( قوله إذا كان الوكيل يعقل العقد ولو صبيا أو عبدا محجورا ) بيان للشرط في الوكيل فلا يصح توكيل غير العاقل وفي يتيمة الدهر وذكر السرخسي في الوكالة في باب البيع والشراء وإن كان الوكيل مجنونا فبيعه باطل فإن كان يعقل البيع والشراء فهو بمنزلة الصبي المحجور عليه وذكر في باب توكيل الزوج بالطلاق ولو وكل مجنونا بطلاق امرأته فقبل الوكالة في حال جنونه ثم أفاق فهو على وكالته لأن بالإفاقة يزداد التمكن من التصرف ولا يزول ما كان ثابتا ا هـ .
وذكر في الهداية أنه يشترط أن يكون الوكيل ممن يعقل العقد ويقصده فقال الشارحون : إن المراد بعقل العقد أن يعرف أن الشراء جالب للمبيع سالب للثمن والبيع على عكسه ويعرف الغبن الفاحش من اليسير والمراد بقصده أن يقصد ثبوت الحكم أو الربح للاحتراز عن بيع المكره والهازل فإنه لا يقع عن الآمر ا هـ .
وفيه نظر لأنه لا حاجة إلى اشتراط عقلية الغبن الفاحش من اليسير لجواز بيع [ ص: 143 ] الوكيل عند الإمام بما قل وكثر نعم إن قيد عليه أن لا يبيعه بغبن فاحش اشترط وأما تفسير القصد للاحتراز عن بيع الهازل والمكره فخارج عن المقصود لأن الكلام الآن في صحة الوكالة لا في صحة بيع الوكيل ولذا تركه المصنف وفي الواقعات الحسامية الوكيل إذا اختلط عقله بشراب نبيذ ويعرف الشراء والقبض جاز على الموكل شراؤه ولو اختلط ببنج ويعرف الشراء لم يجز وهو بمنزلة المعتوه ا هـ .
[ ص: 142 ] ( قوله وفيه نظر لأنه لا حاجة إلخ ) قال في المنح : أقول : ليس ما ذكره من النظر واقعا موقعه لأن التعريف إنما هو للصبي العاقل وهو المميز مطلقا كما ذكره المحققون في تعريفه لا بالنظر إلى خصوص الوكالة حتى يحتاج إلى ذكر هذا النظر والجواب عنه ا هـ .
ويرد عليه ما في اليعقوبية حيث قال قوله ويعرف الغبن اليسير من الفاحش كذا في أكثر الكتب وهو مشكل لأنهم اتفقوا على أن توكيل الصبي العاقل صحيح وفرق الغبن اليسير من الفاحش مما لا يطلع عليه أحد إلا بعد الاشتغال بعلم الفقه فلا وجه لصحة اشتراطه في صحة التوكيل كما لا يخفى ا هـ .
ولا يخفى عليك أنه حيث كان تصريف الصبي العاقل مأخوذا فيه معرفة الغبن الفاحش من اليسير كان شرطا في الوكالة أيضا ثم كان الظاهر أن يقول إلا بعد الاشتغال بالبيع والشراء ومعرفة أثمان المبيعات لأنه ليس المراد أن يعرف ما حده الفقهاء بل أن يعرف أن هذا الشيء قيمته كذا وأنه لو اشتراه أو باعه بكذا يكون مغبونا تأمل وعلى كل فاشتراط معرفة الغبن مشكل فقد يكون الرجل من أعقل الناس وأذكاهم ويغبن في بعض الأشياء بعدم وقوفه على مقدار قيمة مثلها ولعل مرادهم اشتراط ذلك فيما تكون قيمته معروفة مشهورة
. وانظر ما يأتي عند قوله وتقيد شراؤه بمثل القيمة ثم بعد كتابتي ذلك رأيت في الحواشي السعدية قال ما نصه قوله مما لا يطلع عليه أحد إلخ ممنوع فإنا نرى كثيرا من الصبيان يعرف ذلك من غير اشتغال بعلم الفقه بل بالسماع من الثقات وكثرت المباشرة بالمعاملات ثم قد يقام المتمكن من الشيء مقام ذلك الشيء كما سبق في مباحث عدم قبول شهادة الأعمى في هذا الكتاب وأما فيما نحن فيه فالتمكن من المعرفة بالعقل وذلك موجود في الصبي الذي كلامنا فيه فليتأمل ا هـ .
قلت : والظاهر أن مرادهم أن يعرف أن الخمسة فيما قيمته عشرة مثلا غبن فاحش وأن الواحد فيها يسير فإن من لم يدرك الفرق بينهما غير عاقل كصبي دفع له رجل كعبا وأخذ ثوبه فإذا فرح به ولا يعرف أنه مغبون في ذلك لا يصح تصرفه أصلا [ ص: 143 ] ( قوله وأما تفسير القصد بالاحتراز عن بيع الهازل والمكره فخارج عن المقصود إلخ ) سبقه إلى هذا الاعتراض يعقوب باشا ثم قال : والأولى أن قوله ويقصده تأكيد لقوله يعقد والعطف عطف تفسير لأنه بالقصد يعلم كمال العقد كما لا يخفى فليتأمل .