قال رحمه الله : ( وندب نصب قاسم - رزقه في بيت المال - ليقسم بلا أجر ) .
يعني
يستحب نصب قاسم ورزقه في بيت المال لأن القسمة من جنس القضاء من حيث إنه يتم به قطع المنازعة فأشبه رزق القاضي ولأن منفعته تعود إلى العامة كمنفعة القضاء والمقاتل والمفتي فتكون كفايته في بيت المال لأنه أعد لمصالحهم كمنفعة هؤلاء ، وفي العتابية وغيرها : وينصب القاضي قاسما ، ويجوز للقاضي أن يقسم بنفسه ويأخذ على ذلك من المتقاسمين أجرة وهذا لأن القسمة ليست بقضاء على الحقيقة حتى لا يفترض على القاضي مباشرتها وإنما الذي يفترض عليه جبر الآبي على القسمة إلا أن لها شبها بالقضاء لأنها تستفاد منه ا هـ .
قال رحمه الله : ( وإلا نصب قاسما يقسم بأجرة بعدد الرءوس ) يعني إن لم ينصب قاسما رزقه في بيت المال نصبه وجعل رزقه على المتقاسمين لأن النفع لهم على الخصوص وليس بقضاء حقيقة حتى جاز للقاضي أن يأخذ الأجرة على القسمة وإن كان
[ ص: 169 ] لا يجوز له على القضاء ألا ترى أنه لا يفترض عليه أن يقسم عليهم بالمباشرة ، ومباشرة القضاء فرض عليه ويقدر له القاضي أجرة مثله كي لا يطمع في أموالهم ويتحكم بالزيادة ، والأفضل أن رزقه من بيت المال لأنه أرفق وأبعد من التهمة وقوله : بعدد الرءوس يعني يجب عليهم الأجرة على عدد الرءوس ولا يتفاوت بتفاوت الأنصباء وهذا عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام كما سيجيء بيانه عن قريب .
قال رحمه الله : ( ويجب أن يكون عدلا أمينا عالما بالقسمة ) لأنه من جنس عمل القضاء لأنه لا بد من الاعتماد على قوله والقدرة على القسمة وذلك بما ذكرنا قال
تاج الشريعة : ذكر الأمانة بعد العدالة ، وإن كانت من لوازمه لجواز أن يكون غير ظاهر الأمانة ورد بهذا ما به يلزم من ظهور العدالة ظهور الأمانة ورد عليه بأن المذكور العدالة لا ظهورها فاستلزام ظهورها ظهور الأمانة لا يقتضي استدراك ذكر الأمانة فإن قلت : لا يجوز أن يراد بالعدالة ظهورها كما أريد الأمانة حتى يستغنى بذكر العدالة عن ذكر الأمانة بالكلية قلت : ظهور العدالة من لفظ العدالة غير ظاهر لا يفهم من لفظها وحده بدون القرينة ، وإرادة ظهور الأمانة من لفظ الأمانة الواقعة في الكتاب ابتداء ظاهر العدالة لا غنى عن ذكر الأمانة .
قال : رحمه الله (
ولا يتعين قاسم واحد ) لأنه لو تعين لتحكم بالزيادة على أجرة مثله ولهذا المعنى لا يجبرهم الحاكم على أن يستأجروه ولأن القسمة فيها معنى المبادلة وهي تشبه القضاء على ما بينا ولا جبر فيهما ولو اصطلحوا فاقتسموا جاز لما ذكرنا أنه فيها معنى المبادلة إلا إذا كان فيهم صغير لأن تصرفهم عليه لا ينفذ ولا ولاية لهم عليه قال رحمه الله : ( ولا يشترك القسام ) يعني يمنعهم القاضي من الاشتراك كي لا يتضرر الناس لأن الأجرة تصير بذلك غالية لأنهم إذا اشتركوا يتواكلون وعند عدم الاشتراك يتبادرون إليها خشية الفوات فيرخص الأجر بسبب ذلك والأجرة على عدد الرءوس على قول
nindex.php?page=showalam&ids=11990الإمام وقالا : على قدر الأنصباء لأنها مؤنة الملك فتتقدر بقدره كأجرة الكيال والوزان وحافر البئر وحمل الطعام وغسل الثوب المشترك وكبناء الدار والجدار لأن المقصود بالقسمة أن يتوصل كل واحد منهما إلى الانتفاع بنصيبه ، ومنفعة صاحب الكثير أكثر فكانت مؤنة القسمة عليه أكثر
nindex.php?page=showalam&ids=11990وللإمام أن الأجرة بمقابلة التمييز ، وإنه لا يتفاوت وربما يصعب الحساب بالنظر إلى القليل وقد ينعكس الأمر باعتبار المكسور فيتعذر اعتباره ألا ترى أنه لا يتصور تمييز القليل من الكثير إلا بما يفعله فيهما فيتعلق الحكم بأصل التمييز لأن عمل الإفراز واقع لهم جملة بخلاف ما ذكراه لأن الأجرة مقابلة بالعمل وهو يتفاوت فتتفاوت الأجرة بتفاوته وروى
الحسن عن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أن الأجرة على الطالب للقسمة لأنه هو المنتفع بالقسمة دون الآخر ا هـ .