهم أن عدم القبول إنما هو للتهمة لا للفسق ويؤيده ما يأتي عن ابن الكمال وما صرح به يعقوب باشا وكثير من علمائنا صرح بأن شهادة العدو على عدوه لا تقبل فالتقييد بكونها على عدوه ينفي ما عداه وهو المتبادر للأفهام فتأمله ا هـ .
أقول : أنت خبير بأن فعل الكبيرة والإصرار على الصغيرة قادح في العدالة وقد شرط في القنية لعدم القبول كونه فسق بتلك العداوة وعلى هذا فعدم قبولها مطلقا ظاهر وينبغي تقييده بما إذا كانت عداوة ظاهرة كما يفيده ما يأتي عن الفتح في شرح قوله أو يرتكب ما يوجب الحد فتحرر أن الوجه عدم القبول مطلقا والتعليل بالاتهام كما مر عن كنز الرءوس لا ينافيه ; لأن الفاسق لا يقبل للاتهام أيضا وما يأتي عن ابن الكمال يمكن حمله على ما إذا لم يفسق بها فليتأمل ( قوله لأن القاضي إذا قضى بشهادة الفاسق نفذ قضاؤه ويصح ) قال الرملي وصرح يعقوب باشا في حاشيته بعدم نفاذ قضاء القاضي بشهادة العدو على عدوه وأقول : وقياسه يقتضي أن العصبية كذلك فلا ينفذ قضاء القاضي بشهادته ; لأنه الذي يبغض الرجل لكونه من بني فلان أو من قبيلة كذا كما سيأتي في الحاشية قريبا منقولا عن معين الحكام فتأمله