قوله (
فإن سافر فطعامه وشراؤه وكسوته وركوبه في مال المضاربة وإن عمل في المصر فنفقته في ماله ) أي إن سافر المضارب والركوب بفتح الراء ما يركب سواء كان بشراء أو كراء والفرق أن النفقة تجب جزاء الاحتباس كنفقة القاضي والمرأة والمضارب في المصر ساكن بالسكنى الأصلي وإذا سافر صار محبوسا بالمضاربة فيستحق النفقة قيد بالمضارب لأن الأجير والوكيل والمستبضع لا نفقة لهم مطلقا لأن الأجير يستحق البدل لا محالة والوكيل والمستبضع متبرعان وكذا
الشريك إذا سافر بمال الشركة لا نفقة له لأنه لم يجر التعارف به ذكره
المصنف في الكافي وصرح في النهاية بوجوبها في مال الشركة وأطلق المضاربة فانصرفت إلى الصحيحة لأن المضارب في الفاسدة أجير لا نفقة له ولما كانت العلة في وجوب النفقة حبس نفسه لأجلها علم أن ليس المراد بالسفر السفر الشرعي المقدر بثلاثة أيام بل المراد أن لا يمكنه أن يبيت في منزله وإن
خرج من المصر وأمكنه أن يعود إليه في ليلته فهو كالمصر لا نفقة له وأطلق المصر فشمل مصره الذي ولد فيه والمصر الذي اتخذه دارا أما لو
نوى الإقامة بمصر ولم يتخذه دارا فله النفقة كذا في شرح المجمع .
فلو أخذ مالا
بالكوفة وهو من أهل
البصرة وكان قدم
الكوفة مسافرا فلا نفقة له في المال ما دام
بالكوفة فإذا خرج منها مسافرا فله النفقة حتى يأتي
البصرة لأن خروجه لأجل المال ولا ينفق من المال ما دام
بالبصرة لأن
البصرة وطن أصلي له فكان إقامته فيه لأجل الوطن لا لأجل المال فإذا خرج من
البصرة له أن ينفق من المال إلى أن يأتي
الكوفة لأن خروجه من
البصرة لأجل المال وله أن ينفق أيضا ما أقام
بالكوفة حتى يعود إلى
البصرة لأن وطنه
بالكوفة كان وطن إقامة وإنه يبطل بالسفر فإن عاد إليها وليس له بها وطن فكان إقامته فيها لأجل المال كذا في البدائع والمحيط والفتاوى الظهيرية .
وأشار بالطعام وما بعده إلى أنه ينفق على نفسه في السفر ما لا بد منه في عادة التجار بالمعروف فدخل فيه غسل ثيابه وأجرة من يخدمه من الخبز والطبخ وعلف دابة الركوب والحمل ونفقة غلمانه الذين يعملون معه والدهن في موضع يحتاج إليه
كالحجاز وأجرة الحمام والحلاق وقص الشارب وما أسرف فيه ضمنه لانتفاء الإذن
وما فضل من النفقة بعد رجوعه إلى بلده رده إلى مال المضاربة كالحاج عن الغير يرد الفاضل عن
[ ص: 270 ] المحجوج عنه إن كان حيا وإن كان ميتا إلى ورثته والغازي إذا خرج من دار الحرب رد ما معه من النفقة وكالأمة إذا رجع المولى في تبوئتها ترد ما معها من النفقة على الزوج وأشار بنفي وجوب الدواء من مالها مطلقا إلى أن أجرة الحجام والفصاد لا تجب من مالها لأنها من الدواء كما في المحيط وإنما لم يجب الدواء لأنه من العوارض كدواء المرأة فإنه لا يجب على الزوج وأطلق في وجوب النفقة في السفر فشمل ما إذا اتفق له شراء شيء أو لا كما صرح به في الخلاصة ولما كان المعتبر عادة التجار كان له أكل الفاكهة وإن لم تكن من النفقة وله الخضاب كذا في الخلاصة .
وأشار بقوله فطعامه إلى أنه يأكل ما كان يعتاده كما هو مصرح به في الخلاصة وأشار بالنفقة إلى أنه ليس له أن يشتري جارية للوطء ولا للخدمة فإن اشترى كان من ماله خاصا كذا في الفتاوى الظهيرية وعلله في المحيط بأن الوطء قد يأتي بدون الجارية والحاجة إلى الخدمة ترتفع بالاستئجار وقيد بنفقة المضارب لأن نفقة عبيد رب المال ودوابه إذا سافر بهم ليست من مال المضاربة بل على رب المال فإن أنفق المضارب من مال المضاربة عليهم فهو ضامن لما أنفق تؤخذ مما خصه من الربح إن وفى وإلا يرجع عليه بالزيادة وإن أنفق بأمر رب المال حسب ذلك من مال رب المال كذا في الذخيرة والفتاوى الظهيرية وإذا رد شيئا من مال المضاربة على عبيد رب المال لا يضمن فهو كالمودع كذا في المحيط وأفاد بذكر الكسوة وجوب الفراش الذي ينام عليه كما صرح به في المحيط .
وأشار بقوله في مال المضاربة إلى أنه لا يشترط الإنفاق من عينه حتى لو أنفق من مال نفسه أو استدان على المضاربة لنفقته يرجع في مال المضاربة لأن التدبير في الإنفاق إليه كالوصي إذا أنفق على الصغير من مال نفسه وإن لم يرجع فيه حتى توي مال المضاربة لا يرجع على رب المال لفوات محل النفقة بخلاف ما إذا
اشترى شيئا للمضاربة أو استأجر دابة ليحمل عليها مال المضاربة فضاع المال قبل أن ينقد منه يرجع بذلك على رب المال لأنه عامل لرب المال بخلاف نفقته لأنه عامل لنفسه كذا في المحيط وأطلق السفر فشمل السفر للتجارة ولطلب الديون فيرجع بما أنفق لطلبه إلا إذا زاد على الدين فلا يرجع بالزيادة كما صرح به في المحيط وأطلق عمله في المصر فشمل عمله للتجارة ولاقتضاء الديون ولا رجوع له فيما أنفقه في الخصومة لتقاضي الدين كما في المحيط وأطلق المضارب ليفيد أنه لا فرق بين المضارب ومضاربه إذا كان إذنه في المضاربة وإلا فلا نفقة للثاني كما في المحيط .
قوله (
فإن ربح أخذ المالك ما أنفق من رأس المال ) أي ما أنفقه المضارب فإذا استوفى رأس ماله وفضل شيء اقتسماه لأن ما أنفقه يجعل كالهالك وأشار
المصنف إلى أن
للمضارب أن ينفق على نفسه من مال المضاربة في السفر قبل الربح وإلى أنه لو لم يظهر ربح لا شيء على المضارب قيد بالنفقة لأنه لو كان في المال دين غيرها قدم إيفاؤه على رأس المال ولو
أنفق المضارب من ماله ثم هلك مال المضاربة لم يرجع على رب المال بشيء كما قدمناه قوله ( فلو
باع المتاع مرابحة حسب ما أنفق على المتاع ) من الحملان وأجرة السمسار والقصار والصباغ ونحوه ويقول قام علي بكذا والأصل أن ما يوجب زيادة في رأس المال حقيقة أو حكما يضمه إلى رأس المال وكذا ما اعتاده التجار كأجرة السمسار كذا في النهاية .
قوله ( لا على نفسه ) أي لا يحسب نفقة نفسه إذا باع مرابحة والفرق أن الأول يوجب زيادة في المالية بزيادة القيمة والثاني لا يوجبها قوله ( ولو قصره أو حمله بماله وقيل له اعمل برأيك فهو متطوع ) يعني إذا
قال له رب المال اعمل برأيك فاشتري بمال المضاربة كله متاعا ثم قصره أو حمله بماله يكون متطوعا لا رجوع له على رب المال لأنه استدانه على رب المال وهو لا يجوز وعلم منه أنه لو زاد على الثمن بأن اشترى بأكثر من رأس المال يكون متطوعا قيد بقوله وقيل له اعمل برأيك أنه لو أذن له صريحا بذلك لا يكون تطوعا ولو لم يقل اعمل برأيك وسكت يكون متطوعا بالأولى وإذا كان متطوعا يكون له حصة من الربح فلو
اشترى بكل رأس المال وهو ألف ثيابا واستقرض مائة للحمل عليها ثم باعها [ ص: 271 ] بألفين قسمت الألف الربح على أحد عشر سهما فعشرة منها للمضاربة على شرطهما وسهم للمضارب خاصة في مقابلة ما تبرع به من الكراء ويرابح في هذه الصورة على ألف ومائة عند أبي حنيفة لأنها قامت عليه بذلك
وعندهما على ألف لا غير والثمن كله على المضاربة .
قوله ( وإن صبغه أحمر فهو شريك بما زاد الصبغ فيه ولا يضمن ) لأنه عين مال قائم حتى إذا بيع كان له حصة الصبغ وحصة الثوب الأبيض على المضاربة بخلاف القصارة والحمل لأنه ليس بعين مال قائم به ولهذا إذا فعله الغاصب ضاع ولا يضيع إذا صبغ المغصوب وإنما لا يضمن لأن رب المال قال له اعمل برأيك فيملك الخلط بخلاف ما إذا لم يقل له اعمل برأيك فإنه لا يكون شريكا بل يضمن كالغاصب والقصارة بفتح القاف مصدر من قصر الثوب فعل القصار وبكسرها حرفته وخص
المصنف الحمرة لأن السواد نقصان عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أما سائر الألوان فمثل الحمرة كذا في النهاية